مقالات

الانسحاب والتطبيع شرطان متلازمان 

الانسحاب والتطبيع شرطان متلازمان 

 

لا شك أن الجميع في سورية وتركيا وروسيا وإيران متفق على أن تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا يصب في مصلحة البلدين، ويخدم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ويعود بالفائدة على كل من روسيا وإيران أيضاً نظراً لانخراطهما بشكل مباشر في الأزمة السورية.

لكن هذا التطبيع إن كان له أن يتحقق، فهو بحاجة إلى مقدمات منطقية واقعية، وليس مجرد تصريحات وكلام نظري لا يقدم ولا يؤخر.

فكما كان للتحول في علاقات البلدين، من الوئام عام 2010 إلى العداء منذ 2011 وحتى اليوم، مقدمات وممارسات تركية تمثلت بدعم الإرهابيين وتوغل الجيش التركي في الأراضي السورية، لابد للعودة إلى حالة الوئام تلك من سحب الأسباب التي أدت إلى حالة العداء الحالية.

فما تعتبره أنقرة شروط مسبقة هو في الحقيقة مقدمات أساسية ومنطقية لأي تطبيع سوري تركي، وإلاّ كيف سيكون التطبيع مع نظام يحتل الأرض ويدعم الإرهاب المصنف عالمياً وعلى قوائم الأمم المتحدة؟ ومن أجل ماذا ستكون اللقاءات السياسية بين البلدين إن لم تكن لبحث جدولة الانسحاب التركي بالتنسيق مع الجيش العربي السوري؟

إن ما تعلنه أنقرة من أنها لن تنسحب قبل أن يتحقق الأمن والاستقرار في سورية بحسب وزير خارجيتها، هو الشروط المسبقة، فهي تعلم أن وجود القوات التركية والإرهابيين على الأرض السورية هو الذي يعيق عودة الاستقرار لتلك المناطق.

لذلك، فإن الحديث التركي اليوم عن احترام وحدة وسيادة سورية وعدم وجود أطماع تركية في الأراضي السورية، هو كلام جميل وأساسي لكنه يحتاج إلى تحويله إلى خطوات ملموسة على الأرض على شكل إجراءات ميدانية تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011.

اقرأ أيضاً: تركيا تسبق الوقائع بالتصريحات الرنانة بشأن التطبيع مع دمشق.. الإعلان عن موعد الاجتماع الرباعي المقبل

في الحقيقة، يعلم المشاركون في الاجتماعات الرباعية في موسكو أن إصلاح العلاقات بين سورية وتركيا وتطبيعها لن يحدث دفعة واحدة وفي حركة وحيدة أو قرار واحد، بل هم مقتنعون أيضاً أن هذا التطبيع سيكون مساراً طويلاً يبدأ بخطوات ضمن خطة متكاملة متفق عليها بين الجانبين وبرعاية روسية وإيرانية تضمن حسن التنفيذ، وتذليل ما يستجد من عقبات على الأرض قد تنشأ من طبيعة الأشياء أو جراء تلكؤ الجانب التركي.

وقد يبدأ مسار التطبيع بعملية تسليم تدريجي للمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية الموجودة على الأراضي السورية إلى الجيش العربي السوري الذي سيتكفل بتأمين الحدود مع تركيا ومنع وقوع تهديدات عليها من الجانب السوري، بما يضمن سلامة الحدود بين البلدين كما كان عليه الوضع قبل عام 2011.

الاجتماع الرباعي الأخير لوزراء الدفاع ركّز، بحسب بيان وزارة الدفاع السورية، على تنفيذ الاتفاق السابق بشأن فتح طريق M4 الدولي بين حلب واللاذقية، وتحقيق هذا الأمر يفتح الباب لخطوات لاحقة ويحرك المياه الراكدة، ويضع أولى خطوات بناء الثقة في تنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات على الطريق الصحيح، خصوصاً أن لسورية تجربة مريرة مع تلكؤ الجانب التركي في تنفيذ تعهداته والتنصل منها.

لكن، لا شيء عصي على الحل، وكما تم تفكيك ما يدعي “جيش الإسلام” الإرهابي الذي كان يسيطر على مدينة دوما بريف دمشق بعتاده الثقيل وتسوية من أراد تسوية أوضاعه من أفراده، يمكن تفكيك “جبهة النصرة” أو ما يطلق عليه اليوم “هيئة تحرير الشام” الإرهابية التي تسيطر على مساحات من محافظة إدلب عبر مصالحات وتسويات شهدنا الكثير منها في سورية، وكل من يرفض المصالحة يصبح هدفاً عسكرياً مشروعاً لجميع الدول المشاركة في الاتفاق (سورية – تركيا – روسيا وإيران).

وفي الجزيرة السورية تشكل المبادرة التي طرحتها ما تسمى “الإدارة الذاتية” ميليشيا “قسد” للحوار مع الحكومة السورية بوابة أمل، بأن الميليشيا وصلت إلى قناعة بأن لا مستقبل لها بعيداً عن الدولة السورية وتحت سيادة سورية وعلمها الوطني.

وهذا بدوره يشكل بوابة لإعادة السيادة السورية على المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا “قسد” بدعم من الرباعية، على أن يقوم الجيش العربي السوري بضبط الأمن والاستقرار في تلك المناطق ومنع أية تهديدات للجانب التركي انطلاقاً من الأراضي السورية، شريطة أن تتولى تركيا تفكيك المجموعات الإرهابية التي ترعاها وسحب السلاح الثقيل منها وإجراء تسويات لمن يرغب، وإعادة الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم أو تصفيتهم بعمليات عسكرية مشتركة.

وعلى أنقرة ألاّ تتوقع إعادة اللاجئين إلى ديارهم بمعزل عن تطهير أرياف حلب الشمالية الغربية وإدلب من التنظيمات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إليها وإعادة مؤسسات الدولة السورية للعمل فيها تحت السيادة الكاملة للدولة السورية.

خلاصة الكلام، إنّ التطبيع شرطه الانسحاب، ليس دفعة واحدة، بل على خطوات تتزامن مع خطوات سياسية متناسبة بحيث لا تحدث أية ثغرات أو فجوات يمكن أن تعطل المسار، فما تقوله دمشق ليس شروطاً مسبقة ولكنه أرضية منطقية لمسار التطبيع، وحرص على الوصول إلى نتائج حقيقية ومقبولة للجانبين.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى