مقالات

أوروبا وإدمان التبعية

أوروبا وإدمان التبعية

 

لا يمكن تفسير العناد الأوروبي الحالي ومعارضة الإتحاد الأوروبي عودة العلاقات العربية مع سورية وكذلك رفضه عودة اللاجئين السوريين، سوى بالتبعية العمياء التي أدمنتها دول الإتحاد للسياسة الأمريكية التي تملي وتفرض ما تشاء على صناع السياسة في القارة العجوز دونما أدنى اعتراض أو حتى تذمر.

نحن العرب أكثر من يعلم التبعية الأوروبية للقرار السياسي في واشنطن، إذ غاب القرار الأوروبي المستقل حيال القضايا في الشرق الأوسط منذ عقود، وباستثناء حالات قليلة (معارضة فرنسا وألمانيا للغزو الأمريكي للعراق عام 2003 باعتباره لم يحظ بموافقة مجلس الأمن)، لم تخرج دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة عبر مظلة الاتحاد، أو فرادى عبر العواصم الأوروبية بقرار واحد مستقل أو خارج السياسات الأمريكية.

اليوم تدفع أوروبا فاتورة الحرب الأمريكية – الروسية في أوكرانيا من أمنها واقتصادها وهي راضخة للأوامر الأمريكية، فما الذي يجعل الاتحاد الأوروبي اليوم معارضاً لعودة سورية إلى الجامعة العربية ومحيطها العربي، ورافضاً لعودة اللاجئين السوريين الذين يدفع الإتحاد فاتورة كبيرة للدول المضيفة كالأردن ولبنان وتركيا؟

بالأمس ألغى الإتحاد الأوروبي لقاءاً كان مقرراً بين الجامعة العربية والاتحاد بسبب عودة دمشق إلى الجامعة ووجود ممثل لسورية في اللقاء المرتقب، في تصرف يكشف قصر نظر الدول الأوروبية وسطحية سياساتها وخضوعها المطلق للقرار الأمريكي.

اقرأ أيضاً: خارطة الطريق جاهزة.. هل تنجح؟

فبدلاً من أن تبارك الدول الأوروبية استعادة العلاقات العربية مع دمشق وتدعم المساعي والجهود العربية لمساعدة سورية وشعبها على استعادة عافيتهم السياسية والاقتصادية وإنهاء الوجود الإرهابي الاحتلالي الذي أفرز مشكلة اللاجئين التي تثقل كاهل الإتحاد الأوروبي، جاء الموقف الأوروبي دليلاً إضافياً لخضوع العواصم الأوروبية للسياسة الأمريكية بمنع التواصل مع دمشق ومواصلة الضغط عليها سياسياً واقتصادياً لمنع تعافيها، تماماً كما هو الحال في الحرب الأوكرانية.

الاتحاد الأوروبي الذي يصرّ على مناقشة مسألة اللاجئين السوريين وتمويل الجهود الإنسانية الخاصة بهم في غياب الحكومة السورية، يثبت في كل يوم أنه منفصل عن الواقع ويصرّ على مواصلة السير في الظل الأمريكي.

اليوم ترى الدول الأوروبية أن الجميع بدأ يطرق أبواب دمشق اعترافاً بفشل السياسات السابقة التي استخدمت لتقويض الدولة السورية، واعترافاً بأن السياسات الخاطئة يجب أن تصحح وتستبدل بسياسات جديدة سواء على المستوى العربي أم على مستوى العلاقة مع تركيا.

لذلك على الدول الأوروبية فرادى وعبر مؤسسة الإتحاد التي تجمعهم أن يستجمعوا قواهم ويتبنوا سياساتهم المستقلة التي تخدم مصالح الشعوب الأوروبية بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة التي لا يهمها المواطن الأوروبي أو الأسيوي أو الأفريقي بقدر ما يهمها مصالحها الخاصة ومصالح ربيبتها كيان الاحتلال الإسرائيلي.

لكن الموقف الأوروبي ينبغي ألا يمر مرور الكرام، وعلى الجامعة العربية كمؤسسة وكدول أعضاء أن يكون لها موقفاً من ازدراء بروكسل للجامعة ومواقفها، وخصوصاً المواقف الإيجابية، فكلنا يعلم كيف هللت العواصم الأوروبية والغربية لقرار الجامعة المؤسف بتعليق عضوية سورية فيها عام 2012 وامتطته جسراً لخنق الشعب السوري.

ولا يكفي أن يتم استغراب الموقف الأوروبي من قبل بعض المسؤولين العرب والتعبير عن الأسف، بل ينبغي على الجامعة إن كانت تمثل فعلاً الإرادة العربية، أن تصدر بيان إدانة لهذا الموقف الأحمق الذي يعكس نظرة استعلائية على العرب جميعاً، وأن تتخذ الدول العربية موقفاً موحداً من الاتحاد الأوروبي حتى تجعله يعيد النظر في مواقفه ويدرك أن الدول العربية تمتلك قرارها وخصوصاً فيما يخص العلاقات العربية – العربية.

أن يرفض وزير الخارجية المصري سامح شكري الموقف الأوروبي، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية لرد الاعتبار للموقف العربي الموحد الذي تمثل بقرار عودة سورية إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، خصوصاً أن القرار الأوروبي لا يمكن تبريره أو تفسيره سوى في خانة الرضوخ للأمريكي من جهة، وخانة العداء للدول العربية التي لا تعتبرها أوروبا دول تمتلك الرشد السياسي.

إذا كان الهدف من الموقف الأوروبي إعادة عقارب الساعة للوراء ومحاولة إعادة زرع الشقاق الانقسام بين الدول العربية التي بدأت تعيد النظر في سياساتها من منطلق المصالح الوطنية والقومية، فإن مصير هذا التصرف الفشل لأن السياق السياسي الجديد هو الأقوى اليوم.

وأمام هذا الموقف الأوروبي الأحمق، على الدول العربية أن ترد بميزان قوتها وقدرتها، وإلاّ فإنها سوف تفتح المجال مجدداً لدول الاستعمار القديم للتحكم بمصير العرب شعوباً ودولاً وهذا ليس المأمول في ظل التحولات الدولية التي تفترض بهم الاضطلاع بدور فاعل هم قادرون عليه بالتعاون مع القوى الصاعدة كروسيا والصين وإيران والبرازيل وجنوب أفريقيا.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى