مجتمعخدميمحلي

الاختيار بين العلمي والأدبي.. اختبار يحدد مستقبل الطالب فهل يحسن الاختيار وما دور الأهل؟

الاختيار بين العلمي والأدبي.. اختبار يحدد مستقبل الطالب فهل يحسن الاختيار وما دور الأهل؟

 

بعد صدور نتائج امتحانات شهادة التعليم الأساسي، يعيش الطلبة صراع اختيار نوع دراستهم ما بين العلمي والأدبي أو المهني بأقسامه المتعددة أو حتى النسوي، وهذا الصراع ناتج عن تدخل الأهل في حال كانت رغبة أولادهم تختلف عن رغبتهم في اختيار نوعية تعليمهم وكيفية رسمهم لمستقبلهم.

من جهة أخرى ربما تكون المعدلات هي سبب الصراع، فكثير من الطلبة يضطرون لتغيير توجههم نتيجة تحصيلهم المتدني حيث لم تسعفهم علاماتهم باختيار ما كانوا يرغبون، ووفقاً للتعليمات الخاصة بوزارة التربية عليهم التوجه للتعليم التقاني والمهني.

كذلك تختلف معدلات القبول في التعليم العام بين محافظة وأخرى، وبين المدينة والريف في كل محافظة، فدمشق يقبل من حصل على 1938 وريف دمشق في مركز المحافظة ومدنها 1841 وبريف المحافظة 1894 وأعلى علامات قبول في طرطوس 2189 في مركز المحافظة ومدنها، وبريف المحافظة 1940، أما أقل معدلات قبول فهي بدير الزور 1521 بالمركز، وبريف المحافظة 1451

رغبة الأهل في تحقيق أبنائهم مستقبل عَصي عليهم

تعود في معظم الأحيان الأسباب الرئيسة، إلى ما كان الأهل يزرعونه في نفوس أبنائهم منذ الصغر، أن النجاح ورجال المجتمع هم فقط من يكونوا أطباء ومهندسين، وهو ما يملي عليهم اختيار الفرع العلمي، حتى وإن كانت رغبات بعضهم وميولهم أدبية، وهم الذين أبدعوا في كتابة الشعر والقصة، وتألقوا وفازوا في مسابقاتها على أكثر من صعيد، متناسين أهمية التوجه للدراسة في الفروع الأخرى، نتيجة العقلية التي يفكر بها أولياء الأمور، والمرتبطة في معظم الأحيان بنقص شعروا به، حين لم يتمكنوا أن يكونوا أطباء ومهندسين، لعلهم يجدون في أبنائهم الحل والتعويض عما فاتهم، ولم يحققوه في حياتهم.

وكانت وزارة التربية واستكمالاً لتطوير التعليم الثانوي ورفع سوية مخرجاته عمدت منذ عام 2015 إلى توجيه مديريات التربية في جميع المحافظات لبدء “التشعيب” وتوجه الطلبة نحو الفرع العلمي أو الأدبي في مرحلة التعليم الثانوي العام من الصف الأول الثانوي، بدلاً مما كان متبعاً من الصف الثاني الثانوي، ويمكن للطالب الناجح إلى الصف الثاني الثانوي الفرع العلمي أو الأدبي الانتقال إلى الفرع المغاير خلال مدة تنتهي بعد 15 يوماً من بدء العام الدراسي بطلب خطي من ولي أمر الطالب وموافقة مدير التربية.

العلمي أكثر إقبالاً

في استطلاع أجراه كليك نيوز على عينة من الطلبة في محافظة دمشق لمعرفة رغبتهم في متابعة تحصيلهم العلمي، وفي عدة مدارس خلص إلى نتيجة أن الفرع العلمي هو الأكثر إقبالاً من الفرع الأدبي، وقلة اختاروا التعليم المهني والتقاني والنسوي عن قناعة.

فالطالبة “ماسة” قالت لـ كليك نيوز، اخترت العلمي لأن فروعه أكثر، وبطبيعتي لا أحبذ الحفظ، ولدي صعوبة في ذلك، ولا أستطيع الحفظ إلا إذا فهمت هذا الجانب، وهناك الكثير من القضايا في المنهاج الدراسي نضطر لحفظها بصماً، ولا أرغب في هذا الجانب مطلقاً، ولم يكن لأهلي أي تدخل في خياراتي.

أما “أنجل” رأت أن المسألة تخضع لرغبة الطالب بالدرجة الأولى وميوله بين العلمي والأدبي، وماذا يفضل، فالغالبية وأنا واحدة منهم على مستوى من أعرفه يفضلون الذهاب لاختيار العلمي على حساب الأدبي.

في حين حرصت “إنجي” على مشاركة أهلها في الاختيار من خلال خبرتهم العملية في الدارسة وتجربتهم في الحياة، فقدما لها النصح وتشاركا معها في اختيار العلمي بدلاً من الأدبي عن قناعة تامة، كون الآفاق المتاحة أمام العلمي للمستقبل أكبر وأوسع وأشمل.

اقرأ أيضاً: معظمها مهترئ وغير صالح للدراسة.. الأهالي يشتكون التمييز في توزيع الكتب المدرسية

وقال “إبراهيم” يختار الطالب عادة حسب ميوله ورغباته التي يحبها، فإذا كان مولعاً بالمواد العلمية سيتوجه من دون شك إلى الجانب العلمي وهو ما فعلته، وبدعم ومساندة من أهلي قبل توجهي للمدرسة للاختيار، وأعتقد أن تدخل الأهل عادة يكون حين يريدون توجيه أولادهم إلى دارسة الكليات الطبية أو الهندسية، فهنا يكون الإصرار من قبلهم على التوجه نحو العلمي وقلة ممن يوجهون أولادهم إلى اختيار الفرع الأدبي بدلاً من العلمي.

وأبدت “جوري” رغبتها في التوجه إلى مدرسة الفنون في جرمانا، لأنها لم تحصل على العلامات التي تؤهلها لتكون في المدارس العامة من جهة، ولأنها تهوى دراسة تصميم الأزياء في المستقبل، وهو ما تخطط له بعد ختام دراستها في الثانوية المهنية، وربما تعميق هذا التخصص التي تحبه بشكل كبير.

ويقر “عامر” أنه لا يملك القدرات التي تؤهله لاختيار الفرع العلمي أو الأدبي، لأنه لا يجيد الحفظ أولاً، كما أنه لا يحبذ المواد التي تتطلب الدقة والدراسة المتواصلة والمتابعة، ولذلك فضل التوجه للمعاهد الصناعية، لأن موادها كما علم من أصدقائه أسهل من مواد الفرع العلمي، كما أن فرصة التفوق فيها وإتقان حرفة أو صنعة ما، ستتيح له الآفاق مستقبلاً في سوق العمل.

رأي أهل الخبرة

المدرس المتقاعد “مفيد الدعبل” ومدير مدرسة سابق أكد خلال حديثه أنه لا يجوز أن يفرض الأهل على أولادهم الاختيار بين العلمي والأدبي، ضارباً مثال على نفسه، قائلاً، أن منهم من اختار العلمي ومنهم من أختار الأدبي في مسيرته الدراسية، وعلى الأهل أن يكوا دائماً ناصحين وموجهين أبناءهم ليقوموا باختيار ما يرونه مناسباً لميولهم، ومقدراتهم الدراسية، وتطلعاتهم المستقبلية، وما يخططون له في حياتهم.

رأي أهل العلم

في حديثها لـ كليك نيوز قالت الدكتورة “غنى نجاتي” دكتورة في الصحة النفسية ومتفرغة في الكليات الطبية بجامعة الشام الخاصة، أن عملية الاختيار دائماً صعبة، وخاصة في حال كان هذا القرار غير قابل للعودة عنه نتيجة عوامل متعلقة بالطالب والأهل على حد سواء.

وأضافت أن الاختيار علمي أو أدبي أو صناعة يفترض أن يتم تهيئة الطالب خلال دراسته منذ دخوله للصف السابع، لأن هناك مواد علمية وأدبية وصناعية، يتعامل معها وفقاً لرغبته في تلك الصفوف قبل الاختيار، كونها ستعطي مؤشرات عن ميوله العلمية والأدبية، بغض النظر عن العلامة التي تحدد للطالب الدخول للثانوية العامة، واختيار الفرع العلمي أو الأدبي، أم الصناعة.

وأوضحت الدكتورة “نجاتي”، يجب أن يكون هناك اختبار لشخصية الطالب ولمهاراته وقدراته، وتترافق معه، وإذا ما طبق ذلك سيوفر على الطالب سنوات من الدراسة، والاختصاص في الجامعة، لأنني أعرف عدداً من الطلبة بحكم أنهم دخلوا فروعاً في الجامعة على سبل المثال بتخصصات هندسة تحولوا فيما بعد إلى التجارة، وهناك طلاباً كانوا يدرسون الصيدلة اكتشفوا أن فيها كثير من مواد الكيمياء وهم لا يحبون الكيمياء فقاموا بتغيير تخصصهم، جراء ما فرض عليهم في الصف العاشر باختيار العلمي بدلاً من الأدبي أو غيرهما، وتالياً لو كان الطالب منذ البداية يعرف ميوله وقدراته، ولم يؤثر عليه أحد في الاختيار، ومهيأ نفسياً فيوفر عندها عليه الوقت، وعلى أهله الجهد والتعب في الانتظار.

وعن تدخل الأهل أوجزت بالقول، الأهل يتدخلون في الخيار العلمي أم الأدبي، مثل الأب أو الخال، ويعتبرونهم قدوة حسنة يرسمونه لهم، لكن المفترض أن يكون المعيار هو كفاءة الطالب وقدراته الكامنة إذا كانت تناسبه العلمي أو الأدبي وليس فقط رغبة الأهل.

وتأسف “نجاتي” أن الأهل يعيشون الماضي الضائع لأحلامهم عن طريق مستقبل أولادهم، فتجدهم يعيشون المرحلة الجامعية مع أبنائهم، التي لم يعيشونها من قبل، حين يرسل ابنه للجامعة، وقد يكون ابنه غير سعيد، إلا أنه من أجل أن يرضي أباه دخل فرع هندسة العمارة أو المعلوماتية.

مع أنه كان يريد الحقوق، لكن أباه لم يسمح له، وكأستاذة في الجامعة أشاهد كثير من تلك الحالات، وهذا ينعكس سلباً على الطالب بسوء تكيفه، وقلة إنتاجيته، ويشعر بالإحباط، ولا ينجح بالمواد التي يدرسها، لأنها في الأصل لم تكن خياره أو غير مسرور بها، وأتمنى إدخال مقياس للقدرات والكفاءات الشخصية والإنسانية، لكي يعرفوا ميول الطالب الحقيقية ويدخل الفرع الذي يريده بناء على رغبته.

أيمن فلحوط – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى