مقالات

القمة السورية العراقية.. بين التحديات والإمكانات

القمة السورية العراقية.. بين التحديات والإمكانات

 

جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق 16 تموز الجاري ومباحثاته مع الرئيس بشار الأسد في ظل تحولات إقليمية ودولية كبرى، وفي وقت بدأت سورية التي دخلت الحرب فيها عامها الثالث عشر تتعافي سياسياً بعد استعادة مقعدها في الجامعة العربية وعودة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع دمشق منذ عقد ونيف.

الزيارة وهي الأولى لرئيس وزراء عراقي منذ 13 عاماً، تبدو مهمة في توقيتها وخصوصاً أن البلدين يواجهان اليوم تحديات مشتركة ومترابطة حد التعقيد، ليس أولها الإرهاب وليس نهايتها ملف شح المياه وسرقة حصص البلدين من مياه دجلة والفرات.

التحديات الأمنية العابرة للحدود التي يمثلها الإرهاب الداعشي، لا تزال تشكل معضلة معقدة ومصدر خطر حقيقي على الأمن والاستقرار في البلدين، وقد كان هذا الملف موضع بحث معمق وخصوصاً أن الوفد المرافق لرئيس الوزراء العراقي ضم نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن قيس رحيمة ومن الجانب السوري رئيس هيئة الأركان العماد عبد الكريم إبراهيم.

لقد كان واضحاً العزم المشترك على مجابهة تحدي الإرهاب والمخدرات باعتبارها تحديات أمنية تهدد الاستقرار الأمني والمجتمعي في البلدين، فقد أكد الرئيس الأسد في المؤتمر الصحفي مع السوداني على تحدي “الإرهاب والتعاون في مجال مكافحته”، إضافة إلى “موضوع المخدرات الآفة الأخطر” التي تواجه الدول ولا تختلف عن الإرهاب لأنها قادرة على تدمير المجتمع بنفس الطريقة التي يفعلها الإرهاب.

اقرأ أيضاً: سورية والعراق.. تحديات وآمال مشتركة

إذا كانت التحديات المشتركة التي تهدد الأمن والاستقرار في البلدين تشكل “عامل دفع نحو المزيد من الترابط والتعاون والتنسيق لمواجهة كل المخططات والتحديات التي تضر بالشعبين الشقيقين” بحسب السوداني فماذا يستطيع البلدان أن يفعلا معاً في هذه المواجهة المفتوحة مع قوى كبرى تقودها الولايات المتحدة وتركيا؟

لا يخفى على أحد أن اليد الأمريكية التخريبية لا تزال تمارس هيمنتها على العراق عبر قواعدها العسكرية، وهي تقوم بأكثر من ذلك في سورية عبر قواعدها الإحتلالية في التنف والجزيرة السورية، وتحاول منع أي تقارب أو ترابط سوري عراقي وخصوصاً في المجال الاقتصادي.

وتواصل القوات الأمريكية التي تشكل مظلة حماية لتنظيم داعش الإرهابي ولميليشيا “قسد” الانفصالية، منع القوات السورية من القضاء على الإرهاب لإبقائه بؤرة قابلة للحياة واستخدمه أداة لإطالة أمد الحرب والاحتلال.

لا شك أن التعاون والتنسيق الثنائي يشكل مصدر قلق للولايات المتحدة وتركيا، ولذلك كنا دائماً نرى أن واشنطن تتدخل وتخرب أية محاولة للتقارب السوري العراقي، تارة عبر الضغوط السياسية وتارة عبر استهداف القوافل التجارية على معبر البوكمال، ومن خلال سيطرتها على معبر التنف الذي شكل الممر التجاري والاقتصادي الرئيسي بين البلدين قبل بدء الحرب على سورية.

وفي ملف التحدي المائي وشح المياه وسرقة تركيا لكميات كبيرة من حصة سورية والعراق من نهري دجلة والفرات، لا تزال أنقرة تستغل الأوضاع الأمنية وضعف الدولة الوطنية في البلدين لمنع حصول بغداد ودمشق على حصتهما من مياه دجلة والفرات مع ما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والمجتمعي في البلدين.

لذلك فإن تنسيق المواقف بين سورية والعراق قد يساهم إلى حد كبير في التأثير على الموقف العدائي الذي تمارسه أنقرة ليس في ملف المياه فقط، بل في استباحة سيادة البلدين في المناطق الحدودية شمال سورية وفي الشمال العراقي ومحاولتها فرض سياسة الأمر الواقع من خلال توغل الجيش التركي واحتلال مناطق في البلدين.

لكن هل يستطيع البلدان في ظل الهجمة الأمريكية الغربية الجديدة على سورية والتعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الجزيرة السورية والتنف ومحاولة فرض الأمر الواقع على الدولة السورية بإقامة كانتون انفصالي في الجزيرة السورية، هل يستطيع البلدان المواجهة دون الخوض في معارك ميدانية؟

نعتقد أنه بدون معارك عسكرية ضد الوجود الأمريكي في سورية لن تستطيع دمشق وبغداد من بناء علاقات اقتصادية أو سياسة ثابتة وحقيقية خصوصاً مع وجود قوات الاحتلال الأمريكي في منطقة الحدود وسيطرة “قسد” على الجزيرة السورية.

فواشنطن لن تستطيع تحمل ضربات المقاومة الشعبية في الجانب السوري إذا ما تسببت بإصابات في صفوف القوات الأمريكية وهذا بدأ يحدث، وما تعرضت له القوات الأمريكية في العراق خير دليل على ذلك، لذلك فإن خيار المقاومة الشعبية هو الخيار الأفضل للضغط على واشنطن لسحب قواتها المحتلة من سورية.

إن أي تقارب حقيقي بين دمشق وبغداد ستكون له مفاعيل إيجابية على الأمن والاستقرار في البلدين وكذلك على مواجهة تحديات التنمية المشتركة سواء في الاقتصاد الزراعي أم في مجال استثمارات النفط والغاز وفي النقل والتجارة.

لذلك فإن على حكومتي البلدين تسريع وتيرة التعاون البيني وعدم الالتفات للضغوط الخارجية التي تهدف فقط إلى استمرار حالة الضعف والتباعد بين البلدين الشقيقين وإبقائهما خارج المعادلة السياسية الإقليمية.

لقد أصاب الرئيس الأسد ورئيس الوزراء العراقي عندما أكدا أن مواجهة التحديات المشتركة أمنياً واقتصادياً تتطلب إرادة قوية وتصميماً على المضي في مسار التنسيق والتعاون الثنائي، بغض النظر عن امتعاض ومعارضة بعض القوى الإقليمية والدولية من “صناع الفوضى الدوليين”، فما ينفع العراق ينفع سورية وما يضر سورية يضر العراق.

كلام رئيس الحكومة العراقية في المؤتمر الصحفي المشترك بأن “بسط يد الدولة السورية على كامل أراضيها هو مسألة تعني الأمن القومي العراقي أولاً، وأي جيب خارج عن السيطرة ويأوي المجاميع الإرهابية والتخريبية هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة والعالم بأسره” تعبير واضح عن رفض العراق لمخطط ميليشيا “قسد” إقامة كانتون انفصالي في الجزيرة السورية ورسالة للولايات المتحدة بأن العراق لن يقبل تفكيك سورية والعراق تحت أي مسمى كان.

المسؤولية الوطنية والقومية اليوم تتطلب من حكومتي البلدين القيام بخطوات عملية لتعزيز العلاقات الثنائية لمواجهة تحديات الإرهاب والمخدرات وشح المياه والتهديدات والأطماع الأمريكية والتركية، كي تشكل الزيارة “نقلة ليست فقط نوعية بل فعلية وعملية وحقيقية في إطار العلاقات الأخوية” بحسب ما وصفها الرئيس الأسد ولتستعيد سورية ويستعيد العراق عافيتهما السياسية والاقتصادية وموقعهما الذي يستحقان.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى