مقالات

الهجوم على سورية من بوابة الانفتاح العربي.. من يدفع للزمّار؟

الهجوم على سورية من بوابة الانفتاح العربي.. من يدفع للزمّار؟

 

المتابع للإعلام الخليجي والغربي يلاحظ مؤخراً أن هناك حملة إعلامية منظمة تقودها جهات ليس لها مصلحة في التقارب العربي مع سورية، أو بالأحرى تعمل على تعطيل هذا التقارب بأي وسيلة كانت إن لم يحقق الغايات الأمريكية التي شُنّت الحرب على سورية من أجلها.

العارفون بالإعلام يدركون أن “الأقلام تنطق عن المال” وأن مقولة “من يدفع للزمّار” وإن كانت قديمة لكنها تنطبق في كل زمان ومكان على الإعلام بكافة أشكاله وعلى الأدب والشعر والفن والمسرح، وفي شتى أنواع التعبير وخصوصاً في الميديا الحديثة التي تشكّل وسائل التواصل الاجتماعي ساحتها ومنبرها المنفلت من أية قيود باستثناء “الخوارزميات الموجهة” التي تضعها الدول الممولة “للزمّار”.

الملفت في جميع المقالات التي نشرتها منافذ الإعلام الخليجية والغربية حيال الانفتاح العربي على سورية، أنها تؤكد وقف الاتصالات العربية مع الحكومة السورية دون أن تستند إلى أي تصريح رسمي من أي جهة عربية أو سورية، بل وتحمّل تلك الروايات دمشق مسؤولية تعطيل الانفتاح لعدم قيامها بأي خطوة ايجابية في خطة العمل!

وكانت العناوين في كل من صحيفة الشرق الأوسط وموقع العربية نت وصحيفة النهار اللبنانية والعربي الجديد وموقع قناة الحرة الأمريكية وشبكة سي إن إن الأمريكية من نمط واحد: “دمشق تعطي الانفتاح العربي ظهرها وتركز على تونس”، “موت سريري.. أين وصلت المبادرة العربية بشأن الحل في سورية؟”، “هل جُمدّت الاتصالات العربية مع الأسد؟”، “الأسد لم يقدم شيئاً بعد الانفتاح العربي”، “العرب وسورية: هل أقفلت نافذة الانفتاح؟” لتؤكد تلك الحملة الممنهجة أن من يدفع “للزمّار” جهة واحدة.

تعمدّت تلك المقالات وإن كانت صيغت بطرق مختلفة، تحريف مضمون الملفات التي تم الاتفاق عليها بين دمشق والدول العربية من خلال تعميم فكرة أن الدول العربية تتهم الدولة السورية بإنتاج وتهريب المخدرات وبالتالي هي مطالبة بتفكيك خطوط إنتاج وشبكات التهريب وكأنها مصانع للبرادات أو الغسالات وليست شبكات سرية تعمل بعيداً عن أعين الحكومة السورية!!

اقرأ أيضاً: الكرامة المدعومة خارجياً.. كنتاكي ودولارات!!

تحاول الحملة الخبيثة التي انبرى لها كتاب مقيمون في تركيا، إظهار سورية أنها غير قادرة أو غير راغبة في الإيفاء بالتزاماتها تجاه مضمون الانفتاح العربي، في حين تتجاهل عدم قدرة الدول العربية أو عدم رغبتها بخرق أو كسر الأوامر الأمريكية التي صدرت ضد التطبيع، سواء ما يتعلق منها بالحصار الاقتصادي أو الدعم الإنساني لمشاريع التعافي المبكر التي أقرها مجلس الأمن الدولي قبل عدة أشهر.

رسالة الحملة الإعلامية هي إظهار الحكومة السورية بأنها غير مهتمة بالمبادرة العربية، وأنها متعنتة ورافضة للتعاون الأمر الذي خيب آمال السوريين الذين كانوا يعوّلون على الانفتاح العربي لتخفيف الأعباء المعيشية عنهم وحل الأزمة السورية.

هذه الحملة تؤكد أن الحرب على سورية اليوم انتقلت إلى مرحلة جديدة يترافق فيها التصعيد الإرهابي كما حصل في مجزرة الكلية الحربية بحمص قبل يومين وإثارة الفوضى كما في السويداء منذ شهر، وتشديد الحصار، مع رفع منسوب الحرب الإدراكية المعرفية لتمرير الشروط الأمريكية.

فمحاولة تعويم فكرة إن العرب بادروا وانفتحوا على سورية مع إيهام السوريين بالحرص على تحسين أوضاعهم المعيشية ورفع منسوب آمالهم، مقابل اللعب على أوجاعهم بإظهار دولتهم غير راغبة في ذلك وهي التي تتحمل مسؤولية استمرار آلامهم، تهدف إلى تفكيك الجبهة الداخلية وإثارة غضبها ضد الدولة بدل أن يكون غضبها موجهاً ضد العدو الذي يحتل الأرض ويسرق الموارد ويخنق السوريين بالحصار.

هذه الحرب الإدراكية المعرفية تقودها أجهزة المخابرات الأمريكية وينفذها جنود لا يحملون السلاح ولا يرتدون البزّات العسكرية بل أطقم وسبورات، ينتشرون في الصحافة والثقافة والسينما والمسرح والجامعات وعلى الساحة الافتراضية التي يتصدرها اليوتيوبرز والبلوغرز والتيك توكرز والفيس بوكرز والمغردون على تويتر وغيرها من منصات الحرب الدعائية الغربية.

في هذه الحرب التي تعتبر أشد خطراً من الحرب العسكرية، يتم استخدام التضليل الإعلامي والأخبار المزيفة عبر الإعلام والسوشال ميديا كسلاح لتهديم المجتمع السوري من الداخل وتفكيك الجبهة الداخلية من خلال تحويل الضحية إلى جلاد والإرهابي إلى ثائر والمحتل إلى مخلّص.

وتلعب الخوارزميات التي تنظم عمل تلك المنصات دوراً كبيراً في الحرب من خلال الترويج للمفاهيم والأخبار المزيفة والترندات التي تريدها الدول الغربية، مع حظر أو حجب أي نشاط أو أفكار تناهض السياسات الغربية الأمريكية ومنعها من الظهور لدى جمهور المتلقين.

والحرب المعرفية الإدراكية لا تقتصر على الإعلام والسوشال ميديا بل تمتد إلى المسرح والسينما والرواية، حيث يتم تجنيد وصناعة مخرجين وكتاب لإنتاج روايات وأفلام ومسلسلات تخدم الأجندة الغربية ويكون الطريق أمامها مفتوحاً إلى العالمية والدخول في المهرجانات الدولية والفوز بالجوائز والألقاب.

لذلك على المؤسسات الثقافية والإعلامية الوطنية أن تتصدى بقوة وبراعة للحرب المعرفية الإدراكية باستخدام نفس الوسائل التي يستخدمها العدو، وعلينا نحن التيقظ وعدم الاستكانة والرضوخ أمام طوفان المعلومات والأخبار المزيفة التي تستهدف الوعي الجمعي للمجتمع السوري، وأن نعمل معاً على نشر حملات للتنوير في مواجهة حملات تدمير الوعي التي تستهدف شعبنا وبلدنا.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى