مقالات

صرخة لفلسطين.. تحطيم القيود

صرخة لفلسطين.. تحطيم القيود

 

بعد إلغاء القرار الدولي الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية أواخر العام ١٩٩١ – هو القرار الذي كان اعتمد في ١٩٧٥ واعتبر الصهيونية شكلا من أشكال التمييز العنصري – ومع انطلاقة مؤتمر مدريد الذي أنتج أوسلو ووادي عربة، تهيأ للبعض أن القضية الفلسطينية ماتت ودفنت إلى غير رجعة، فإذا بها تضج بالحياة مجدداً.

٣١ سنة مرت على إلغاء القرار الدولي إياه، خلالها وضع الغرب قوانين صارمة تمنع انتقاد الكيان الإسرائيلي، تمنع التظاهر ضد ممارساته، بل هربا من تهمة معاداة السامية الجاهزة ذهب الغرب إلى توفير الحماية لمجرمي الحرب من قادته وجنرالاته، مرة بالسكوت وتكميم الأفواه، ومرة بتعطيل المحكمة الجنائية الدولية ومنعها من القيام بمهامها، ودائما بالتغطية على جرائم الاحتلال ودعمه وامداده بالسلاح وتزويده بالفتاك والحديث منه.

معاناة الشعب الفلسطيني تضاعفت عدة مرات خلال العقود الثلاثة الماضية، وقد فعل التمدد الاستيطاني الكثير سواء لجهة التغيير الديمغرافي الجاري، أم لجهة مصادرة الأراضي، وسن التشريعات التي تعمق نظام الفصل العنصري، وبما يتجه ليس فقط للتهجير الذي يمتد حتى ليشمل فلسطيني الداخل، بل ليسجل خطوة متقدمة نحو نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطيني ولحرمانه من حقوقه وتجريده من أبسطها، ذلك وسط وقاحة الغرب ليس لأنه يرى ذلك ويصمت، بل لأنه يوصف هذا الكيان بأنه واحة للديمقراطية، رغم اطلاعه على ممارساته التي تتحقق فيها كل معايير اعتباره “ابارتايد”.

بمقابل المعاناة الفلسطينية التي إذا كانت تضاعفت بسبب الممارسات الصهيونية العنصرية، فإنها تترسخ بسبب السكوت العالمي عنها، وبسبب الدعم الغربي لها، بل بسبب شراكة الغرب فيها، بالصمت، بالدعم، وبتوفير الحماية لمرتكبيها، فما الذي ينتظره العالم من الشعب الفلسطيني، أن يقبل بالذبح والقتل والتهجير والعنصرية، أم الانتفاض بالمقابل رفضاً ومقاومة ودفاعا عن أرضه وممتلكاته ومقدساته وحقه بالتحرير وإقامة دولته؟.

المشاركون في المؤتمر الذي عقد في لندن مؤخراً حول تصنيف “اسرائيل” كنظام فصل عنصري “ابارتايد”، قد يمثل صرخة لفلسطين وشعبها أتت متأخرة جدا، لكنها إذا أضيفت لما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية لجهة تأكيد توصيفها لإسرائيل “دولة فصل عنصري”، فإنها مع التصريحات الروسية /مطلع نيسان الماضي/ التي أشارت إلى تواصل الاحتلال والضم الزائف للأراضي الفلسطينية، وإلى الانتهاكات الجسيمة المرتكبة، تمثل خطوة باتجاه تعميق حالة الرفض للعنصرية المسكوت عنها.

الشعب الفلسطيني الذي تحمل ما لم يتحمله أحد في التاريخ، يحطم القيود بهذه الأثناء، يمتلك إلى جانب الحقوق، القوة والبأس بمقاومة تساعد العالم على التحرر من قيود هو كنظام دولي فاجر قيد نفسه بها وسمح سياسياً بتوجيه تهمة معاداة السامية لكل من ينتقد في مجتمعاته العنصرية الصهيونية.

إن الكيان الإسرائيلي الذي يمنع الحقوق عن ملايين الفلسطينيين، والذي لم يدع معياراً دولياً حقوقيا أو إنسانيا أو أخلاقيا إلا قد ازدراه وكسره، إنما تتوفر فيه كل الشروط ليكون دريئة يصوب عليها العالم لإسقاطها، وعليه ألا يكتفي بمحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة إذا كان يمتلك الرغبة في تحطيم قيوده لا القيود العنصرية المفروضة على الفلسطينيين والتي عانوا منها على امتداد سبعة عقود.

المؤشرات الأخيرة التي بدأت مرتسماتها تتضح في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً ابتداء من معركة “سيف القدس” ٢٠٢١، ووصولاً إلى ما شهدته الساحة الفلسطينية مؤخراً “القدس والاقصى”، الضفة والقطاع، إنما تؤكد أن الشعب الفلسطيني، ومن خلفه محور المقاومة – رغم التطبيع والخيانة، ورغم الثقل الأميركي الغربي – مصمم على خوض معركة التحرر والتحرير، التي يفتضح مع كل مرحلة من مراحلها نفاق الغرب، وانحيازه، وعجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته، بل عن التحرر من القيود التي يلتزم بها، بمقابل التنكر للمواثيق التي كتبها وكانت مبرر وجوده في إطار المنظمة الأممية ومؤسساتها وهيئاتها المتعددة.

علي نصر الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى