مقالات

“رغيف الخبز” يجمع دول بلاد الشام والعراق

“رغيف الخبز” يجمع دول بلاد الشام والعراق

 

بالتزامن مع إعلان منظمات دولية غير حكومية أن العالم استنفد بتاريخ 28 تموز 2022 موارد الكوكب التي يمكن تجديدها خلال عام وبدأ يقترض من موارد العام القادم وهو ما يعرف باسم (يوم تجاوز موارد الأرض).

اجتمع وزراء الزراعة من سورية والعراق والأردن ولبنان في العاصمة اللبنانية بيروت لبحث قضايا تتعلق بالزراعة في ظل تراجع الإنتاج الزراعي المحلي وتفاقم أزمة الغذاء العالمية وانقطاع سلاسل توريد الغذاء جراء الحرب الروسية – الغربية في أوكرانيا.

و”يوم تجاوز موارد الأرض” هو مؤشر تشرف عليه منظمات غير حكومية يهدف إلى دق ناقوس الخطر بشأن استنفاد العالم كافة الموارد الطبيعية التي يستطيع الكوكب إعادة إنتاجها خلال عام، بناء على معطيات وإحصائيات تقدمها المنظمات الدولية حول الموارد الطبيعية السنوية للعالم مقارنة بالاستهلاك السنوي.

وقد حل هذا “اليوم” باكراً هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة التي كان يحل فيها في أشهر آب وما بعد تقريباً، وقدرت تلك المنظمات أن العالم يحتاج لموارد إضافية تزيد عن 75% مما ينتجه الكوكب حالياً لكي يلبي استهلاك البشرية وفق أرقام العام 2022.

أين نحن وفق هذه المؤشرات؟

في الحقيقة، بالرغم من عدم توفر إحصاءات تتعلق بدول بلاد الشام والعراق حيال العجز في الموارد الغذائية الطبيعية السنوية مقابل الاستهلاك، فإن كل المؤشرات الملموسة والتي يمكن قياسها من خلال إنتاج المحاصيل الإستراتيجية واستهلاكها، تنذر بكارثة غذائية إن لم يتم تدارك الأمر وإيجاد استراتيجيات زراعية تتوافق مع الظروف المناخية والسياسية المستجدة.

عانت كل من سورية والعراق خلال العقد الأخير من تداعيات الحرب والاحتلال والتغير المناخي إضافة إلى تحكم تركيا بمصادر المياه الرئيسية (نهري دجلة والفرات) التي يعتمد عليها الإنتاج الزراعي في البلدين، فيما يعاني لبنان والأردن إلى جانب تراجع الإنتاج، من تداعيات تبدل المناخ وارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وانقطاع سلاسل التوريد العالمية.

وقد ظهر ذلك جلياً في إجراءات حكومية في البلدان الأربعة من حيث وضع حدود لحجم استهلاك الأسر من الخبز ورفع أسعاره وظهور طوابير على الأفران في بعضها نتيجة الشح في إنتاج القمح محلياً والاعتماد على استيراده بأسعار مرتفعة.

ويشكل الاجتماع الوزاري الرباعي في بيروت خطوة جيدة ضمن سلسلة خطوات تتخذها البلدان المتجاورة لوضع شراكات إستراتيجية زراعية وتسويقية تسهم في الحد من تداعيات الظروف المستجدة وتوفير الغذاء للسكان في ظل تراجع الأمن الغذائي في البلدان الأربعة.

بحسب الإحصائيات الدولية يستورد العراق (2.6) مليون طن من القمح بعد أن حقق الاكتفاء الذاتي عام 2019 بإنتاج نحو 4.7 مليون طن، وتراجع الإنتاج بسبب أزمة شح المياه، إلى 2,5 مليون طن العام الجاري.

“رغيف الخبز” يجمع دول بلاد الشام والعراق

وتحولت سورية إلى مستورد للأقماح بعدما حققت الاكتفاء الذاتي على مدى عقدين من الزمن بإنتاج يفوق 4 ملايين طن سنوياً، فيما لم تستلم الحكومة السورية العام الحالي سوى 500 ألف طن من الإنتاج المقدر بنحو 1.5 مليون طن بسبب سرقة المحصول من قبل ميليشيا “قسد” والاحتلال الأمريكي والتركي.

"رغيف الخبز" يجمع دول بلاد الشام والعراق
“رغيف الخبز” يجمع دول بلاد الشام والعراق

شح المياه ينذر بكارثة

تحتاج الدول الأربعة، وربما تنضم إليها دول عربية أخرى، لوضع استراتيجيات تتعلق بإعداد خطط زراعية تكاملية والاستفادة من الخبرات وكذلك مواجهة التحديات بموقف مشترك ولاسيما حيال سياسات النظام التركي الذي يقوم بسرقة حصة كل من سورية والعراق من نهري دجلة والفرات بما يكفل ويضمن حصول البلدين على حصتهما وفق القوانين الدولية الناظمة لتقاسم الأنهار الدولية العابرة.

فتركيا تقوم ببناء السدود على نهري دجلة والفرات على حساب حصة سورية والعراق من مياه النهرين وبحسب التصريحات الرسمية السورية فلم يمرر النظام التركي خلال عامي 2020 و2021 سوى أقل من نصف الكمية من حصة البلدين من مياه الفرات، فمن أصل 500 متر مكعب في الثانية حصة البلدين.

تمرر تركيا نحو (200 متر مكعب في الثانية) في ذروة احتياجات الزراعة للري ما أدى إلى تهديد غلال ملايين السكان على طول مجرى النهر في سورية والعراق ولاسيما في ظل موجات الجفاف التي تضرب المنطقة.

ولا تكتفي أنقرة بسرقة حصة سورية والعراق من مياه دجلة والفرات بل وتلقى باللائمة على البلدين فيما تدّعيه من هدر المياه، فالسفير التركي في بغداد قال إن “المياه تُهدر بشكل كبير في العراق، وحل مشكلة الجفاف ليس بطلب المزيد من المياه إنما استخدامها بكفاءة”.

لكن العراق رد على تصريحات السفير التركي بأن “تركيا دائماً تتحجّج بموضوع هدر المياه في محاولة لخلط الأوراق لكي تعطي لنفسها الحق بتقليل حصة العراق المائية وهذا ما يحصل حالياً”.

مشددة على أن أنقرة ليست وصية على العراق وعليها إطلاق حصة العراق العادلة والمنصفة حسب المواثيق الدولية، من دون التدخّل بسياسة العراق المائية”.

فهل تستطيع البلدان الأربعة صياغة موقف موحد يسهم في تحقيق الأمن الغذائي للجميع وسد الفجوة العميقة بين الإنتاج والاحتياجات الغذائية أمام ما يعانيه العالم من أزمات اقتصادية وغذائية؟.

وخصوصاً أنه أصبح لزاماً على الدول العربية التعاون التكاملي من حيث الإنتاج والتسويق مع ضرورة التنسيق في المجالات الزراعية والصناعية واعتماد خطة عمل مشتركة لمواجهة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المنطقة وأثرها على الموارد وعلى تراجع الإنتاج الزراعي وعلى الأمن الغذائي الوطني.

صحيح أن الوزراء اتفقوا على تعزيز التبادل التجاري بين الدول الأربعة من خلال تبادل الوثائق حول إمكانية إنشاء شركة مشتركة خاصة تعمل على تسويق المنتجات الزراعية فيما بينها وفق الروزنامة الزراعية التي سيتم اعتمادها لاحقاً أو إقامة جمعيات تسويقية مشتركة بين الجمعيات الفلاحية ودعمها حكومياً.

لكن المسألة أكبر من ذلك بكثير وتحتاج إلى موقف سياسي موحد يستعيد حصص سورية والعراق من مياه دجلة والفرات وبدون ذلك تبقى جميع الإجراءات ترقيعية.

وعلى الدول الأربعة إعادة النظر بالاستراتيجيات الزراعية الوطنية ومواءمتها مع أنماط الطقس المتغيرة لتحقيق الأمن الغذائي من خلال بناء شراكات بينية وتطوير البنى التحتية اللازمة للري وتوفير مدخلات الإنتاج وتوجيه المزارعين لاعتماد التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج وتشجيع الاستثمارات الخاصة والعامة للنهوض بالقطاع الزراعي الذي يشكل عماد الأمن الغذائي للسكان.

ولابد من وضع الخطط وتطوير العمل في مجال استصلاح الأراضي وإقامة السدود والمنشآت المائية واستخدام أساليب ري حديثة وكذلك حصاد الأمطار واستثمارها بالطريقة الأمثل، خصوصاً أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من زراعة القمح هدف ينبغي أن يكون في سلم أولويات الخطط الزراعية، وإن كان هدف صعب التحقيق في ضوء المساحات القابلة للزراعة وضعف الموارد المائية لاسيما أن المياه هي التي تحدد القدرة على تحقيق الأمن الغذائي.

عبد الرحيم أحمد

كليك نيوز

اقرأ أيضاً: القمح بخير ولا خوف على ” الرغيف “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى