مقالات

المصالحة السورية – التركية بين المبادرات والشروط

المصالحة السورية – التركية بين المبادرات والشروط

 

في الوقت الذي تراجع فيه الحماس والحديث التركي عن المصالحة مع سورية، ألقت طهران حجراً في المياه الراكدة بإعلان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان قبل أيام أن بلاده اقترحت على كل من دمشق وأنقرة خطة للتسوية تقضي بانسحاب القوات التركية من سورية ونشر الجيش السوري على الحدود ضماناً لأمن البلدين.

لكن هل تلقى الخطة المؤلفة من ثلاثة بنود رئيسية موافقة أنقرة؟ البند الأول في الخطة يقضي بتعهد تركيا بسحب قواتها أولاً من الأراضي السورية فيما ينص البند الثاني على تعهد دمشق بنشر وحدات الجيش السوري على الحدود المشتركة لضمان عدم تهديد أمن تركيا، والبند الثالث ينص على ضمان روسيا وإيران حسن تنفيذ الاتفاق.

لكن أنقرة التي رفضت في مناسبات عدة التعهد بالانسحاب من سورية كبادرة حسن نية للمصالحة مع دمشق، سارعت وأعلنت من جديد على لسان وزير دفاعها “يشار غولر”، قبل أيام رفضها الانسحاب من سورية عندما قال.. “تركيا لن تسحب قواتها من سورية إلا بعد تهيئة بيئة آمنة”.

وهذه البيئة الآمنة بحسب “غولر” “اعتماد الدستور، وإجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة تشمل جميع الأشخاص الموجودين هنا وبعد ذلك سنغادر بكل سرور”.

تصريحات وزير الدفاع التركي تعكس سياسة التعجيز وفرض الشروط التي تضعها أنقرة في طريق المصالحة مع دمشق والتي عبّر عنها الرئيس أردوغان عقب لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع الشهر الجاري في سوتشي.

اقرأ أيضاً: قفزة إستراتيجية في العلاقات السورية الصينية

فأردوغان الذي تراجع حماسه لهذه المصالحة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حمّل دمشق مسؤولية عدم التقدم في تطبيع العلاقات واعتبر أنه “لا يوجد حتى الآن موقف إيجابي من الجانب السوري”، داعياً القيادة السورية إلى “التحرك وفق الحقائق على الأرض”.

و”الحقائق على الأرض” وفق المفهوم التركي هي محاولة فرض الأمر الواقع والقبول بالوجود التركي وبحملات التتريك لمناهج التعليم والمصارف وأسماء الشوارع وكذلك خطط التغيير الديموغرافي التي تمارسها السلطات التركية في الأراضي السورية التي تحتلها القوات التركية والمجموعات الإرهابية التابعة لها.

لكن هذه “الحقائق” مصطنعة وغير شرعية كما هي حال سيطرة ميليشيا “قسد” التي أوجدتها الولايات المتحدة الأمريكية ودعمتها للسيطرة على الجزيرة السورية والتي تطالب أنقرة بحلّها وإنهاء وجودها، فيما الحقائق التاريخية والقانونية التي ينبغي على أنقرة احترامها، تقول بسيادة سورية على كامل أراضيها وعدم جواز الاحتلال والتدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل وتحت أي ذريعة كانت.

فهل ولدت الخطة الإيرانية ميتة أم أن رفع مستوى الشروط والشروط المضادة بين أنقرة ودمشق هي من متطلبات تمهيد الطريق لطاولة المفاوضات؟

لقد أكدت سورية حرصها دائماً على أفضل العلاقات مع جيرانها ومنها تركيا وأنها لم ولن تكون مصدر تهديد لأي دولة، وهي مستعدة لتنسيق ضبط الحدود المشتركة مع تركيا كما كان الحال قبل الحرب على سورية ودخول الجيش التركي في المعركة لصالح المجموعات الإرهابية واحتلال بعض المناطق في شمال حلب وإدلب.

ولكن مطالب سورية ليست شروط وإنما هي مطالب القانون الدولي الذي يرفض الاحتلال ويجرّمه وبالتالي لابد من تعهد تركي بالتراجع عن انتهاك سيادة سورية والانسحاب من أراضيها للعودة بالعلاقات إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

إذاَ الكرة في الملعب التركي الآن وليس كما يقول أردوغان.. فالجيش السوري لا ينتشر في الأراضي التركية، وسورية لا تدعم تنظيمات معادية للدولة التركية، وبالتالي الخطوة العمليّة الأولى ينبغي أن تكون من الجانب التركي وليس مجرد إطلاق تصريحات لا يمكن الوثوق بها وخصوصاً مع الممارسات التركية على الأراضي السورية.

الخطة الإيرانية وقبلها خريطة الطريق الروسية لن تكتب لها الحياة في ظل التعنت التركي وسياسة المراوغة التي يتقنها أردوغان الذي ما يزال غير جاد في المصالحة مع سورية.

ومن غير المرجح أن يذهب إلى طاولة مفاوضات جديّة بدون ضغوط كبيرة من موسكو وطهران، وربما من دول أخرى لديها مصلحة في تطبيع العلاقات السورية التركية واستعادة الأمن والاستقرار في هذا الإقليم من العالم.

فموسكو التي استضافت الجلسة الرباعية لوزراء خارجية سورية وتركيا وإيران وروسيا في العاشر من أيار الماضي أعلنت أنها مستمرة في العمل على خارطة الطريق التي أعدتها مع العواصم الأربعة من أجل إعادة العلاقات السورية التركية إلى مسارها الطبيعي.

وهي أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها اقترحت على البلدين العودة لتطبيق اتفاقية أضنة الموقعة بينهما عام 1988 والتي تنسق ملاحقة الإرهابيين عبر الحدود المشتركة.

لكن تعنت أنقرة ومحاولتها فرض الأمر الواقع على الحكومة السورية واعتبار تعهدها بالانسحاب من الأراضي السورية شرطاً مسبقاً سيبقي الخطط وخرائط الطريق للمصالحة بين البلدين تترنح وغير قادرة على السير وسط حقل الألغام الذي أوجدته أنقرة بتدخلها العسكري واحتلالها مناطق واسعة في إدلب وشمال حلب.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى