مقالات

الحرب على غزة.. حرب على العرب

الحرب على غزة.. حرب على العرب

 

الحرب الدائرة اليوم في فلسطين المحتلة والتي تقودها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة غربية أمريكية فعلية ليست ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة فقط، بل هي، كما كانت منذ وعد “بلفور”، حرب على كل الشعوب العربية، حرب لكسر الإرادة العربية التي تجسدت في طوفان الأقصى، ولوأد القضية الفلسطينية وسحل كل من يحمل هذه القضية في قلبه وعقله.

مع انحنائنا تقديراً للدم الفلسطيني المهدور على مذبح فلسطين والذي لم يتوقف منذ نُكبت فلسطين ونُكب العرب معها عام 1948، فالدم السوري المسفوك منذ عام 2011 على يد الإرهاب والدول الداعمة له هو على نفس الطريق.. طريق القدس وفلسطين، وخيراً كانت دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن نطلق على الشهداء منذ السابع من تشرين الأول في لبنان وسورية وفلسطين تسمية “شهداء على طريق القدس”، لأن شهداؤنا لم يكونوا يومياً سوى على طريق القدس وفلسطين والأقصى أينما استشهدوا وفي أي معركة ارتقوا.

فالحرب قد تكون بالصواريخ طوراً وبالسياسة والتطبيع و”الاتفاقات الإبراهيمية” طوراً آخر، وعندما تفشل خطة الحرب العسكرية والإرهابية، تنتقل المعركة للخطة الثانية سواء كانت على شكل تطبيع سياسي أم اقتصادي، ومن يعتقد أن حملة التطبيع التي تقودها واشنطن ليست حرباً أشد خطراً على القضية الفلسطينية من الحرب العسكرية، فهو منفصل عن الواقع ومشتبه.

والحرب اليوم ليست في غزة فقط وليست ضد حماس لوحدها، وإن حاول الكيان الغاصب ومعه واشنطن تصوير الأمر كذلك، فالحرب على كل الجبهات وخطوط النار تمتد من غزة إلى الضفة الغربية وبيروت ودمشق وحلب وبغداد واليمن وإيران، وما تتعرض له المطارات السورية ليس إلا جولة في صلب المعركة التي تريدها تل أبيب قاصمة لإرادة المقاومة، ويريدها محور المقاومة طوفاناً يمسح الاحتلال من فلسطين.

من هنا تأتي وحدة الساحات وتصبح أمراً مفروضاً لا مفر منه؟ فالعدو في تلك الساحات وإن ابتعدت عن بعضها جغرافياً هو نفسه، الكيان الإسرائيلي الذي يحارب كل من يساند حقوق الشعب الفلسطيني، والولايات المتحدة التي تحارب كل من يؤيد الشعب الفلسطيني ويدعم مقاومته ضد الاحتلال، هذا العدو المشترك هو الذي يجمع الساحات ويوحدها من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران.

اقرأ أيضاً: الإسرائيليون.. مرتزقة

وإن كان هناك من العرب من يعتقد أنه بمنأى ومأمن من الأطماع الإسرائيلية والأمريكية فهو واهم، ومن يعتقد أن اتفاقيات التطبيع يمكن أن تحميه من العدوان الإسرائيلي فهو متوهم، والدليل ما يجري مع الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تعتبر مقر السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق أوسلو مع المحتل الإسرائيلي قبل 30 عاماً، والدليل ما تخططه سلطات الاحتلال لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية ومن الضفة الغربية إلى الأردن لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدول العربية.

وإلاّ ما سر طوفان التسريبات عن الخطة الإسرائيلية – الأمريكية لتهجير أهالي قطاع غزة وترحيلهم إلى سيناء المصرية مقابل إغراءات مادية وترهيبات لا تخطر على بال؟ هل هذه الخطة وليدة العملية العسكرية التي اندلعت فجر السابع من تشرين الأول؟ أم هي نتاج أقبية الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية لاستكمال نكبة الـ 48 وفرض ترانسفير وترحيل قسري للشعب الفلسطيني عن أرضه ودياره؟

العرب وإن استفاقوا اليوم على هول مأساة غزة، لم يصلوا بعد حد الصحوة الحقيقية التي تجعلهم يقفون فعلاً إلى جانب أشقائهم في فلسطين ورفع الظلم عنهم، وما قاله مندوب الكويت في مجلس الأمن الدولي بالأمس يعبر عن حجم الإحباط الذي يعتري الدول العربية التي تخلت عن شعب فلسطين عقوداً من الزمن، ويأمل الشارع العربي، الذي انتفض من أقصاه إلى أقصاه ضد الجرائم الإسرائيلية وحرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، أن يرتقي الموقف الرسمي العربي إلى حجم المأساة.

الدول الغربية على مر العقود الماضية أفشلت أي حل للصراع العربي الإسرائيلي من خلال انحيازها المخزي للاحتلال ومنحه حصانة مطلقة من الإدانة والمحاسبة، وشراكتها مع الاحتلال في ارتكابه حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني واضحة للعيان تكشفها زيارات الدعم التي قام بها المسؤولون الغربيون إلى تل أبيب، ولن ينفع معها سوى موقف عربي وإسلامي موحد يضع حداً لتماديها وانتهاكها لحقوق الفلسطينيين.

الانتفاضة الشعبية العربية التي رافقت طوفان الأقصى ينبغي أن تحرك لدى الحكومات العربية الحس القومي العروبي الذي دخل مرحلة الموت السريري منذ عقود، وتعيد له الحياة باتخاذ مواقف حقيقية داعمة لصمود الشعب الفلسطيني ونضاله ضد المحتل وآلته العسكرية التي دكت قطاع غزة بمئات آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ المحرمة دولياً وقتلت أكثر من 3000 طفل فلسطيني وما يزيد عن 1600 امرأة خلال أقل من عشرين يوماً من الحرب تحت أنظار وأسماع المجتمع الدولي الصامت.

آن للدول العربية أن تدرك أنّ البيانات لوحدها لن تحمي الشعب الفلسطيني ولن تنقذ أطفال غزة والضفة الغربية من صواريخ القتل والدمار، وآن لهم أن يعلموا أنّ السكوت على الاعتداءات الإسرائيلية ضد المطارات السورية سيكون بداية لسكوت عن اعتداءات على مطارات عربية أخرى، وأنّ حماية فلسطين هي حماية للدول والشعوب العربية.

صحيح أن المعركة في غزة، لكنها حرب على الدول العربية وشعوبها، ومن يتجاهل هذه الحقيقية سيقع في الندم بعد حين، فالصراع لم يبدأ في 7 تشرين الأول وأطماع “إسرائيل” وحاميتها الولايات المتحدة لا تشبعها فلسطين وحدها ومن يقرأ تاريخ المخططات الإسرائيلية يدرك ذلك جيداً.. لذلك نقول للعرب.. دافعوا عن غزة وأحموها تحموا دولكم وشعوبكم.

إن الجسور الجوية من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة التي أعلنتها بعض الدول العربية على أهميتها هي مجرد مخدر لآلام الفلسطينيين، لأن هذه الجسور تتحطم على معبر رفح ولن تصل الشعب الفلسطيني إلا فتاتاً، لذلك فإن الجسور الجوية ينبغي أن تكون عسكرية، ألم تسبقكم واشنطن بجسور المساعدات العسكرية القاتلة دعما للكيان المحتل؟

لقد أصبح لزاماً على الدول العربية المطبعة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وتلك التي وقعت اتفاقيات سلام معه أن تقطع تلك العلاقات، وأن تعلّق العمل بالاتفاقيات وإلغائها إلى أن يتحقق الأمن والسلام للشعب الفلسطيني باستعادة أرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة على أرضه.. فبغير ذلك تبقى كل المواقف العربية حبراً على ورق ويبقى مصير العرب رهن الأطماع الإسرائيلية.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى