مقالات

“الملافظ سعد” يا مسؤولين!!

“الملافظ سعد” يا مسؤولين!!

 

كثيراً ما كنت أرفض ما يمارسه البعض من “تنمر” على مسؤول هنا أو فنان هناك بعد أن يتم تصيدهم بعبارة قالوها أو حتى اجتزاء تصريح أو قول لهم ليكون مناسبة للتندر عليهم وأحياناً الإساءة بشكل مقصود.

وكثيراً ما حاولت تصويب أفكار بعض المحيطين بي وغيرهم، وأقول لهم “مستحيل أن يقول فلان (مسؤول) ما نقل عنه” وأبحث حتى أجد دليلاً أن كل ما في الأمر، إما تلفيق أو اجتزاء أو ربما تقويل له من قبل ناشري الفيس بهدف “جمع اللايكات”.

لكني اليوم بتُّ أقرّ وأعترف بأنني هُزمت في معركة الدفاع والتصويب هذه، ليس لقلة عريكتي وخبرتي ولا لضراوة خصومي، بل لأن سعادة المسؤولين لم يتركوا لنا ساحة ندافع فيها عنهم لدرجة أننا بتنا لا نستغرب أي “بوست” ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي ناقلاً تصريحاً لمسؤول مجافياً للمنطق ومثيراً للاستفزاز ومتسبباً بوهن عزيمة المواطن.

قالت العرب: “الملافظ سعد” وهذا يعني إن أردت أن تقول شيئاً فاستخدم مفردات لغوية جميلة مناسبة للحديث وللمتلقين، مفردات مفهومة وتعابير منطقية يقبلها عقل المتلقي وقلبه، هذا في الأحوال الطبيعية وفي أحاديث الأشخاص فيما بينهم، فما بالكم عندما يكون الكلام لمسؤول بمرتبة (مدير أو وزير) ويتحدث بشكل رسمي ليعبر عن وجهة نظر مؤسسة من مؤسسات الدولة ويتوجه بحديثة لعامة المواطنين؟!!

مناسبة الحديث ليس فقط ما نقل مؤخراً عن مديرة مكتب الزيتون في حديث إذاعي وقولها كما نُشر حرفياً.. “أما بالنسبة للزيت الذي ينتج عن الغلي ويطلق عليه (الخريج) شعبياً فهو موروث شعبي ولكنه غير صالح للاستهلاك البشري لأنه يحوي على نسب عالية من الحموضة ورقم البيروكسيد فيه فوق الـ 40 ويعرض لحرارة عالية ويخمر عدة مرات”.

إن سبب الحديث هو عشرات التصريحات لمسؤولين على نمط هذا التصريح الذي أقل ما يقال فيه أنه يسيء لشريحة واسعة من السوريين ممن توارثوا صناعة وتناول هذا النوع من الزيت منذ مئات السنين، فهل هم يأكلون زيتاً غير صالح للاستهلاك البشري؟!!

علمياً، قد يكون “زيت الخريج” يحتوي على أسيد عالي وربما فيه البيروكسيد 40 وأكثر، وقد نوافق صاحبة التصريح أن هذا الزيت قد يكون “غير صحي” بالمعنى العلمي للكلمة، لكن أن تقول أنه “غير صالح للاستهلاك البشري” فهو أمر غير مقبول ولا يمكن الدفاع عنه، فبعد أن امتشقت سلاحي للبحث عن دليل بأن التصريح ملفّق، تفاجأت به صحيحاً فعدت خائباً.

"الملافظ سعد" يا مسؤولين!!
“الملافظ سعد” يا مسؤولين!!

لا تعتبوا على المواطن بعد اليوم إن أصبح يصدّق أي خبر أو معلومة تنشرها صفحات الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يحق لكم من الآن فصاعداً أن تتهموه بأنه لا يدقق في صحة المعلومة وبأنه “يقص ويلصق عالعمياني” لأن ما وصلنا إليه من التصريحات الاستفزازية من نمط (الكالوريز وغير صالح للاستهلاك البشري والتنكة والبيدون) تشكل البيئة الخصبة لما يجري.

فالمواطنون الذين يسمعون هذه التصريحات يصابون بالإحباط واليأس وليس أمامهم إلا “التهكم عليها بالنكت والقفشات” المضحكة رداً على ما يصيبهم اليوم من “تنمر” المسؤولين عليهم واعتبارهم “سنة أولى” في زراعة الزيتون وجمع ثماره وعصر زيته وحفظة في “بيدونات” بلاستيكية أو “تنك مطلية”.

ما حصل من تعميمٍ ثم تنصلٍ على شكل “نصيحة” من وزارة الزراعة حول منع معاصر الزيتون من تعبئة الزيت بعبوات بلاستيكية والاستعاضة عنها بصفائح معدنية (تنك)، مثال على القرارات المتسرعة وإعادة “سحبها” بعد أن تكون قد أثارت الرأي العام وشكلت عامل ضغط نفسي على المواطنين.

"الملافظ سعد" يا مسؤولين!!
“الملافظ سعد” يا مسؤولين!!

فبعد ثلاثة أيام أو أكثر من تحول قضية “البيدون والتنكة” إلى “ترند” على منصات التواصل الاجتماعي رمت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الكرة في ملعب وزارة الزراعة معلنة أنه لا علاقة لها بقرار المنع، لتتحرك وزارة الزراعة في اليوم التالي لتعلن أنها قدمت “نصيحة” فقط وهي غير ملزمة، ولتنتهي معها شكوك الناس بخلفيات القرار وتداعياته فيما لو تم تطبيقه.

لم يعد المزارع السوري يثق بخبرته وتاريخه الزراعي، فكل يوم يسمع تصريحات من بعض المسؤولين تشكك بمحاصيلنا الزراعية، فالحمضيات في ساحلنا لا تصلح لمعامل العصير! وتفاحنا وخضرواتنا غير قابلة للتصدير لأن فيها أثر متبقي من المبيدات، وزيتنا غير منافس عالمياً نظراً لسوء القطاف والعصر والتخزين!!

لسان حال المزارع اليوم يقول: كفاكم “تنمراً” علينا، فلم نسمع صوتكم عندما اشترينا المبيدات الحشرية من السوق السوداء غير معروفة المصدر، ولا تفضلتم بتأمين الوقود للفلاحة ولا المياه لسقاية أشجار الحمضيات، ولا السماد في موعده، أما عند موعد القطاف تتفتق قريحتكم بتصريحات مستفزة، فإن لم يكن لديكم كلام على نمط “الملافظ سعد”، فالسكوت أفضل.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: النقل.. ثم النقل..!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى