بين سندان الراتب ومطرقة الأسعار
بين سندان الراتب ومطرقة الأسعار
أكثر من 2.2 مليون موظف من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين يتقاضون اليوم رواتب تتراوح بين 100 ألف ليرة و200 ألف ليرة شهرياً أو أكثر بقليل لبعض الوظائف، وهي مبالغ لا تغطي نفقات أسرة مكونة من شخصين لأكثر من أسبوع في أحسن الأحوال، هؤلاء الذين يشكّلون الأذرع التنفيذية للحكومة والدولة يعيشون اليوم بين سندان الراتب ومطرقة الأسعار.
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تخرج علينا الحكومة لترفع فيها سعر خدمة من الخدمات التي تقدمها للمواطن من اتصالات ودواء وغاز ومشتقات نفطية ومواصلات وكتب مدرسية وجامعية ورسوم وغيرها، وفي كل مرة تقول أنها كانت مضطرة لرفع أسعار الخدمات والمواد بسبب ارتفاع التكاليف الناجمة عن الحرب والحصار الأمريكي الغربي الجائر.
ومع كل رفع أسعار تضع الحكومة المواطن أمام معادلة مستحيلة التحمل، فإمّا أن ترفع الأسعار أو أن تنقطع الخدمة أو تغيب، ويتم تغليب خيار رفع الأسعار مع عدم تأمين الخدمة بالشكل المطلوب أو حتى المقبول.
وأما التجار فحدث ولا حرج، كل يوم سعر، وكلهم يربطون أسعارهم بسعر الصرف الذي يتلاعب به المتلاعبون، فترتفع الأسعار مع ارتفاعه ولا تهبط مع هبوطه.
الموظف اليوم ينام على سعر ويستيقظ على سعر، والحجة دائماً ارتفاع سعر الصرف، وارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، وكلها حقيقية.
لكن ماذا عن راتب الموظف الذي لم يحصل على زيادة منذ عام، وبعض الموظفين الذين ما يزال أمامهم عشر سنوات للتقاعد وبعضهم أكثر، لم ولن يحصلوا على تعويض ترفيعاتهم كل عامين بسبب وصولهم إلى سقف الراتب الذي أصبح منخفضاً لا يسمح إلاّ بالقرفصاء.
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدأت تسعير المواد حسب كلف الإنتاج المقدمة من الصناعيين والتجار وحسب سعر الصرف، ووزارة الصحة رفعت أسعار الدواء عدة مرات وآخرها بالأمس القريب 50 بالمئة، وكل ذلك وفق المعادلة القائلة، (إما أن نرفع أسعار الدواء أو تتوقف المعامل عن الإنتاج)!
في الاتصالات السلكية والخليوية طلبت الشركات من الحكومة رفع أسعار الخدمات أكثر من مرة بحجة العمل على تحسين جودة الاتصالات، فتم الرفع، لكن لا الجودة تحسنت ولا التغطية توفرت وعلى المواطن القبول بالأمر الواقع والدفع بالتي هي أحسن.
كل شيء ارتفع سعره أضعافاً، جميع أصحاب المهن الحرة رفعوا أجورهم وضاعفوها عدة مرات، لكن عندما يأتي الأمر لرواتب الموظفين يغيب منطق التكاليف وارتفاع أسعار الصرف وأسعار السلع بكافة أصنافها، ويصبح منطق النظريات الاقتصادية يتحدث عن الخوف من التضخم!، فالخوف كل الخوف على المواطن والموظف من “التضخم” في حال رفع الرواتب!
كيف لأسرة أن تتدبر تعليم أبنائها في المدارس والجامعات وأن تصرف على تنقلهم إلى مدارسهم وجامعاتهم بهكذا راتب؟ هل المطلوب أن يتخلى الطلاب عن الذهاب إلى جامعاتهم ومدارسهم؟ هل المطلوب أن يتوقف الموظف عن الذهاب إلى عمله أو يستقيل؟
هل ترضى الحكومة أن يقول المدرس.. لم أستطع القدوم إلى المدرسة بسبب عدم قدرتي على تأمين ثمن المواصلات؟ هل تقبل أن يقول لها الموظف.. لا أستطيع القدوم للدوام أكثر من خمسة أيام في الشهر بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف المواصلات والراتب لا يكفي؟
هل تقبل أن يعامل الموظف حكومته وفق معادلة (إما.. أو) التي باتت لازمة حكومية مع كل رفع للأسعار؟ من البديهي أنه عندما تعجز الحكومة عن القيام بواجباتها في تأمين الخدمات للمواطنين وبأسعار تناسب دخلهم، أن يعجز المواطن عن القيام بواجباته تجاه دولته.
اليوم مطلوب من الحكومة زيادة الرواتب والأجور بشكل يتناسب مع ارتفاع الأسعار وتكاليف الحياة، وأن تنتشل الموظفين من بين فكي سندان الراتب ومطرقة التجار والأسعار التي باتت تسحق ما تبقى من أمل لدى هذه الشريحة الواسعة من السوريين، خصوصاً أن الكلام الكثير عن حرص الحكومة على تحسين الوضع المعيشي للسوريين لا يصمد أمام الواقع المؤلم.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: إيران والتقارب السوري – التركي