مقالات

اللاجئون ليسوا أصل المشكلة

اللاجئون ليسوا أصل المشكلة

 

مجدداً يعود زخم الحديث عن اللاجئين السوريين وضرورة إعادتهم إلى بلدهم بعدما ضاقت بهم الدول المضيفة جراء تداعيات استضافتهم اقتصادياً وسياسياً في كل من لبنان والأردن وخصوصاً في تركيا حيث تُستخدم قضية إعادة اللاجئين كرافعة انتخابية بين الخصمين المتنافسين على كرسي الرئاسة.

عربياً بدأ لبنان الذي يستضيف نحو 1.5 مليون لاجئ بحسب التصريحات اللبنانية، بدأ منذ حوالي ثلاث سنوات البحث مع الدولة السورية لإعادة اللاجئين وخصوصاً مع دخول البلاد في أزمة اقتصادية حادة وتصاعد أعمال العنف والعنصرية ضدهم وإحراق خيامهم.

وقد جرى على مدى السنوات الثلاث الماضية إعادة عشرات الآلاف منهم بالتنسيق بين المؤسسات المعنية في البلدين.

وأما الأردن الذي يقول إنه يستضيف أكثر من مليون لاجئ يعيش ثلثهم تقريباً في المخيمات (الأزرق والزعتري)، هو الآخر بدأ يعاني من ضغوط اقتصادية مع تراجع التمويل الأممي لاستضافة اللاجئين وتأمين احتياجاتهم.

عاد منهم بضع آلاف إلى مناطقهم في المحافظات الجنوبية بعد إعادة فتح معبر نصيب – جابر الحدودي بين البلدين في تشرين الأول 2018.

اقرأ أيضاً: قمةٌ سوريةٌ في جدة

وقد كان واضحاً خلال الاجتماع الوزاري الخماسي الذي استضافته عمّان في الأول من أيار الجاري وضم وزراء خارجية الأردن ومصر وسورية والعراق والسعودية، اهتمام الأردن “كأولوية قصوى” بعودة اللاجئين بالتعاون مع الحكومة السورية وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة.

وتم التأكيد في البيان الصادر عن الاجتماع على ضرورة تكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للدفع نحو تسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، بما في ذلك في المناطق التي يتوقع عودة اللاجئين إليها، بهدف تحسين البنية التحتية اللازمة لتوفير العيش الكريم للعائدين.

لكن الملف الأضخم للاجئين والاستغلال الأكبر لقضيتهم الإنسانية كان في تركيا التي فتحت الباب واسعاً أمامهم منذ بداية الأزمة عام 2011 وشجعتهم إلى أن وصل عددهم عدة ملايين، وبدأ النظام التركي استخدامهم في ابتزاز الدول الأوروبية والإتحاد الأوروبي، إما بتقديم تمويل سخي بلغ مليارات اليوروهات لاستضافتهم، أو أن يفتح الحدود أمامهم لإغراق أوروبا، إضافة للضغط على الحكومة السورية وإجراء تغيير ديموغرافي في المناطق الحدودية.

اليوم يرفع النظام التركي شعار إعادة اللاجئين إلى سورية كأولوية في مسار التطبيع الذي ترعاه روسيا وإيران، في محاولة منه للتخلص من عبء اللاجئين من جهة، وتوجيه رسالة تطمين للناخبين الأتراك لكسب أصواتهم في انتخابات الإعادة في 28 الشهر الجاري.

النظام التركي الذي عمل خلال السنوات الماضية على إعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق الحدودية وبناء مخيمات مسبقة الصنع (مستوطنات) شمال البلاد، بعد تهجيره السكان الأصليين بهدف إحداث تغيير ديمغرافي وفق غايات خاصة، يرفع اليوم شعار إعادة اللاجئين بالتنسيق مع الدولة السورية.

يبدو أن النظام التركي يريد من خلال رفع هذا الشعار كأولوية في تطبيع العلاقات مع سورية، التغطية على المشاكل الحقيقية التي تعترض سير تطبيع العلاقات الثنائية، والتهرب من معالجة تلك المشاكل التي تتطلب منه التزامات بالانسحاب من الأراضي السورية ووقف دعم الإرهابيين.

نفهم أن تكون قضية اللاجئين هي المشكلة الأساسية للدول المضيفة، لكن المنطق يقول إن هذه القضية ناتجة عن مشاكل أساسية أخرى أهم وأعقد بكثير، وأن حل مسألة اللاجئين يكون بحل المشكلة الأساسية وإزالة الأسباب التي دفعتهم للجوء والهجرة داخلياً وخارجياً، وإزالة المعوقات الأساسية في طريق عودتهم.

فمن غير المجدي الحديث عن معالجة قضية اللاجئين السوريين بدون الذهاب إلى معالجة الأسباب الحقيقة والمعوقات الرئيسية أمام عودتهم.

لقد قامت الحكومة السورية بما تستطيع لتشجيع عودة اللاجئين إلى ديارهم ومنازلهم ومناطقهم التي هجروا منها، من خلال إصدار مراسيم العفو وتسوية أوضاع العائدين، وإعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات في المناطق المتضررة وفق إمكاناتها، لكن الحصار الأمريكي الغربي وسرقة واشنطن موار البلاد النفطية والغازية تعرقل وتعطل هذه العملية المكلفة وتعوق جهود الدولة في هذا المجال.

لذلك فإن أي حديث تركي أو عربي أو دولي لإعادة اللاجئين يتطلب التفكير جدياً في حل المشكلة الأساسية التي أدت إلى ظهور قضية اللجوء، ما يعني التحرك بمسارين متوازيين: الأول العمل على إنهاء الوجود الاحتلالي الأمريكي والتركي في سورية، والعمل معاً للقضاء الكامل على الإرهابيين من أجل استعادة الدولة السورية سيطرتها على كامل أراضيها وعودة مؤسسات الدولة لتقديم خدماتها لكل المواطنين.

والمسار الثاني يقضي بالعمل جدياً من أجل رفع الحصار الأمريكي الغربي غير الشرعي والبدء بتحضير الأرضية المناسبة لعودة اللاجئين من خلال إطلاق العمل بمشاريع التعافي المبكر وإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب وإعادة الخدمات الأساسية إليها.

عند ذلك لن تكون الدول المضيفة والأمم المتحدة بحاجة إلى برامج تمويل استضافة اللاجئين ولا برامج لتشجيعهم على العودة، لأن اللاجئين السوريين بكل بساطة عندما يرون بدء مشاريع إعادة الإعمار في بلدهم سيعودون من تلقاء أنفسهم وخصوصاً ممن يقطنون في مخيمات تفتقر لأبسط شروط الحياة الكريمة.

قضية اللاجئين السوريين قضية إنسانية قبل أن تكون مشكلة اقتصادية، وعند النظر إليها كمشكلة اقتصادية للأسف، سيظل اللاجئ السوري مجرد رقم إحصائي في بنك المعلومات الدولية، وكتلة مالية ينبغي توفيرها من قبل الدول المضيفة ليس إلاّ.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى