مقالات

خارطة الطريق جاهزة.. هل تنجح؟

خارطة الطريق جاهزة.. هل تنجح؟

 

بالأمس أعلنت موسكو أن مسودة “خارطة الطريق” لتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا أصبحت جاهزة، وأن روسيا تتطلع لمناقشة هذه المسودة مع المسؤولين السوريين والأتراك خلال اجتماع نواب وزراء الخارجية في أستانا في 21 من الشهر الجاري.

وتأتي خارطة الطريق هذه نتيجة لاجتماع وزراء خارجية روسيا وسورية وتركيا وإيران الذي استضافته موسكو في العاشر من أيار الماضي، حيث تم الاتفاق على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات في الدول الأربع.

وبالرغم من أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي أعلن الانتهاء من وضع مسودة “خريطة الطريق” لم يكشف عن مضمونها، إلا أن وزير الخارجية سيرغي لافروف حدد خلال الاجتماع الوزاري الرباعي في أيار الماضي عناوين الخارطة عندما قال أنها “يجب أن تتيح تحديد مواقف سورية وتركيا بوضوح بشأن القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهما، مما يعني حل مشكلة استعادة سيطرة الحكومة السورية على جميع أراضي البلاد، وضمان الأمن الموثوق به للحدود المشتركة بطول 950 كيلومتراً مع تركيا، ومنع وقوع هجمات عبر الحدود وتسلل إرهابيين”، وكذلك تنسيق وتسهيل العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى وطنهم.

لكن الأهم من العناوين هو موضوع الضمانات والإطارات الزمنية التي سوف تتضمنها الخارطة لضبط إيقاع تنفيذها، فالمسودة بلا شك هي خلاصة مداولات مسؤولي وزارات الخارجية والدفاع والاستخبارات وتقاطع للخرائط التي تقدمت بها كل من دمشق وأنقرة وربما طهران وموسكو، لكن هل دمشق وأنقرة جاهزتان للسير في الخارطة؟

اقرأ أيضاً: فليشاركنا العرب استكمال نصرنا

في الجانب التركي، الرئيس أردوغان وإن كان قد خرج منتصراً في الانتخابات، إلاّ أنه لم يتخلص من عبء اللاجئين وتداعيات تورطه في دعم الإرهابيين في سورية، والدليل أن سفيره لدى بروكسل دعا خلال مشاركته في مؤتمر “دعم مستقبل سورية والمنطقة” قبل أيام، المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين بالتنسيق مع الدولة السورية.

وقال السفير التركي إن “تركيا لن تتحمل أعباء استقبال اللاجئين إلى الأبد” في مؤشر على أن أنقرة تضيق ذرعاً باللاجئين كما حال الدول المضيفة الأخرى والتي تئن تحت ضغوط اقتصادية، وهي غير قادرة على الاستمرار في نفس النهج الذي تبنته خلال العقد الماضي.

أيضاً فإن تولي رئيس جهاز الاستخبارات التركي حقان فيدان منصب وزير الخارجية يؤشر أن أنقرة حريصة على الاستمرار بنهج المصالحة مع دمشق، باعتبار فيدان كان في صلب المفاوضات والمحادثات، وهو أكثر اطلاعاً على التحديات الأمنية والعسكرية التي ينبغي معالجتها لتحقيق المصالحة مع سورية.

ليس هذا فحسب، بل إن أنقرة قد تضع عينيها على المشاركة في ملف إعادة الإعمار، وربما تدفعها المصالحة العربية مع دمشق إلى الإسراع بعقد المصالحة مع سورية لحجز موقعها في هذا الملف الرابح قبل فوات الأوان.

كما أن أنقرة التي تعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة تحتاج إلى سورية “آمنة” و”صديقة” باعتبارها النافذة الأوسع لتركيا إلى دول الخليج التي تحسنت علاقاتها التجارية مع أنقرة بشكل كبير خلال العام الماضي، وهذه العلاقات تحتاج إلى خطوط ترانزيت آمنة وسريعة توفرها سورية.

أمّا في سورية، ما يزال الموقف السوري يؤكد على حل أساس المشكلة المتمثلة بالإرهاب والاحتلال مع مرونة واضحة مبنية على واقعية تأخذ بعين الاعتبار الملفات الشائكة التي تواجه الطرفين، وضرورة البدء بخطوات تنفيذية تفضي في نهاية الأمر إلى تحقيق المطالب السورية بانسحاب القوات التركية والقضاء على الإرهاب وعودة اللاجئين.

الرئيس بشار الأسد أكد خلال استقباله علي أصغر خاجي معاون وزير الخارجية الإيرانية للشؤون الخاصة في دمشق قبل أيام أهمية “وضع إستراتيجية مشتركة تحدد الأسس وتوضّح بدقة العناوين والأهداف التي تبنى عليها المفاوضات القادمة سواء كانت بخصوص الانسحاب التركي من الأراضي السورية أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من القضايا، وتضع إطاراً زمنياً وآليات تنفيذ لهذه العناوين، وذلك بالتعاون مع الجانبين الروسي والإيراني”.

فسورية التي استعادت مناطق واسعة من الأراضي من سيطرة الإرهابيين، بحاجة إلى استكمال مسار سيطرتها على كافة أراضيها وإنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية، وستكون هذه القضايا في صلب المصالحة مع تركيا.

لذلك فإن دمشق معنية بنجاح المصالحة مع أنقرة، بدل استمرار الوضع القائم الذي يشكل عبئاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهي حريصة على الدخول في مفاوضات جديّة مع تركيا وفق خارطة طريق تخضع لإطار زمني محدد وآليات تنفيذية تضمنها موسكو وطهران وتشرف على حسن تنفيذها.

لا شك أن الطرفين السوري والتركي يشعران اليوم براحة أكبر قياساً بالمرحلة السابقة، أردوغان فاز بالانتخابات، وسورية تحظى بانفتاح عربي واسع، الأمر الذي قد يدفعهما إلى النظر للمصالحة من منطق حسابات إستراتيجية وليست حسابات انتخابية أو آنية، والتوصل إلى مصالحة قابلة للحياة تصب في مصلحة البلدين الجارين.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى