مقالات

قفزة إستراتيجية في العلاقات السورية الصينية

قفزة إستراتيجية في العلاقات السورية الصينية

 

ربما لم يكن أكثر المتفائلين بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين، يتوقع أن تعلن بكين إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية مع سورية في هذا الوقت بالذات، في ظل الضغط الأمريكي المتواصل ضد البلدين ومحاولات واشنطن المستميتة لعزل سورية إقليمياً ودولياً وخنقها اقتصادياً وكذلك إثارة المشاكل للصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي.

لكن هذا الإعلان التاريخي الذي جاء على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال القمة التي جمعته بالرئيس الأسد في مدينة خانجو الصينية في 22 أيلول 2023، وتوج ببيان العلاقات الإستراتيجية المشترك، يشكل في واقع الأمر رداً مباشراً على التصعيد الأمريكي تجاه البلدين الصديقين بكل ما يحمله من معاني ومؤشرات.

فالإعلان بحد ذاته يعكس بلا شك نهجاً جديداً تنتهجه بكين في سياساتها الدولية، نهج بدأت تتخلى بموجبه القيادة الصينية عن تحفظها حيال الانخراط بقوة في مناطق الاشتباك العالمي ومنها سورية، بمعنى أن بكين لم تعد تخشى غضب الولايات المتحدة ولم تعد تحسب لهذا الغضب حساب، وأنها مستعدة اليوم للمواجهة السياسية والاقتصادية في تلك الساحات إن لزم الأمر.

النهج الصيني الجديد بدأ يرسم ملامحه الرئيس شي جين بينغ مع الخرق الدبلوماسي الكبير الذي أحدثته بكين في آذار الماضي عندما نجحت في التوسط والتوصل إلى اتفاق بين السعودية أكبر حلفاء واشنطن في منطقة الخليج وإيران ألد أعدائها، باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت سبع سنوات.

لا شك أن سورية والصين تواجهان اليوم عدواً مشتركاً وتحديات وتهديدات متماثلة إلى حد ما، لكن هذه التهديدات والتحديات ليست العامل الوحيد الذي يجمع البلدين، فالعلاقات السورية الصينية علاقات تاريخية تقوم على عوامل مشتركة كبرى تتمثل بصدق الموقف والوفاء والاحترام المتبادل والعوامل الثقافية والحضارية التي تجمع البلدين والشعبين عبر التاريخ الطويل.

ومن هنا استطاعت هذه العلاقات أن تتجاوز تحديات الزمن والتقلبات والتغيرات الدولية المتسارعة وأن تؤسس لعلاقات شراكة إستراتيجية سيكون لها تأثيراتها الإيجابية على الساحة السورية والإقليمية والدولية.

ربما لا يعرف الكثير منا أن هناك علاقات شخصية قوية تربط الرئيس الأسد بالرئيس شي جين بينغ، لكن ما كشفه السفير الصيني بدمشق في مقال له بصحيفة “الثورة” يؤكد أن الرئيسان حافظا في السنوات الأخيرة، “على التواصل الوثيق، وأقاما صداقة شخصية عميقة، ودفعا بالعلاقات بين البلدين للمضي قدماً” الأمر الذي ظهر جلياً في الاستقبال الحافل للرئيس الأسد في مدينة خانجو والحرص المشترك على تعميق علاقات الصداقة التاريخية وتطويرها لمواجهة التحديات المستجدة ومحاولات استهداف البلدين الصديقين.

اقرأ أيضاً: الرئيسان الأسد وبينغ يعقدان لقاء قمة في مدينة خانجو الصينية.. توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين

لقد أكد بيان العلاقات الإستراتيجية بكلام واضح لا لبس فيه مواقف البلدين من المسائل المتعلقة بالمصالح المشتركة والقضايا الكبرى التي تواجه المنطقة والعالم، وعزمهما تطوير التعاون الثنائي على المستويات السياسية والاقتصادية بما يمكّن البلدين من التغلب على تلك المصاعب والتحديات.

قد لا تشكل سورية بالمفهوم التجاري سوقاً كبيراً لعملاق اقتصادي مثل الصين، لكنها بكل تأكيد تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً في مشاريع الصين الدولية، سواء ما يتعلق منها بمبادرة التنمية العالمية (الحزام والطريق) أم الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية.

وتتمتع سورية بدور فاعل في هذا المبادرات الإستراتيجية الكبرى التي تقودها الصين لبناء المستقبل المشترك للبشرية في مواجهة مخططات الهيمنة والاستعمار الغربي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد حرصت الصين خلال العقود الماضية على توسيع قائمة شركائها في العالم من خلال مشاريع التنمية والبناء، وهي تتمتع بمصداقية كبيرة لدى العديد من دول العالم، ويمكن لها أن تستغل هذه العلاقات لمواجهة حملات التشويه الممنهجة التي تشنها الدول الغربية ضدها وتشكيل حائط صد قوي ضد سياسات استهداف أمنها واستقرارها من قبل واشنطن.

إن إعلان إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين وسورية في هذه المرحلة تعكس الإرادة المشتركة للبلدين للدفع بالتعاون الثنائي في كافة الميادين الأمر الذي سيكون له الأثر البالغ في مساعدة سورية على تجاوز تداعيات الحصار الأمريكي الغربي المفروض عليها وإطلاق عجلة إعادة البناء والإعمار.

إن يوم 22 أيلول 2023 الذي شهد إعلان إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية هو يوم “تاريخي للعلاقات الصينية السورية” كما وصفه السفير الصيني بدمشق لأنه “سيساهم في التصميم والتخطيط الاستراتيجي على أعلى مستوى للتبادلات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات إضافة إلى تعزيز الصداقة التقليدية الصينية السورية بشكل غير مسبوق”.

وستشكل الزيارة التاريخية للرئيس الأسد إلى الصين وما نتج عنها من اتفاقات قاعدة راسخة لاستعادة الزخم الذي عرفته العلاقات الاقتصادية بين البلدين والاستفادة من نمط التحديث الصيني في سورية وخصوصاً في مجال إعادة الإعمار في البنية التحتية وخصوصاً في مجالات الطاقة وشبكات النقل البري والجوي.

اليوم مطلوب داخلياً أن يكون هناك تحرك استراتيجي يواكب الشراكة مع الصين لتحديث الأنظمة والقوانين ومحاربة الروتين والفساد تمهيداً لإعادة إطلاق التعاون الاقتصادي مع أكبر عملاق اقتصادي في العالم بما يسهم في إعادة إعمار البلاد وإطلاق مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاجها سورية.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى