مقالات

ويسألون.. أين المحور؟

ويسألون.. أين المحور؟

 

في حساباتهم المهزومة ورواياتهم المسمومة، المقاومة مغامرة ومقامرة بحياة الشعب وسبب بدمار الدولة، لا يخجلون من أنفسهم ومن قرائهم وهم ينظّرون على المقاومة ودول محورها، عندما يتساءلون خِسةً وخبثاً.. أين المحور مما يجري في فلسطين؟

وكأن هؤلاء المقيمين في الفنادق في عواصم التطبيع والبيع الذين ينظّرون للهزيمة أمام العدو المحتل ويروجون للتسليم والرضوخ، قد أدّوا واجبهم تجاه القضية الفلسطينية على أكمل وجه، وكأن هؤلاء الذين يصطفون في خندق العدو والعدوان ويمارسون سياسة الإحباط ونشر العجز، سبقوا المقاومة إلى حمل البندقية دفاعاً عن فلسطين ونجدة شعبها!!

وفي هذا السياق، كان ملحوظاً للغاية قبل كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أولى إطلالاته بعد عملية طوفان الأقصى، كيف عملت بعض منافذ الإعلام العربي والغربي على رفع سقف التوقعات لدى الجمهور العربي والعالمي بطريقة تحاكي ما نشرته بعض منافذ الإعلام الإسرائيلي، وللأسف غرق بعض الوطنيين المحبين للمقاومة ولفلسطين في هذه التحليلات ذات السقف المرتفع، عن حسن نية وربما بسبب حماسهم الشديد وتوقهم لرفع القتل عن أشقائهم في فلسطين.

كثيرون تحدثوا عن توقعاتهم وربما رغباتهم بأن يعلن سماحة السيّد في بداية الكلمة أن صواريخ المقاومة بدأت تدك تل أبيب وتنسف حاملات الطائرات الأمريكية في البحر المتوسط وتغرقها، وهم يعلمون أن ما يريدونه ويرغبونه به تتردد في الإقدام عليه دول كبرى مثل روسيا والصين في ظل التوازنات الدولية الحالية.

لم يكن هدف هؤلاء من رفع سقف التوقعات تدمير “إسرائيل” وإنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بل تمهيداً نارياً للحملة الإعلامية التي ستأتي بعد الكلمة، وهذا ما كشفته موجة التشكيك ونشر الإحباط التي تلت الكلمة وحملة الإساءة إليها وإلى محور المقاومة بشكل عام، وقد انساق أيضاً مع الحملة، بكل أسف، بعض المحبين للمقاومة ولفلسطين.

العناوين التحريضية التي خرجت في بعض منافذ الإعلام الإسرائيلي وبعض الإعلام الناطق بالعربية بعد الكلمة من نمط “الحزب يتملص من المواجهة” وأنه غير معني بمصير “حماس” كما فعلت صحيفة العرب اللندنية، وكذا فعلت مجلة نيوزويك الأمريكية عندما قالت أن نصر الله “خيّب أمال الفلسطينيين وأنصارهم”، كل ذلك يهدف إلى شق صف المقاومة والتحريض عليها، شأنها في ذلك شأن من يجلس في فندق خمسة نجوم وينظر على “حماس” كيف ومتى يجب أن تقاتل العدو الإسرائيلي!!

اقرأ أيضاً: معركة الوعي.. طوفان الأقصى نموذجاً

لكن سماحة السيّد المعروف بصدقه ومصداقيته لدى الأعداء والأصدقاء، لم يخضع للمشاعر الشعبوية الحماسيّة التي سبقت الكلمة، وتحلّى بالحكمة كما عهدناه دائماً في تقدير الموقف ورسم سيناريوهات التعامل مع أعتى قوة شر في العالم هي الولايات المتحدة التي مازالت تربك روسيا في أوكرانيا والصين في تايوان.

لذلك كانت رسائل السيّد مدروسة، واضحة وغامضة في آن معاً، أبقت العدو قلقاً كما قبل الكلمة لدرجة أن التساؤلات كثرت وارتفع مستواها عما هو آت على جبهة الجنوب اللبناني، وبدأت الاتصالات تتوارد تباعاً إلى الضاحية الجنوبية استفساراً عما قصده السيد في الكثير من رسائله، وهنا يكمن نجاح الكلمة في مسار المعركة السياسية والعسكرية.

لقد نجحت المقاومة الفلسطينية وحماس تحديداً في معركة طوفان الأقصى بسبب السرية والتكتم الذي رافق العملية تخطيطاً وتنفيذاً، وهذا الأمر يجب أن يتكرر في أي عملية يقوم بها حزب الله عبر الجليل، فهل تتوقعون من السيد أن يعطي العدو خارطة طريق حول ما ينوي الحزب القيام به؟!!

أن يخفي حزب الله نواياه وخطوطه الحمراء وأن تبقى الأسئلة نفسها معلقة في تل أبيب وفي واشنطن هو تكتيك في صلب المعركة، وهو مطلوب اليوم بالرغم من وضوح الموقف الرسمي للحزب من الحرب ومن الاحتلال ومن الولايات المتحدة التي اعتبرها السيّد المسؤول الأول عن الحرب على غزة، وأن الواجب الوطني والديني والأخلاقي يقتضي المشاركة في المعركة التي تخوضها قوى المقاومة اليوم ضد هؤلاء في فلسطين والعراق وسورية واليمن وفي كل مكان من العالم.

لقد أكد نصر الله أن الحزب كان في خضم المعركة منذ اليوم التالي لمعركة طوفان الأقصى، وأن كل الخيارات مفتوحة وأن الحزب لن يكتفي بما يقوم به على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وأعد العدة للأساطيل الأمريكية الموجودة في البحر المتوسط، فأي موقف أقوى من هذا في الوقت الذي تترد فيه دول كبرى في إعلان موقف كهذا من الولايات المتحدة؟

لقد حددت الكلمة أن الصراع مع المحتل الإسرائيلي طويل الأمد وأن معركة طوفان الأقصى هي معركة في مسار القضاء على الاحتلال، وأنه ليس بالمشاعر والرغبات تخاض الحروب، وأن الحفاظ على النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول هو أولوية محور المقاومة وكذلك بقاء المقاومة في غزة ويدها أعلى من يد العدو.

لذلك لم ولن تنجح الحملة الإعلامية التي شنت على الكلمة في الإساءة للحزب وقيادته، ولم تفلح في استغلالها لتبرير استقالة العرب والمسلمين شعوباً وحكومات من مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية أيضاً، كما لم تنجح في تحميل إيران وحزب الله مسؤولية اندلاع معركة طوفان الأقصى التي تم التخطيط لها وتنفيذها من قبل الفلسطينيين أنفسهم فقط.

لذلك يجب أن يكون السؤال اليوم.. بدل أين هو محور المقاومة؟ أين المليار ونصف المليار مسلم الذين يعتبرون المسجد الأقصى أولى القبلتين ومعراج النبي محمد، أين 22 دولة عربية و350 مليون عربي مما يجري في فلسطين؟ ولماذا هذا الصمت حيال ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر يومية على يد المحتل الإسرائيلي الذي تكاثرت سفاراته في العواصم العربية سفاحاً حراماً؟

لعله من أضعف الأيمان أن تتشجع الدول العربية والإسلامية التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع الكيان المحتل أن تحذو حذو بعض دول أمريكا اللاتينية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وتقوم إما بطرد سفير الاحتلال أو إغلاق سفارته أو قطع العلاقات، فهل يتجرؤون؟

وإذا أصرّ أصحاب السؤال.. ماذا سيفعل حزب الله وسورية وإيران، فليعم هؤلاء أن في كل صاروخ وقذيفة تدك الكيان الغاصب في تل أبيب وسديروت وإيلات، وكل طلقة تصيب جندياً أو مستوطناً إسرائيلياً، هي بالشراكة مع المحور، وليس بالشراكة مع المطبعين المحتفين بالمجرمين القتلة ضيوفاً على عواصمهم.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى