مقالات

الدور العربي في سورية بعيداً عن الوصفات الأممية

الدور العربي في سورية بعيداً عن الوصفات الأممية

 

تفاءل الكثير من السوريون والعرب بالخطوات الانفتاحية التي شهدتها العلاقات العربية مع سورية بداية العام الجاري، وتتويجها باستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية ومشاركة الرئيس بشار الأسد في قمة جدة بالمملكة العربية السعودية التي قادت حراكاً محموماً لتحقيق هذه المشاركة، لكن هذا التفاؤل بدأ يتلاشى مع مرور أشهر على القمة وسط تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسوريين.

يعلم السوريون كما غيرهم أن الدور العربي في بداية الحرب على سورية كان دوراً سلبياً بمعظمه، وانخرطت العديد من الدول العربية في مخطط تدمير سورية ومحاولة الإطاحة بقيادتها.

وبعد 12 عاماً من التدمير الممنهج لمقومات الدولة، وفشل هذا المخطط في تحقيق أهدافه النهائية، يعود العرب إلى دمشق ولكنهم يحملون بين أيديهم “الوصفة” الأممية للحل التي ثبت فشلها ألف مرة، وكأنه كتب على العرب أن يكونوا تابعين في كل شيء وليس لديهم القدرة على اتخاذ أية قرارات تخص الشأن العربي بمعزل عن “الوصفات” الدولية.

فهل عاد العرب إلى دمشق بحكم الاضطرار لمواجهة تداعيات الحرب والإرهاب واللاجئين والمخدرات عليهم؟ أم جاءت العودة بتنسيق غربي لاستكمال تنفيذ “الوصفة الأممية” للحل والتي تتمثل بقرار مجلس الأمن الدولي 2254؟

ما خرج به بيان اجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سورية بمشاركة وزير الخارجية فيصل المقداد في القاهرة بالأمس وإن كان يحتوي لغة جميلة وأمنيات طيبة لسورية وشعبها، لكنه يوحي بتراجع الزخم العربي تجاه دمشق، وبأن العرب لم يتمكنوا بعد من امتلاك زمام قرارهم، لأنهم ببساطة ربطوا تحركهم بالقرار الدولي 2254 الذي يشلّ قدرتهم على اجتراح الحلول بما يتناسب والواقع الجديد في سورية واحترام إرادة السوريين وسيادة الدولة السورية.

فالحديث العربي المرتفع اليوم عن عودة اللاجئين ومكافحة تهريب المخدرات وأهمية تمديد فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، مقابل صوتهم المنخفض جداً حيال رفض الاحتلال ومحاربة الإرهاب، لا يخرج عن مسار “الوصفات الأممية” من جهة، ويعكس ضعف الموقف العربي حيال الوجود الاحتلالي التركي والأمريكي الذي ينتهك سيادة سورية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، من جهة ثانية.

اقرأ أيضاً: ما بين أزيز الرصاص وأنين الجوع

هذا الموقف يعكسه الإعلام العربي الذي ما يزال رهينة الأسئلة الممجوجة المكررة التي أصبحت من المنسيات، إذ لماذا يصرّ مذيع قناة سكاي نيوز بعد 12 عام من بدء الحرب الإرهابية على سورية على توجيه أسئلة للرئيس الأسد من قبيل.. هل كان يمكن تفادي الحرب؟ هل كنتم تتوقعون حجم الضرر؟ هل خشيت على حياتك؟ هل فكرت بالتخلي عن السلطة؟ هل تتحملون مسؤولية الحرب؟ أسئلة لا يمكن أن تكون بريئة بعد أن كشفت الحرب أدواتها ومموليها ومخططيها والمنخرطين فيها ولم يعد فيها شيء مستور.

الترحيب العربي بالاتفاق بين سورية والأمم المتحدة لتمديد فتح معابر باب الهوى وباب السلام والراعي مع تركيا لتمرير المساعدات الإنسانية للمدنيين في أرياف حلب وإدلب وكذلك تشجيعهم الحكومة السورية للنظر في تمديد السماح باستخدام هذه المعابر لفترات أخرى، خطوة إيجابية تحتاج إلى تدعيمها بموقف عربي بتقديم المساعدات والدعم المالي للدولة السورية كخطوة مقابلة للخطوة السورية، أليس هم من يطرحون الحل على أساس خطوة مقابل خطوة؟

الخطوة السورية تستوجب من العرب والأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يبادروا إلى دعم مشاريع التعافي المبكر في مجالات الصحة والبنى التحتية والخدمات والكهرباء والماء والوقود من أجل استقبال اللاجئين الذين تعتبرهم الأمم المتحدة والدول العربية مشكلة كبيرة وينبغي حلها بعودة طوعية وآمنة إلى مناطقهم.

كيف سيعود اللاجئون إذا كانت سورية منهكة اقتصادياً وبناها التحتية مدمرة وهي محاصرة أمريكياً وغربياً وتفرض عليها الولايات المتحدة فيتو على أي مشاركة دولية في مشاريع التعافي المبكر؟

الحل يكون عبر خطوة عربية جريئة للبدء وبسرعة بهذه المشاريع التنموية الضرورية لتحضير البيئة المناسبة لعودة اللاجئين, وكذلك لابد من دعم الاقتصاد السوري حتى يقف على قدميه، فليس ضخ مليارات الدولارات العربية في المصارف التركية أولى من ضخها في المصرف المركزي السوري لتحسين قيمة الليرة السورية ودعم الاقتصاد والوضع المعيشي للسوريين جميعاً.

هل تستطيع الدول العربية ذات الميزانيات الكبرى التي تضخ الأموال في العديد من دول العالم أن تفعل ذلك في سورية؟ نعم.. تستطيع وخصوصاً إذا أرادت أن يكون لها دوراً موازياً للدور الإيراني حسبما تقول؟

إذا كانت الدول العربية جادة فعليها أن تنافس الدور الإيراني في الاقتصاد والسياسة وأن تبادر كما الأصدقاء الإيرانيين لدعم الاقتصاد السوري وعندها فقط تستطيع تلك الدول أن تتحدث عن دور عربي حقيقي يوازن الأدوار الأخرى في بلد منكوب بالإرهاب والحرب والزلزال والحصار.

سورية اليوم وإن كانت منهكة اقتصادياً فهي ليست في وارد تقديم تنازلات رفضت تقديمها تحت القصف والحرب، والوصفات الأممية لن يكتب لها النجاح لأنها لم تكن في يوم من الأيام لصالح سورية وشعبها.

لذلك إن كانت الدول العربية جادة في مساعدة سورية على استعادة عافيتها وتمكينها من بسط سيطرتها على كامل جغرافيتها لتمارس سلطاتها في ضبط الحدود ومحاربة تهريب المخدرات وإعادة اللاجئين، فعلى تلك الدول إيجاد “وصفات عربية” للحل تأخذ بعين الاعتبار مصالح العرب والشعوب العربية ومصالح سورية وشعبها بعيداً عن الوصفات والأجندات الغربية.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى