مقالات

ناقلة باثنتين والبادئ أظلم

ناقلة باثنتين والبادئ أظلم  

 

من يمتلك القوة يستطيع أن يحاور ويفاوض وأن يحارب، أما من دونها فعليه أن يستمع ويصغي ويطيع، حال السياسة الدولية قديماً وحديثاً لا جديد فيها، فكم من دول استبيحت واحتلت لأنها لم تمتلك قوة الصد والرد والدفاع أو بالأحرى لم تمتلك قوة الهجوم الذي يعتبر خير وسيلة للدفاع، ليس في الرياضة وحدها بل في الصراع الدولي أيضاً.

في نيسان الماضي احتجزت السلطات اليونانية بطلب من الولايات المتحدة ناقلة نفط إيرانية (لانا)، الأمر الذي يشكل بموجب القانون الدولي، عملاً من أعمال القرصنة البحرية كون العقوبات المفروضة على إيران هي عقوبات أحادية تفرضها الولايات المتحدة مع الدول الغربية خارج إطار الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويشكل هذا الاحتجاز تعدياً على حقوق الدول وقانون التجارة العالمية وحرية الملاحة البحرية.

لم يتأخر الرد الإيراني، إذ رأت طهران في التصرف اليوناني الذي جاء تحت ضغط الولايات المتحدة اعتداء على قانون الملاحة البحرية وعلى حقوق إيران، وقامت البحرية الإيرانية في 27 أيار باحتجاز ناقلتي نفط يونانيتين، “دلتا بسويدن” و”برودنت وريور”، تحملان نحو 108 مليون برميل نفط في مياه الخليج مقابل السواحل الإيرانية بسبب ارتكابهما انتهاكات وعدم امتثالهما للتعليمات وقوانين الملاحة البحرية” فيما اعتبر من قبل المتابعين أنه رد على احتجاز ناقلة النفط الإيرانية.

لكن كيف كانت الردود العالمية على الحدثين؟ عندما احتجزت اليونان ناقلة النفط الإيرانية اعتبرت معظم دول العالم وصحافتها أن اليونان تطبق العقوبات الغربية ضد طهران، ولم يتحدث أحد عن أن هذا العمل يشكل انتهاكاً للقانون الدولي وحرية الملاحة وأن العقوبات الغربية نفسها انتهاك للقانون الدولي، ولم يحتج أحد وكأن الأمر طبيعي وليس فيه أي مشكلة!!

لكن عندما احتجزت طهران الناقلتين اليونانيتين وصل الاحتجاج الغربي عنان السماء، واعتبر الأمر تهديداً للملاحة في الخليج وانتهاك للقانون الدولي وقانون الملاحة الدولية، فالخارجية اليونانية قدمت مذكرة احتجاج شديدة للسفير الإيراني في أثينا، واعتبرت احتجاز السفن “عملاً إرهـ.ـابياً” فيما جددت باريس تمسكها بقواعد القانون الدولي التي تحمي حرية الملاحة والسلامة البحرية ودعت إيران إلى الوقف الفوري لأعمالها المخالفة لها!!

الولايات المتحدة التي صادرت شحنة النفط من على متن الناقلة الإيرانية وأمرت بنقلها إلى واشنطن، وفي مفارقة عجيبة، دانت بأشد العبارات احتجاز طهران للسفينتين اليونانيتين معتبرة أن هذه الأعمال تشكل تهديدا لأمن الملاحة والاقتصاد العالمي”!!

كل هذا أمر طبيعي في سياسة الدول الغربية فهي تقوم على مبدأ “يحق لنا ما لا يحق لغيرنا” والقانون الدولي لا وجود له إلاّ لتطبيقه على الدول الأخرى. لكن ما فعلته طهران أن قالت لهذا العالم الغربي المتعجرف.. إن لم تعترفوا بالقانون الدولي فلن تفهموا سوى لغة القوة التي تضع حداً لهيمنتكم وتجبّركم واعتداءاتكم على شعوب العالم.

وأمام الموقف القوي الذي أظهرته طهران كان على اليونان البحث عن مخرج وهذا ما حصل، حيث تراجع القضاء اليوناني عن قراره باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية (لانا) وكذلك قرر قبل أيام إعادة شحنة النفط لمالكيها في ضربة موجعة للعنجهية الغربية وخصوصاً لسياسة قطاع الطرق الأمريكية التي تمارس القرصنة في أعالي البحار.

لا شك أن الموقف اليوناني هو انعكاس للموقف الأمريكي الذي رضخ وتراجع أمام التصميم والإرادة الإيرانية الأمر الذي يشكل انتصاراً للحقوق الإيرانية وهزيمة لسياسات الهيمنة والعدوان الأمريكية الغربية.

اقرأ أيضاً: أستانا، مؤتمر عودة اللاجئين.. طيف الاعتداءات والتهديدات.. وخطوات التطويق

لقد استطاعت طهران بامتلاكها القوة الذاتية أن تحاور الغرب وتفاوضه وتحاربه عند اللزوم، ما أعطاها القدرة أيضاً على الرد على الممارسات الغربية وخصوصاً الأمريكية والإسرائيلية، وما يزال العالم يذكر كيف ردت طهران على اغتيال واشنطن للشـ.ـهيد قاسم سليماني في العراق ودمرت قاعدة عيـ.تن الأسـ.تد الأمريكية هناك، وكيف ترد على الاغتيالات التي تمارسها إسـ.ـرائيل.

الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الغربية عام 2015 وانسحبت منه واشنطن عام 2018، يعيش حالة من الجمود بعد أشهر من المفاوضات في فيينا، لكن الولايات المتحدة أعلنت مجدداً استعدادها لإبرام وتنفيذ الاتفاق على الفور، إذا ما أسقطت طهران “المطالب التي تتجاوز نطاق الاتفاق”، بحسب تعبير الخارجية الأمريكية.. فهل نحن مقبلون عن انتصار إيراني جديد بعد أن أثبتت معادلة الردع، “العين باثنتين والبادئ أظلم” جدواها وقوتها؟

عبد الرحيم أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى