اقتصاد

سلم الرواتب والعلاوات لا يلبي الطموحات ولا يوازي ارتفاع الأسعار.. خبراء: سقف الراتب إجحاف بحق العامل ويجب إلغاؤه وفيه مخالفة للدستور

سلم الرواتب والعلاوات لا يلبي الطموحات ولا يوازي ارتفاع الأسعار.. خبراء: سقف الراتب إجحاف بحق العامل ويجب إلغاؤه وفيه مخالفة للدستور

 

منذ فجر التاريخ اتفق على أن كل عمل يقابله أجر، وكان الأجر في كل مرة بحسب ما يتم الاتفاق عليه باختلاف المراحل التاريخية ونشوء الدول، حتى وصلنا إلى أيامنا هذه، فالعمل له أجر يتقاضاه العامل وفق الاتفاق سواء كان شهري أو أسبوعي أو غير ذلك.

وخلال نشوء الدول وتطورها أنجزت القوانين التي تضمن حق العامل ورب العمل، كما وضعت المحددات القانونية للأعمال والمقابل الواجب لقاءها، وفق قوانين تم صكها والتزام الدولة وأصحاب القرار بتنفيذها.

ومنها ما هو مطبق في بلادنا وفق القانون الأساسي للعاملين بالدولة وهو حق العمال بالحصول على علاوة الترفيع الدورية، التي تضاف لرواتبهم، وهي من الحقوق الطبيعية المعمول بها في أغلب قوانين العمل في العالم، لكنها تعد مجحفة بحق العمال في سورية، قياساً لقيمتها المادية، وتوقفها عند الوصول إلى سقف الراتب، وفقاً لرؤية المتحدثين لـ كليك نيوز الذين أجمعوا على ذلك.

بالإشارة لقانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50، ولقانون العمل رقم 17 الذي ينظم علاقات العمل في القطاع الخاص، يحق للعامل الحصول على ترفيعات مرةً كل سنتين على راتبه المقطوع، لكنه ربط ذلك بتحديد أداء العمال وكفاءتهم ومردودهم، وأجاز لربّ العمل حرمانه، كنوع من أنواع العقوبات التي ينزلها بالعامل.

إعادة النظر بنسبة الترفيع

يرى المتحدثون لـ كليك نيوز، أهمية إعادة النظر بنسبة 9% الترفيعة التي تعطى للعامل كل سنتين، وتعديلها بما يتناسب ومصلحة العمال، لأن هكذا نسبة لا تعوض العمال عن ارتفاع الأسعار؟ كما طالبوا بإلغاء ما يسمى سقف الرواتب، لأن فيه ظلم وإجحاف بحق العامل وأسرته، فسقف الراتب يقف عائقاً ليس بوجه العامل فقط، بل بوجه مصلحة العمل أيضاً، ما دفع الكثير من العمال والموظفين إلى الاستقالة وترك العمل، رغم الخبرة التي اكتسبوها خلال سنوات العمل تلك.

أكثر من 65 ألف عامل ينتظرون الوعود، للحصول على الترفيعة الاستثنائية بحسب عضو المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال “جمال الحجلي”، بعد أن وصلوا إلى السقف، ولم يتمكنوا من الحصول عليها، ولم يصلوا بعد إلى سن الستين.

اقرأ أيضاً: ارتفع قرابة نصف مليون ليرة منذ بداية العام.. أسعار الذهب تواصل تأرجحها عند مستوياتها القياسية

في حين يرى خبير اقتصادي أن موضوع الترفيعة الاستثنائية هو موضوع قانوني، وليس اقتصادي، لأنه يتعلق بقانون العاملين الموحد، ولا يمكن تعديله إلا بتعديل القانون، وأجازت الفقرة /د/ من المادة 24 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة (رقم 50 للعام 2004) -وفقاً لأحد المستشارين في وزارة المالية- لرئيس مجلس الوزراء، بقرار منه، ترفيع العامل من الفئة الأولى بأكثر من سقف فئته، كما فوّض بموجب القرار رقم 2252 تاريخ 30/7/2016، الوزراء لممارسة هذه الصلاحية، كل في وزارته والجهات المرتبطة به.

وحدّد قرار رئيس مجلس الوزراء رقم م/2/3777 تاريخ 19/6/2016، شروط تطبيق الترفيع الاستثنائي، ومن بينها أنه أمر جوازي، ولمن حال سقف فئته دون ترفيع، ومضى سنتين على الترفيع السابق، ولمن قدّرت كفاءته بدرجة جيد.

كما أكد تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 7561/1 تاريخ 30/6/2022 على وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنح علاوة الترفيع الاستثنائي في سياق تحفيز العاملين المميزين، ومن خلال تقييم سيّرهم الذاتية، والاعتماد بالدرجة الأولى على سلوكهم وكفاءتهم بالعمل كمعيار أساسي لمنح الترفيع الاستثنائي.

من جهته دعا عضو مجلس الشعب الدكتور “محمد خير العكام” خلال حديثه لـ كليك نيوز، إلى معالجة سقوف الرواتب لأحد حلين، إما رفعها إن وجدت الحكومة هناك ضرورة لوضع هذه السقوف، وشخصياً أرى لا ضرورة لوضع السقوف، لأنها تحمل ظلم للموظفين، فضرورات السقوف كما هم في قانون العاملين الأساسي على أساسها تحسب بعض التعويضات، وعلى الحكومة  إما أن تغير هذا المعيار، وتحسب التعويض على راتب بدء التعيين، وتغيّر نسبة التعويضات التي تدفعها، أو ترفع السقوف كلما زادت الرواتب، بحيث لا يظلم الموظف حين يصل إلى وقت عند الترفيع يحرم منه لوصوله إلى السقف.

وأضاف “العكام” بصراحة هناك تشوه في رواتب بدء التعيين، بين الفئة الأولى والخامسة، فهل يعقل أن يكون الفارق بين حملة الدكتوراه وموظف في الدرجة الخامسة بضعة آلاف فقط؟، وهذا تشوه يحتاج لإعادة النظر به، لمنعكساته الاجتماعية، كأننا ندعو الناس لعدم التعليم، وعدم الارتقاء بمهاراتهم وتحصيلهم العلمي، ما يؤثر على الرواتب التقاعدية وتدنيها، وهذا ظلم بحاجة لإعادة النظر فيه.

غير منطقي وغير مقبول

بدوره أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور “إبراهيم علي” أكد في حديثه لـ كليك نيوز، أن حرمان الموظف المسقوف بالفئة الخاصة به من الترفيعة، غير منطقي وغير مقبول ولا معقول، فطالما الإنسان يعمل، من حقه الطبيعي أن يترقى في الوظيفة بالراتب والمرتبة الوظيفية، ووجود السقف عائق ومفرمل للعمل، ويؤثر سلباً على إنتاجية العمل، وقد طالبت في لجنة من اللجان بوزارة المالية، وكنت عضواً فيها عدة مرات بذلك، وكان الرد هناك محاولة، وقيد الدراسة، ويبدو أنه لم يدرس ولن يدرس في الوقت الحالي، لأن التفكير ينصب على الأعباء المادية الناجمة عن رفع السقوف للفئات جميعها، ولا توجد تلك الفروق بين سقف الأستاذ الجامعي والفئة الأولى، فينعدم الحافز في العمل وحتى في الدراسة.

وبينت الباحثة والأكاديمية الدكتورة “رشا سيروب” لـ كليك نيوز، أنه رغم الزيادات التي حصلت على الرواتب والأجور في الأعوام الماضية، والتعديلات التي طرأت على الحد الأدنى والأعلى لفئات الرواتب، وتعديل ضريبة الرواتب والأجور، غير أنها جميعاً لم توفر للعامل أجراً عادلاً يلبي متطلبات المعيشة، وفق ما نص عليه الدستور السوري في المادة /40 فقرة 2/ التي نصت (لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها).

وأضافت، كما أن سلم الرواتب والأجور يتسم بالمساواة بين الجميع وهو ما يخالف الدستور، الذي أكد على أجر عادل وليس متساوٍ، وفقاً للدكتورة “سيروب”، والأكثر من ذلك أن هذه الإصلاحات “إذا افترضنا أنه يجور أن نطلق عليها كلمة إصلاح” لم تأخذ بعين الاعتبار سقوف الرواتب، التي يمكن أن يصل إليها العامل بعد ثلاث أو أربع ترفيعات دورية، ويُفهم من خلال عدم حصول العاملين على علاوة الترفيع خلال سنوات خدمتهم، وكأنه تُفرض عفوية مسلكية -بشكل جماعي -أدت إلى حجب هذه العلاوة (المادة 68 فقرة أ، بند 5)، فضلاً عن أنها تصريح رسمي بعدم كفاءة العاملين، حيث ينص قانون العاملين الموحد 50 لعام 2004 على ما يلي (تقدر كفاءة العاملين مرة كل سنتين.. من خلال علاوة الترفيع (المادة 24 فقرة أ وفقرة ب).

وأمام هذا الواقع، ترى “سيروب” أنه لا داعي للحد الأقصى للرواتب، خاصة وأن هذا الحد هو أقل بكثير من الأجر العادل، الذي يجب أن يغطيه الحد الأدنى.

وأشارت إلى أن تشوه هيكل الرواتب والأجور وعدم إصلاحه بما يتوافق مع الاحتياجات المعيشية، يقلل من مقدار الجهد الهامشي الذي يبذله العاملون في وظائفهم، وإيذاناً بتسرب الكفاءات والخبرات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، أو التقاعد والاستقالة أو الهجرة من سورية، وهو ما يعني استنزافاً لرأس المال البشري واقتصاد أقل إنتاجية.

لتخلص “سيروب” إلى النتيجة، نحن بحاجة إلى وضع سلم رواتب وأجور يحقق العدل بين العاملين، من خلال تصميم دقيق للحد الأدنى للأجور، يأخذ بعين الاعتبار الخبرات المتراكمة والمؤهلات العلمية وسنوات الخدمة، فمن غير المنطق أن يكون متوسط الفرق بين راتب كل فئة وأخرى (المؤهل العلمي)، أو وسطي الزيادة السنوية للعامل (سنوات الخدمة) بضعة آلاف، لا تشكل الحافز للتكوين المهني أو التعليم أو البقاء في الوظيفة العامة؟.

أيمن فلحوط – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى