مقالات

ما بين أزيز الرصاص وأنين الجوع

ما بين أزيز الرصاص وأنين الجوع

 

قدر السوريين أن يكونوا الصدع الفاصل بين الشرق والغرب، لا يكاد يهدأ صراع حتى يبدأ آخر، ومع كل صدام حتام عليهم أن يكونوا في قلبه، يدفعون بأغلى ما يملكون من أنفس ومال وبنين، وفي كل معركة يخرج السوريون منتصرين لكن مثخنين بالجراح، منهكين اقتصادياً واجتماعياً يحتاجون لعقود من التعافي والبناء.

والصراع اليوم بين الشرق والغرب، بأشكاله المختلفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بدأ على أرضنا وما يزال، وإن تمدد إلى أوكرانيا وتايوان والسودان والنيجر، فالقوى الكبرى عادة لا تتصارع على حدودها وفوق أراضيها بل في مناطق نفوذ بعيدة، تجري فيها تصفية الحسابات واقتسام المكاسب.

وفي بلادنا المنكوبة اليوم بالحرب والصراع والزلزال، وإن خَفَتَ صوت أزيز الرصاص وضجيج المعارك قليلاً من محيط المدن الكبرى، لكن خطوط الاشتباك مازالت حامية على امتدادها في أرياف إدلب وحلب والرقة ودير الزور، حيث الاشتباك مع إرهاب داخلي متوحش وعدو متربص تقوده الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي وتركيا، ما يزال على أشده.

صحيح أن صوت أنين الجوع والأمعاء الخاوية بدأ يعلو على صوت المدافع، وهذا ما يريده أعداء الوطن الذين يديرون الحرب الاقتصادية، حصاراً وتجويعاً وإرهاباً وسرقةً لموارد سورية وسلتها الاقتصادية، وقد يكون لهم شركاء في الداخل من فاسدين ومفسدين يقوضون قدرة الدولة على الإنتاج والزراعة والصناعة بأشكال متعددة.

لكن المعركة الأساس ما تزال على الجبهات العسكرية، ولن تستطيع معارك الأمعاء والتجويع أن تحسم المعركة في بلادنا الخيّرة التي تنبت قمحاً أينما توجهت، وتعطي ثمراً وزيتاً وتطعم شعوباً وبلداناً إذا ما أُحسنت إدارتها زراعياً وصناعياً وإنتاجياً.

اقرأ أيضاً: رسائل الإرهاب في دمشق

لا يريد الأعداء أن يعكروا أجواء حرب الاقتصاد والتجويع التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بأصوات المعارك العسكرية التي من شأنها أن تشحذ همم السوريين وتجعلهم يشدون الأحزمة أكثر، وأن يتوقفوا عن التذمر والشكوى من الفقر وضيق الحال الاقتصادي، ومن هنا فإن المعارك تأخذ شكل عمليات وهجمات متقطعة بعيدة عن نمط الحروب العسكرية ومعاركها الحامية.

لذلك قد يمر خبر عدوان إسرائيلي على محيط العاصمة دمشق بخبر على رأس الساعة ويموت بعدها، وربما ينال خبر استشهاد كوكبة من جنود الجيش العربي السوري في كمين غادر بريف دير الزور أو في ريف اللاذقية الشمالي بعض الاهتمام الشعبي أو يمر مرور الكرام، لكن من يعش على خطوط الاشتباك من مدنيين وعسكريين يعلم أن المعركة مازالت على أشهدها عسكرياً وميدانياً.

فهل تعودنا الموت وأخباره على مدى السنوات الإثني عشر الماضية حتى نتعامل بكل هذا البرود السياسي والإعلامي والاجتماعي مع أخبار استشهاد شباب بعمر الورد؟

وهل استطاعت الحرب الاقتصادية وحرب التجويع أن تحرف أنظار السوريين واهتماماتهم بشكل عام بعيداً عن القضية الأساس؟

هل تنسينا حرب التجويع الأسباب الحقيقية لما نحن فيه؟

هل تنسينا أن الاحتلال الأمريكي لمنابع النفط والغاز في الجزيرة السورية وأن احتلال النظام التركي ومرتزقته لمناطق في إدلب وحلب وشمال الرقة هي السبب لما نحن فيه؟

هل تنسينا أن سيطرة ميليشيا “قسد” وتحكمها بسلتنا الغذائية في الجزيرة هي جزء من حرب التجويع التي تشن على بلدنا؟

إن المنطقة اليوم تعيش مرحلة تصعيد غير مسبوق بالرغم من مؤشرات الانفتاح والتصالح العربي – العربي والعربي- الإيراني التي شهدناها مع بداية العام، فالصدام بين الشرق والغرب على أشده اليوم ويبدو أن مصيرنا محكوم بهذا الصراع ومدى قدرتنا على الاستفادة منه أو أن نكون مجرد وقود في صراع أزلي لا نعلم له نهاية.

من تابع مقابلة الرئيس بشار الأسد مع قناة سكاي نيوز عربية يخلص إلى قناعة أن لا حلول سحرية للأزمة السورية ولا نتائج إيجابية قريبة للانفتاح العربي على سورية، لأن كل ما جرى حتى اليوم يقع في الشكل وليس المضمون، وكذلك لا أفق للحوار مع النظام التركي أو الأمريكي.

بين أزيز الرصاص الذي سفك دماء السوريين على مدى 12 عاماً وما يزال، وأنين الجوع الذي يفتك بأغلبيتهم اليوم، لا بديل عن إعادة صياغة أولوياتنا الوطنية وسياساتنا الاقتصادية والإعلامية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة التي ما تزال فيها الحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية على أشدها.

لم تعد مقبولة سلسلة التبريرات التي تتخذها الحكومة شماعة لتبرير تراجع الخدمات أو رفع أسعار المواد.. اقتصاد الحرب يحتاج إلى بيئة عمل مختلفة، تقوم على الاعتماد على الذات وتعزيز الإنتاج المحلي ودعم هذا الإنتاج بشكل حقيقي ليكون حاملاً لمؤسسات الدولة العسكرية والمدنية لتكون قادرة على الدفاع عن كيان الدولة وسيادتها.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى