مقالات

بعد الإغاثة.. الإعمار

بعد الإغاثة.. الإعمار

 

بعد انتهاء أعمال المرحلة الأولى من الاستجابة للزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سورية وانتشال العالقين تحت الأنقاض أحياء وأموات وإغاثة المنكوبين جراء الزلزال وتأمين المتضررين في مساكن إيواء مؤقتة، تتجه الأنظار إلى المرحلة الثانية من الاستجابة والتي تتمحور على إعادة تأهيل المناطق المتضررة وبناء المساكن المتهدمة لإعادة شرايين الحياة إلى طبيعتها.

لا خلاف على أن المناطق المتضررة من الزلزال تمتد من حلب إلى إدلب وحماه واللاذقية وطرطوس بشكل أقل، لكن السوريين الذين هبّوا جميعاً لمد يد العون لإغاثة أشقائهم في كربتهم، جميعهم متضررون من الحرب والزلزال، وبالتالي فإن إعادة بناء ما تهدم من مساكن ومحال تجارية ومنشآت صغيرة وتخديمها بالبنية التحتية تتجاوز قدرة السوريين وقدرة دولتهم بعد سنوات الحرب التي قوضت الكثير من قدرات الدولة الاقتصادية والإنشائية الكبرى واستنزفت مواردها المالية.

لذلك فإن المرجو من دول العالم وخصوصاً الدول العربية ومنظمات الأمم المتحدة التي مدت يد العون مشكورة لإغاثة السوريين المنكوبين بالزلزال في مرحلة الاستجابة الأولى، أن تبادر إلى توسيع قاعدة التعاون والمساعدة في إعادة بناء الأحياء المدمرة والمتضررة وتمويل مشاريع إعادة الإعمار فيها وإنشاء البنى التحتية وفق المعايير العالمية لمقاومة الزلازل.

التعويل اليوم لن يكون على الدول التي ناصبت الدولة السورية العداء على مدى عقد ونيف وكانت معول هدم لبنيان الدولة السورية، وبالتالي لن يفكر السوريون بالدول الغربية والأوروبية ولا ببعض الدول العربية الغنية مالياً الفقيرة حساً إنسانياً، بل إن التعويل الحقيقي على الأشقاء العرب وعلى الأصدقاء الذين تدافعوا مشكورين في مرحلة الاستجابة الأولى ولم يبخلوا في تقديم المساعدات التي كانت بلسماً لجراح السوريين.

الشكر للأشقاء العرب من الجزائر إلى الإمارات وعُمان والعراق والأردن والسعودية ومصر وتونس وليبيا ولبنان والسودان واليمن ولجميع الأصدقاء من إيران إلى الصين وروسيا وبيلاروس وفنزويلا وكازاخستان والهند وباكستان وبنغلادش والشيشان وفنزويلا وأرمينيا وقبرص ولجميع الدول التي مدت يد العون للسوريين في محنتهم، ونقول لهم أن التعويل عليكم في إعادة الأمل للسوريين بأن الإنسانية التي كادت أن تلفظ أنفساها على أيدي الولايات المتحدة وبعض الدول الاستعمارية مازالت على قيد الحياة، وقادرة على بث الحياة في أجساد أنهكتها الحرب والحصار والزلزال.

الأمل اليوم بأن تكون بوابة كارثة الزلزال بوابة تعاون لتجاوز تداعياته وتداعيات الحرب الإرهابية التي تعاني منها سورية منذ 11 عاماً، وقد بدأت خطوات سياسية ملحوظة وهي موضع ترحيب سوري ويمكن التعويل عليها مستقبلاً.

والسوريون يملكون أمهر العمالة وأقدرها على إعادة البناء والإعمار ولكن المطلوب اليوم من الدول العربية والدول الصديقة تأمين مصادر التمويل وأن تكون شريكاً في إعادة البناء والإعمار للمناطق المنكوبة من الزلزال أولاً ولبقية المناطق المنكوبة بالحرب.

وتشكل قطاعات الطاقة التي تضررت بفعل الحرب من كهرباء ونفط وغاز أولوية بالنسبة للسوريين الرازحين تحت حصار “قيصر” الأمريكي من جهة وتحت سرقة واشنطن لمصادر الطاقة في البلاد، لذلك فإن دعم الدول العربية لهذه القطاعات ستكون بمثابة زراعة شرايين حياة جديدة للسوريين.

نعلم أن الولايات المتحدة ومعها الثنائي الاستعماري البريطاني والفرنسي يعملون على استثمار الظروف الإنسانية التي أوجدتها كارثة الزلزال لزيادة الضغط على الدولة السورية وتمرير مخططاتهم الخبيثة لتفكيك الوطن، لكن على الدول التي انتصرت إنسانيتها للسوريين أن تواصل طريقها في نصرة سورية وشعبها.

وعلى الدولة السورية أن تبدي انفتاحاً واسعاً وتضع المخططات والأرضية القانونية التي تسمح بتدفق رؤوس الأموال لإعادة إعمار المناطق المتضررة بسرعة قياسية وبمعايير الجودة العالمية التي تستطيع مقاومة الزلازل وتخفيف تداعياتها.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: الواجب الإنساني والنفاق السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى