مقالات

الجزيرة السورية والخيارات الوطنية

الجزيرة السورية والخيارات الوطنية

 

ما تزال الصورة ضبابية في الجزيرة السورية بعد الاشتباكات الحادة بين ميليشيا “قسد” من جهة ومقاتلي العشائر العربية المنضوين تحت ما يعرف باسم “مجلس دير الزور العسكري” المرتبط سابقاً بالميليشيا المدعومة من قوات الاحتلال الأمريكي.

إذ يفسرها البعض بأنها حرب المصالح والزعامات فيما تأمل العشائر العربية والسوريون على امتداد مساحة الوطن أن تقود هذه الاشتباكات إلى طرد ميليشيا “قسد” من مناطقهم كمقدمة لطرد المحتل الأمريكي الذي يربص على صدور السوريين في التنف والجزيرة السورية ويسرق مواردهم النفطية والغازية.

لم تصدر حتى الآن بيانات تكشف الهدف النهائي للاشتباكات التي يقودها “مجلس دير الزور العسكري” ضد ميليشيا “قسد” منذ بضعة أيام على خلفية اعتقال الميليشيا زعيم المجلس “أحمد الخبيل”، المعروف بـ “أبو خولة” إثر خلافات على السيطرة والمكاسب كما يصفها البعض.

وما يزيد الغموض أن جيش الاحتلال الأمريكي يقف متفرجاً بحسب معظم المصادر الإعلامية بالرغم من أن الاشتباكات وصلت إلى مشارف آبار النفط والغاز التي تتخذها القوات الأمريكية مقرات لها.

واكتفت الولايات المتحدة بإصدار السفارة الأمريكية في سورية (المغلقة منذ سنوات) بياناً عبر الانترنت عبرت فيه عن “القلق العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة” في دير الزور مع دعوة جميع الأطراف إلى وقف التصعيد، مع تذييل البيان بإشارة ملغومة بشأن استمرار التعاون مع “قسد” لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي.

الصمت الأمريكي حيال الاشتباكات مقروناً بعدم تصريح قادة “المجلس العسكري” عن أهداف العملية تثير الريبة حول الهدف النهائي من عملية طرد ميليشيا “قسد” من دير الزور، وبالرغم من الأصوات العالية التي أطلقتها العشائر العربية على امتداد مساحة سورية والتي عبرت عن دعمها لقوات “المجلس العسكري” وتأكيدها أن المعركة مقدمة لطرد المحتل الأمريكي من سورية، يبقى القول الفصل للقادة الميدانيين وتوجهاتهم وخياراتهم.

الدولة السورية التزمت الصمت رسمياً حيال ما يجري من اشتباكات بين حلفاء الأمس أعداء اليوم، وهي محقة في توجسها باعتبار أن مرجعية الطرفين المتحاربين كانت لفترة قريبة وربما ما تزال، هي قوات الاحتلال الأمريكي، لذلك اكتفى الإعلام السوري الرسمي بتناول أخبار الاشتباكات بشكل مقتضب ومن منظور اشتباكات بين العشائر العربية والميليشيا الانفصالية في مؤشر على عدم اليقين من الوجهة النهائية لمقاتلي “المجلس العسكري” الذي كان إلى فترة قريبة جداً جزءاً من الميليشيا التي يحاربها اليوم.

اقرأ أيضاً: المطالب المعيشية والفوضى

لقد أبدت الحكومة السورية دعمها المطلق للعشائر العربية ومواقفها ضد ميليشيا “قسد” الانفصالية التي تشكل أداة طيعة بيد المحتل الأمريكي، وأبدت في كل مناسبة دعمها لأي حراك وتحرك ميداني وسياسي ضد القوى الإحتلالية والانفصالية، وهي تأمل أن تكون الخيارات التي تقود العمليات ضد ميليشيا “قسد” خيارات وطنية وليست مجرد حرب مصالح ومكاسب أو مخطط أمريكي جديد لإعادة ترتيب خريطة السيطرة بما يخدم مخطط واشنطن الجديد.

تركيا هي الأخرى حاولت اقتناص فرصة انشغال ميليشيا “قسد” في المعارك مع مسلحي العشائر العربية وحاولت عبر ما يسمى “الجيش الوطني” المدعوم من قبل أنقرة السيطرة على مدنية منبج شمال شرق حلب لكن الطيران الحربي الروسي استهدف الخطوط الأمامية لمقاتلي “الجيش الوطني” محذراً أنقرة من مغبة استغلال الأوضاع لتغيير قواعد الاشتباك وخريطة السيطرة.

لقد كانت الجزيرة السورية وأبناؤها على مر العقود الماضية مثالاً للوطنية السورية التي ساهمت إلى جانب بقية أبناء الوطن في دحر المحتل التركي والفرنسي، والتعويل اليوم على أبناء الجزيرة أن يكون كتفهم بكتف الجيش السوري لدحر الاحتلال وميليشياته الانفصالية.

فما تعرضت له الجزيرة السورية من ويلات الاحتلال والإرهاب لا يختلف عما عانته بقية المناطق السورية، لكن يبدو إن السنوات العجاف التي أطبق فيه تنظيم داعش الإرهابي ومن بعده الاحتلال الأمريكي والميليشيات الانفصالية على صدر السوريين من أبناء الجزيرة، وصلت إلى نهايتها بعد أن قالت العشائر العربية كلمتها في تبنيها الخيار الوطني السوري وخيار الدولة السورية الواحدة الموحدة.

وعلى المقاتلين من العشائر العربية الذين يحملون السلاح اليوم أن يعلموا أن أي قتال إن لم يكن هدفه وحدة الأراضي السورية وتحريرها من المحتلين والإرهابيين والانفصاليين لن يكون سوى ازهاقاً مجانياً للأرواح وقتالاً لخدمة أعداء سورية والمتربصين بها لاسيما في واشنطن وأنقرة.

لقد أثبتت الحرب أن المتربصين بسورية وشعبها من دول إقليمية ودولية يحاولون اليوم استغلال الأوضاع الميدانية والاقتصادية لإعادة نشر الفوضى في عدة مناطق من البلاد، وهم يسخرّون لذلك فيالق إعلامية وطوابير انغماسية لخلخلة الأوضاع الأمنية في المناطق التي تم تحريرها من الإرهاب وكذلك تحريك بعض الخلايا الإرهابية لشن هجمات وعمليات تفجير واغتيال.

ومن هنا فإن المسؤولية الوطنية تتطلب من أبناء سورية سواء في الجزيرة السورية أم في السويداء وطرطوس وحمص وحلب ودير الزور أن يكونوا متيقظين لما يحاك لهم ولبلدهم، وأن يوحدوا الجهود والمواقف للقضاء على الإرهابيين وإنهاء الاحتلال لتستعيد سورية عافيتها وترسم مستقبلها بأيدي أبنائها.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى