مقالات

ما بين الحرب والمناخ

ما بين الحرب والمناخ

 

التطرف المناخي الذي يواجه كوكبنا وينذر بكوارث لا تحمد عقباها، هو بالتأكيد أقل قسوة وتطرفاً وكارثيةً من التطرف السياسي والفكري والعسكري الذي تمارسه العديد من الدول الاستعمارية الغربية تجاه غيرها من الدول والشعوب.

فالسلام اعتدال، والحرب تطرف، وكلما ازدادت الحروب كان التطرف البشري السياسي والعسكري في أسوأ حالاته، ويبدو أننا اليوم نعيش أسوأ كابوس من التطرف البشري، فالحروب لا تكاد تتوقف، والإبادة الجماعية صارت عناوين بلا معنى، وضحايا الحروب من أطفال ونساء أصبحوا مجرد أرقام في سجلات الأمم المتحدة.

مناسبة الكلام هو اجتماع قادة العالم في القمة العالمية للمناخ (كوب 28) في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة على مدى أسبوعين لبحث سبل مواجهة التغيرات المناخية في العالم وعلى رأسها معالجة الانبعاثات الحرارية والأمن الغذائي مواجهة ظواهر الطقس المتطرفة في ظل استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض جراء احتراق الوقود الأحفوري، وتأسيس صندوق للتعويض عن الأضرار المناخية.

اقرأ أيضاً: كل الحروب تؤدي إلى دمشق

القمة التي غاب عنها الرئيس الإيراني والسوري وولي العهد السعودي وحضرها “الرئيس الإسرائيلي” شكلت كما العادة مفارقة فاقعة في ظل سعي المجتمعين كما هو مدرج على جدول الأعمال، للتعاون في مواجهة التطرف المناخي وتداعياته على سكان الكوكب، في الوقت الذي تمارس فيه بعض الدول المشاركة في القمة أبشع أنواع التطرف في القتل والتدمير لكافة مناخات وأسباب الحياة للشعب الفلسطيني والسوري واليمني والليبي والقائمة تطول!!

غياب الرئيس الإيراني والسوري وولي العهد السعودي عن القمة ربما كان مرتبطاً أصلاً برفضهم الحضور إلى جانب قاتل الأطفال والنساء، رئيس الكيان الإسرائيلي الذي تمارس قواته العسكرية منذ سبعة عقود ونيف حرب إبادة وتدمير وتهجير للشعب الفلسطيني، وهي اليوم تشن حرباً وحشية تتفوق في همجيتها ودمارها على أبشع أنواع التطرف المناخي التي يمكن أن يشهدها أي مكان في العالم.

قمة المناخ (كوب 28) تشبه إلى حد كبير مؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي عقد في لاهاي قبل أيام، وتشبه جميع حفلات التكاذب والنفاق السياسي التي تقودها الأمم المتحدة.

ففي الوقت الذي تمارس فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر استخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً وممارسة سياسة الأرض المحروقة وتهديد مسؤولي الاحتلال باستخدام القنابل النووية لمسح القطاع عن الوجود، كان مؤتمر (كوب 28) يستقبل رئيس الكيان في دبي للحديث عن المناخ والبيئة وكيفية الحفاظ عليها، وكان مؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منشغلاً بإعادة تدوير الاتهامات الملفقة ضد سورية باستخدام السلاح الكيميائي عام 2017!

اقرأ أيضاً: من يجلب “إسرائيل” إلى المحكمة الجنائية؟

إن مجرد تغاضي كوب 28 ومؤتمر منظمة حظر الأسلحة عن جرائم الإبادة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة والتي أسفرت خلال 60 يوماً عن استشهاد أكثر من 16 ألف فلسطيني بينهم أكثر من 7000 طفل و4800 امرأة، وتدمير المشافي والمراكز الصحية فوق رؤوس المرضى، يطرح سؤالاً جدياً حول المرجعيات التي تعتمدها منظمات الأمم المتحدة في تعاطيها مع حقوق الإنسان وجرائم الإبادة وغيرها من القضايا الإنسانية التي تدعي تلك المنظمات أنها تشكل أولوية بالنسبة لعملها.

فالتطرف المناخي من جفاف وحرائق وفيضانات وتداعياته على ندرة الغذاء وعلى مستقبل البشرية، لا يشكل سوى نسبة ضئيلة مما تتسبب به الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الشعوب والدول الأخرى، ولنا في العراق وأفغانستان واليمن وسورية وليبيا والسودان أمثلة حية على ما نقول.

وغزة اليوم التي تتعرض لأبشع أنواع التطرف البشري وحشية، تحتاج إلى عقد من الزمن وتمويل يعادل ملايين الدولارات لإعادة سبل الحياة لأهلها الذين فقدوا ممتلكاتهم وأعز أحبابهم.

فمن يعيد لهؤلاء ضحكات 7000 طفل قضوا بصواريخ العدوان الإسرائيلي؟ من يعيد لنحو 5 آلاف عائلة حضن أمهاتهم الدافئ؟ وفي سورية من يعيد للسوريين ما تم تدميره على مدى 12 عاماً بتحالف صواريخ العدوان الأمريكي والإسرائيلي والتركي والإرهابي؟ من يعيد لشعب اليمن آلاف الشهداء ومثلهم من الشعب العراقي؟

اقرأ أيضاً: واشنطن تحرك الإرهاب للتخفيف عن “إسرائيل”

العالم اليوم يمارس مسرحية التكاذب السياسي حول الأزمات المناخية؟ فالكل يعلم دور الدول الصناعية الغربية في الاحتباس الحراري، والكل يعلم أن النفط والغاز والفحم الحجري وعوادم السيارات والمصانع هي التي تزيد من الاحتباس الحراري، لكن من يستطيع أن يلزم هؤلاء بدفع تعويضات عن تلك الأضرار والحد من انبعاث الغازات الدفيئة؟

حفلات التكاذب وجميع المؤتمرات التي ترعاها الأمم المتحدة تخضع اليوم لمشيئة الدول الغربية الاستعمارية، لا تخرج عن جدول أعمالها ولا تنحرف عن مسار مصالحها، لذلك فإن على الشعوب والدول النامية أن تنشئ مسارها الخاص بها في مجال التنمية والصناعة والزراعة والقوة العسكرية، وبغير ذلك ستبقى تدور في فلك الدول الغربية الكبرى، تتلقى فتات المساعدات المشروطة بسلاسل الليبرالية الحديثة.

وستظل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تعقد اجتماعاتها وتتخذ قراراتها ضد سورية وضد إيران وكوريا الديمقراطية، في حين تغمض عيونها عن ترسانة كيميائية ونووية هي الأكبر والأخطر على السلام العالمي يمتلكها كيان الاحتلال الإسرائيلي ويهدد باستخدامها ضد الشعب الفلسطيني.

وستأتي قمة كوب 29 العام المقبل، ولن يكون المناخ والطقس العالمي أفضل، ولن يكون مناخ السلام أفضل ولا مناخ التنمية أيضاً، فمناخات الحرب التي تناسب شركات صناعة السلاح الأمريكية والغربية ينبغي أن تسود وتزدهر، هكذا تفترض شريعة القوة، شريعة الغاب.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى