مقالات

الزلزال.. تحريك الإرهاب وتلميعه 

الزلزال.. تحريك الإرهاب وتلميعه 

 

كما حرك الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سورية فجر السادس من شباط الصفائح التكتونية ومعها المشاعر الإنسانية لإغاثة السوريين المنكوبين، حركت واشنطن أذرعها الإرهابية للتشويش على صورة الاندفاع الشعبي والعربي والدولي الصديق الذي مد جسور الإغاثة الإنسانية لزراعة الأمل في نفوس السوريين في ليل مأساتهم الطويل.

لقد أغاظت هذه الصورة واشنطن ومعها الدول الغربية الاستعمارية وأحرجتهم أمام العالم وأمام شعوبهم، لكن ما زاد الحنق الأمريكي الغربي هو عودة العديد من العواصم العربية والأجنبية للتواصل السياسي مع دمشق والقيام بزيارات وإجراء لقاءات سياسية مع القيادة السورية، فكان أن حركت واشنطن أدواتها الإرهابية بأشكالها المتعددة للتشويش على الصورة وممارسة الترهيب ضد حالة التعاطف والتعاضد التي شهدتها سورية داخلياً وعربياً ودولياً.

ثلاثة أحداث صنعتها واشنطن للتشويش على الصورة التي خرجت من سورية وأحرجت الدول الغربية الاستعمارية وأوحت ببدء انكسار جدران الحصار الذي تفرضه على دمشق.

أولاً: عمدت إلى تحريك الإعلام الغربي (البريطاني والأمريكي بالتحديد) لتلميع الإرهابي المطلوب دولياً “أبو محمد الجولاني” رئيس تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابية التي غير اسمها إلى “هيئة تحرير الشام” مؤخراً، في محاولة من الإدارة الأمريكية لتكريس هذه الشخصية الإرهابية التي كانت واشنطن قد أعلنت سابقاً عن جائزة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليه.

فاليوم واشنطن ليست معنية بإلقاء القبض على “الجولاني” طالما تستطيع استثماره للإساءة للدولة السورية في ملف الكارثة الإنسانية، وتكريس الحالة الشاذة التي يمثلها في إدلب وسيطرة الإرهابيين عليها ومنع استعادتها من قبل الحكومة السورية، بل هي شديدة الحرص على أن تبقى هذه الشخصية الإرهابية مع ما تحتضنه من الإرهابيين المرتزقة في وجه الدولة السورية.

فقد أوفدت صحيفة “الغارديان” البريطانية ومحطة “فوكس نيوز” الأمريكية مراسليها إلى إدلب السورية وأفردت مساحة واسعة لهذا الإرهابي القاتل صبيحة الزلزال المدمر ليتحدث وكأنه رئيس بلدية أو حاكم لإحدى المقاطعات الأمريكية المنكوبة، لتنقل مطالبه إلى الأمم المتحدة المدرج على لائحتها الإرهابية وإلى المجتمع الدولي ولتمرير اتهاماته الأمريكية للدولة السورية.

وبعد أيام قليلة حركت الولايات المتحدة خلايا تنظيم داعش الإرهابية التي تحتمي بقاعدة “التنف” العسكرية الأمريكية على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، لارتكاب مجزرة مروعة على أطراف البادية السورية ذهب ضحيتها أكثر من خمسون مدنياً كانوا يجمعون الكمأة في بادية السخنة.

وأما الحدث الثالث فكان قيام العدو الإسرائيلي بشن عدوان همجي ضد الأحياء السكنية في مدينة دمشق وقلعتها والمعهد التقاني للفنون التطبيقية والمعهد التقاني للآثار فيها، والمركز الثقافي العربي في كفرسوسة وذهب ضحية العدوان نحو 21 شخصاً بين شهيد وجريح وإلحاق أضرار بالغة في الأبنية السكنية.

لا شك أن الأحداث الثلاثة مترابطة وخرجت من غرفة عمليات واحدة، وهي تهدف إلى جانب التشويش على التلاحم والتعاضد الداخلي والخارجي، ترهيب الدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة التي حركت جسور جوية لإغاثة السوريين المنكوبين بالزلزال وإرسال رسالة من واشنطن بأن حدود التعاون هي المجال الإنساني المتعلق بالزلزال وتداعياته فقط وغير مسموح بتوسيع التعاون أكثر من ذلك.

فالعدوان الإسرائيلي على دمشق وعلى مقربة من مطارها الدولي الذي تحول إلى خلية نحل تعمل على استقبال الطائرات الإغاثية وتفريغ حمولاتها ونقلها إلى المحافظات المنكوبة، يهدف إلى ترويع من يفكر بإرسال الطائرات، ولكن المطار واصل عمله رغم كل ذلك واستمر شريان حياة وإنقاذ لآلاف المتضررين من الزلزال.

وأما رسالة الهجوم الإرهابي الداعشي على جامعي الكمأة في البادية فيهدف إلى التشويش على الطريق البري من العراق إلى سورية والإيحاء بأنه ليس آمناً وربما تنشط خلايا داعش وتستهدف قوافل الإغاثة، وقد تكون محاولة استباقية لتبرير أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية أو إرهابية لتلك القوافل.

وأما محاولة تلميع “الجولاني” فالهدف منها تشويه صورة ما تعرضت له سورية من كارثة وتزييف الرواية التي على العالم أجمع أن يعلمها بأن الحكومة السورية أبدت من اللحظات الأولى جاهزيتها لإغاثة المنكوبين في إدلب سواء في عمليات رفع الأنقاض وانتشال العالقين والضحايا أو في عمليات الإغاثة حيث فتحت ممرات داخلية عبر الخطوط ومعبرين مع تركيا وجهزت قافلة مساعدات لم يسمح لها الإرهابيون بالعبور إلى المنكوبين في إدلب.

“الجولاني” رجل أمريكا في إدلب، وداعش أداتها الإرهابية في البادية، وإسرائيل وكيل الإرهاب العالمي تتحالف مع بعضها اليوم في أعقاب كارثة الزلزال لإغلاق الأبواب السياسية التي فتحتها الكارثة الإنسانية عبر شن اعتداءات متناغمة، لكن كل ذلك لن يمنع سورية من استعادة أنفاسها وقوتها بالتلاحم الفريد الذي أظهره شعبها وبدعم أشقائها وأصدقائها الحقيقيين.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

اقرأ أيضاً: بعد الإغاثة.. الإعمار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى