مقالات

الاتفاق الوشيك.. ما بعده

الاتفاق الوشيك.. ما بعده

كل المؤشرات تؤكد أن التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية – بعد مفاوضات شاقة – بات وشيكا، أكثر التوقعات تفاؤلاً تتحدث عن توقيع محتمل نهاية آذار الجاري، وأقلها تفاؤلاً تتحدث عن أسابيع قليلة، ما يعني أن التوقيع صار أمراً محسوماً.

 

إيران التي بقيت ثابتة على مواقفها عند كل مناسبة جرت حول إحياء اتفاق ٢٠١٥ الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب، حافظت على حقوقها، وحظيت بكل ما حاول الجانب الأميركي التهرب منه أو المماطلة فيه، بمقابل قدرة فائقة أظهرها فريق التفاوض لجهة تحييد أي عناوين أخرى حاولت واشنطن اقحامها بالاتفاق، سياسية تتصل بدور طهران الإقليمي، ودفاعية تتعلق بالقوة الصاروخية إنتاجاً وامتلاكاً.

 

رفع العقوبات المفروضة، وشطبها على نحو أوسع وأشمل، يبدأ بإزالة الحظر المفروض، ولا ينتهي عند رفض الشروط التي وضعت لرفع العقوبات عن مؤسسات مالية وسيادية وعسكرية، بينها الحرس الثوري، والبنك المركزي، وصندوق التنمية وبنوك أخرى، وشركات نفطية وطنية، ومنظمة الطاقة الذرية، والشركات التابعة للصناعة الدفاعية، وأكثر من ٤٠ مؤسسة رئيسية، فضلاً عن الشخصيات الرسمية.. الخ، كله تحقق، إضافة إلى الكثير من القضايا الفنية والتقنية المتعلقة بالضمانات الاقتصادية، أجهزة الطرد المركزي للتخصيب، أرشيف كاميرات المراقبة، وسواها من نقاط كانت عالقة حتى قبل أيام قليلة من هذا التاريخ.

 

حتى الضمانات التي طلبتها روسيا بتحييد علاقاتها التجارية مع إيران وافقت عليها الولايات المتحدة، حصلت موسكو عليها، ذلك جرى بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبينما تتواصل التجاذبات بين الغرب وموسكو، وفي الوقت الذي لم تتوقف فيه ضغوط الكيان المؤقت، وايباك على إدارة جو بايدن لعرقلة الاتفاق ومنع توقيعه؟!.

 

حزمة أسئلة كبيرة تطرحها أطراف محددة حول أسباب الموافقة الأميركية على ما تقدم، وصولاً لإحياء الاتفاق النووي، وتكاد تجمع الاجابات عنها على أن إدارة بايدن لم تتجاهل التحفظات الاسرائيلية، وغير الاسرائيلية، لكنها لم تسمح لها بتعطيل التوصل لاتفاق يجعل واشنطن تطوي صفحة انسحاب ترامب، فتصلح – حسب الأميركيين – الضرر الناتج عن ذلك، وتتفرغ لقضايا أكثر إلحاحا.

 

الولايات المتحدة التي تتعامل بهذه الأثناء مع مسألة الاتفاق على أنه ناجز وأمر واقع كان لا بد منه بالنظر إلى ما يشغلها مع الصين – مستقبل الخصومة والتنافس – ومع روسيا وتطورت الحرب الأوكرانية، تتطلع ربما لعمل يقوم به وكلاؤها في المنطقة لا يحملها أعباء إضافية ويحقق لها ما لا يدع طهران تشعر بالراحة بعد التوقيع.

 

من جملة ما يعنيه ذلك، هو أن الولايات المتحدة منخرطة بقوة مع المتضررين من الاتفاق بالإعداد لمرحلة ما بعده، وهو الأمر الذي بدأ يرشح عنه الكثير حيث لم تخف تحركات نفتالي بينيت الأخيرة هدف ما تقوم به حكومته، سواء بمحاولة تشكيل حلف مع المطبعين معها بأفق عسكري، أم لجهة الجهر بالعمل على إعادة النظر بالعمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني مباشرة.

 

إسرائيلياً، من الطبيعي أن يكون هناك ثمة ما يعد لمرحلة ما بعد الاتفاق، لكن غير الطبيعي الذي يثبت حالة الإفلاس أن تكون الوجهة ذاتها باتجاه المطبعين العاجزين عن التقدم مقدار بوصة واحدة في اليمن على سبيل المثال، لتكون هذه الخطوة محكومة بالفشل قبل أن تبدأ، إلا إذا كان الهدف منها شيء آخر.

 

أميركياً، قد تبيت واشنطن لما هو عدواني في مرحلة ما بعد التوقيع، غير أنها بما اختبرته سابقاً، تبدو بذهابها للاعتماد على الوكلاء أعجز من أن تحقق إصابة واحدة لهدف واحد من كثير أهدافها التي سقطت وتمزقت حواملها في كل الملفات تقريباً وعلى جميع المحاور والجبهات.

 

ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، مرحلة جديدة، نعم هي مرحلة أخرى، إذا كان المتضررون من توقيعه يعدون العدة لها بما فيهم الأميركي والملتحقين به دائماً، فإنها المرحلة الجديدة التي تعد لها طهران وحلفاؤها في المنطقة، وبالتعاون مع شركائها على المستوى الدولي، قد يكون مفيداً تذكير الواهمين بالاتفاقيات الاستراتيجية الإيرانية – الصينية، وتلك المشابهة في طور الإعداد مع روسيا.

 

ولن نتحدث عن معادلات الردع التي رسمت بالنار خلال السنوات الماضية، ستقوى بعد رسوخها، وقد أمست جبهة الحق أكثر صلابة، في فلسطين، لبنان، سورية، العراق، اليمن، امتداداً إلى ما يجري على الجبهات الموازية، في أوكرانيا اليوم، وغدا ربما في تايوان.

إقرأ أيضاً : فرضية اتساع الحرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى