مقالات

المطالب المعيشية والفوضى

المطالب المعيشية والفوضى

 

الكل يعلم الظروف التي تمر بها البلد من حرب وحصار، ومعظم السوريين قدموا أغلى ما يملكون دفاعاً عن وطنهم، وقد وصلت بهم الحال إلى بيع مدخراتهم وبعض أثاث منازلهم لإكمال حياتهم في ظل الظروف الاقتصادية المتفاقمة وارتفاع الأسعار، ولا يمكن لأحد أن ينظّر عليهم بالوطنية عندما يعلو صراخهم من الألم جراء ضيق الحال وانعدام الأمل.

والأصوات التي ارتفعت مؤخراً مع رفع أسعار المازوت والبنزين، بالتوازي مع رفع الرواتب والأجور بنسبة 100%، ليست سوى صراخ صادق من المواطنين جراء ابتلاع الأسعار هذه الزيادة، بهدف تنبيه الحكومة إلى التداعيات الكارثية التي فرضتها زيادة أسعار المشتقات النفطية على كاهل السوريين.

لكن أن يتحول الصوت العالي إلى فوضى وتخريب وقطع للطرقات وقطع أرزاق الناس ومنعهم من مزاولة أعمالهم والذهاب إلى جامعاتهم، هو بلا شك يخرج عن إطار المطالب المعيشية المحقة ويصبح من يقوم بهذا الأعمال، بعلم منه أو بدون علم، أداة بيد أعداء الوطن الذين تسببوا بجميع المآسي المعيشية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي يعاني منها السوريون.

لا يدانينا شك بأن المصاعب المعيشية التي أصابت السوريين جراء الحرب المتواصلة منذ 12 سنة، أصابت الغالبية العظمى منهم وفي جميع المحافظات باستثناء قلة قليلة تستثمر بعذابات السوريين وبالحرب والفوضى، وبالتالي لا يمكن أن تكون المصاعب المعيشية قد أصابت محافظة دون أخرى، فالأعباء المعيشية التي يعاني منها أبناء حمص هي نفسها التي يعاني منها أبناء السويداء وطرطوس واللاذقية وحماه وحلب.

اقرأ أيضاً: برعاية فرنسية بريطانية.. مشروع تخريبي جديد يستهدف البلاد من بوابته الجنوبية

لذلك فإن تحول تلك المطالب التي يتحدث عنها السوريين، إلى مكان لممارسة الفوضى وقطع الشوارع في بعض المناطق ورفع شعارات لا تمت للوضع المعيشي بصلة، يفقدها بعدها الاجتماعي المعيشي والوطني ويضعها في خانة الارتباط بمخطط أعداء الوطن لأنها تصب بشكل مباشر في سياق المخطط الذي يهدف إلى تفكيك الوطن وتفتيته وتحويله إلى كانتونات متنازعة تحتكم في خلافاتها إلى المستعمر الأكبر في العالم الذي يقبع في واشنطن.

لا يحاولن أحدٌ أن يفرق في حجم المعاناة بين محافظة وأخرى، ولا يمكن لعاقل أن يقول “برجولة” شباب محافظة عن غيرها، فالجميع وقف بشرف وعزة وكبرياء في مواجهة الإرهاب والغزاة، وقدموا قوافل الشهداء ليبقى الوطن الذي نعيش فيه اليوم حراً سيداً وإن كان مكلوماً.

فهل يوجد تفسير منطقي لما يجري في السويداء مع احترامنا لرموزها الوطنية والدينية ولرجالاتها الذين ضحوا مع أشقائهم السوريين منذ عهد الاستقلال وصولاً إلى حربنا الضروس ضد الإرهاب وداعميه ومموليه؟

لماذا لم يحدث ذلك في حمص وحلب وطرطوس؟ هل تختلف معاناة السوريين في تلك المحافظات عن معاناة من يختطفون الشارع ويمنعون الناس من ممارسة أعمالهم؟

ثم لماذا يختلف موقف غالبية أبناء السويداء عن هؤلاء؟ أسئلة نعلم ويعلم السوريون جوابها ولكن الحكمة تقتضي أن نعالج المسألة بروح المسؤولية بعيداً عن توصيفات لا تحل المشكلة.

هل سمعتم عن شهداء دير الزور واللاذقية ودرعا وشهداء العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية؟

ألا تربطون بين تزامن الهجمات الإرهابية وتشديد الحصار الأمريكي الغربي ضد سورية ورفع الفيتو في وجه عودة العرب إلى دمشق؟

ألا يوجد رابط بينها وبين الشعارات الطائفية والسياسية التي رفعت تحت عناوين معيشية؟

برأيكم من يعمل على تجويع الشعب السوري؟ هل هي الحكومة السورية أم الولايات المتحدة عبر حصارها وسرقة مواردنا من الجزيرة السورية؟

ثم ألم تقل واشنطن أن حصارها بدأ يعطي ثماره في تجويع السوريين وتأجيج مشاعرهم ضد حكومتهم ودولتهم؟

أمام الفصل الأشرس من الحرب، علينا جميعاً أن نتخذ الخطوات الإيجابية سواء من الحكومة أم من المواطنين لتجاوز المرحلة الصعبة من عمر الحرب للوصول إلى بر الأمان.

والمطلوب من السوريين جميعاً، البحث عن مخارج لأزمتهم الاقتصادية بالعقل والحوار والتعاون والعمل يداً واحدة لمواجهة حرب التجويع الأمريكية واستعادة ثرواتنا المنهوبة وكسر الحصار عبر الإنتاج والعمل وليس بالتظاهر وقطع الطرقات والشوارع التي لن تؤدي سوى إلى مزيد من الخراب والدمار.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى