وسط انعدام الرقابة وغياب المساءلة.. منصات التواصل الاجتماعي تغزو عقول الشباب وتحد من دورهم المعرفي
انتشرت خلال الآونة الأخيرة العديد من المنصات التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ربما يمكن القول بأنها كسرت كل القيود، ودخلت خصوصيات الناس واخترقت أسرارهم، مستغلة حاجتهم للمال.
ليس ذلك فحسب، بل تحولت تلك المنصات لمشروع ربحي غير آبهة بأفكارها وقصصها التي تعرضها، والأمر الأكثر إثارة للاستهجان، أن الأمر وصل بها إلى حدّ استئجار أشخاص لعرض قصص غريبة لا علاقة لها بالواقع وتسلب العقول، بغرض حصد أكبر قدر من اللايكات والمشاهدات!، كما بات أصحابها يقدمون أي محتوى أو برنامجاً في أي مجال، دون الحاجة إلى ترخيص أو موافقة!.
وقال أحد الآباء، بأنه بات يشعر بالخوف إلى حدّ القلق على أبنائه، من جراء سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على عقولهم وتفكيرهم، التي تكاد تكون في تفاصيل حياتهم، لا سيما البرامج التي تضخها المنصات على اختلافها لساعات طويلة يومياً على حساب الدراسة والعمل.
وأضاف، لا أدري ماذا يشاهدون وهو عاجز تماماً عن التحكّم بهم وتوجيهم، قائلاً، ببساطة أبناء هذا الجيل هم أبناء تلك التقنيات، والخطورة في الموضوع أن الجميع تحت سطوة وسحر ذلك العالم الأزرق.
وقال “باش جوريوس”، وهو مدير فني لإحدى المنصات، إن الصفحات المنتشرة بكثرة والتي تقدم (مقالب- تجارب– اسكتشات.. إلخ) لا يمكن تسميتها بالمنصات، لأن كلمة منصة تحمل مفاهيم كبيرة ومعايير مختلفة، والصفحات المنتشرة هي تجارية ربحية، هدفها الأول الربح.
وأشار إلى أن الهدف من المحتوى المقدم نخبوي وواسع، يشمل جميع الفئات (علوم، تكنولوجيا، فنون، أو حتى قضايا اجتماعية وسياسية)، ويتم إنتاج المحتوى بشكل دوري لتلبية احتياجات الجمهور بهدف تقديم محتوى عالي الجودة يتجاوز النمطية والسطحية المنتشرة، وفق ما نقلت صحيفة “تشرين” الرسمية.
وأكد أن منصته لا تحقق أرباحاً كبيرة، لكنها تقوم بتسديد جزء من المسؤوليات المالية المترتبة على الشركة التي تتبع لها.
من جهته، رأى “غسان منصور” الأستاذ في كلية التربية، في حديثه للصحيفة نفسها، أن غياب الرقابة الداخلية في جميع الوزارات، سمح للمتسلّقين بافتتاح هذه المنصات، وأصبح الموضوع كحال الدورات التدريبية، فالكلّ مدرب والكل معلم من دون الحصول على التراخيص من الجهات المعنية.
اقرأ أيضاً: سبب 65% من حالات الطلاق.. الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي يهدد الحياة الزوجية
وأضاف، لا يمكن توجيه الأجيال الجديدة أو حتى تزويدها بشيء يحميها، لأن عدد المنصات أصبح كبيراً ومحتواها غير معروف وغير مراقب، حتى مع انتشار «الريسيفر والستالايت» لم تتدخل الأجهزة المعنية، وتركت الأجيال تربيها قنوات وبرامج، ولم ولن تتم هذه الرقابة، والتعويل فقط على الرقابة الذاتية.
وأمام هذا الواقع، أكد الخبير الإعلامي “حسين الإبراهيم”، أن هذه المنصات لم توجد من حيث المبدأ لتحقيق هدف إعلامي أو ثقافي أو فكري، وكان الهدف الأساسي منها تطبيق نظرية “تفتيت دائرة المتلقي” وتحويله إلى شخص خاضع لضخّ المعلومات السطحية السريعة، التي لا تحمل أفكاراً بحكم ارتباطها بعامل سرعة القراءة، ولا تتطلب من المتلقي أن يفكر بما يقرأ.
ورأى “الإبراهيم”، أن الهدف الذي يمكن أن يكون وراء النشاط الكثيف على شبكات التواصل الاجتماعي، جمع تعليقات الإعجاب وعدد المشاهدات، بهدف تحقيق أرباح مادية، سواء عن طريق الإعلانات المدفوعة أو الشراكات مع العلامات التجارية أو بيع المنتجات أو الخدمات والترويج لمنتجاتهم.
واشار” الإبراهيم”، إلى ما قاله “آلان دونو” في كتابه “نظام التفاهة”، الذي طرح نظرية حول كيفية عمل المجتمعات الحديثة، وكيف أصبحت سطحية ومتجاهلة للقضايا العميقة والمهمة.
ورأى أن الثقافة الحديثة تغرق في الاستهلاك الزائد والعمل الروتيني والتسلية والترفيه الفارغ، وتفقد مجدداً قدرتها على التأمل والتفكير العميق، معتبراً أن هذا النظام يحوّل الأفراد إلى مستهلكين غير قادرين على فهم العالم والتفاعل معه بشكل عميق، ما يؤدي إلى فقدان الهوية الشخصية والاندماج الاجتماعي.
وتابع “الإبراهيم” على الرغم من أن هذا الانتشار الواسع للمنصات والبرامج قدّم فرصاً كبيرة للتعبير الحرّ وتبادل الأفكار، إلا أنه أيضاً ساهم في زيادة الفوضى والارتباك، لأن عدم وجود ضوابط صارمة للمحتوى المقدّم على هذه المنصّات يمكن أن يؤدي إلى نشر أخبار كاذبة ومضللة وإثارة الانقسامات بين الناس.
ولفت “الإبراهيم”، إلى أنه في المجال الاجتماعي، يمكن للأشخاص إنشاء برامج تتحدث عن قضايا مجتمعية بمختلف أشكالها، وعلى الرغم من أن هذا يمكن أن يكون إيجابياً في بعض الأحيان، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى انتشار خطاب العنف أو التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين وغيره.
وفي المجال السياسي، بحسب الإعلامي، فأصبح من الممكن لأي شخص أن ينشر آراءه السياسية ويروّج لقضاياه المفضّلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا له جوانب إيجابية، حيث يسمح للناس بمشاركة وجهات نظرهم والتعبير عن آرائهم السياسية الخاصة، لكن يمكن أيضاً لهذه الخاصية أن تؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرّفة وتعزيز الانقسامات السياسية.
وأضاف، أيضاً في المجال الديني، انتشرت المنصات التي تقدم برامج دينية بشكل واسع، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يصبح مرجعاً دينياً وينقل رسائله الدينية إلى الجماهير، وعلى الرغم من أن هذا الانتشار قد يعزّز الوعي الديني للناس ويقدم لهم منصة للتواصل، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى الانسياق وراء الآراء المتطرفة والتأثر بفتاوى مشكوك بصحّتها.
وتابع “الإبراهيم” الأخبار الزائفة والمضللة، التي تنتشر على تلك المنصات، يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة، وتؤدي إلى تشكيل رأي عام خاطئ واعتقادات مغلوطة، لذلك يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين ويتحققوا من مصداقية المصادر قبل التفاعل مع الأخبار وتبنّيها.
ودعا الخبير الإعلامي، إلى إيجاد ضوابط ورقابة وإشراف لتنظيم الكم الهائل من هذه البرامج، عبر تشكيل فرق عمل متخصصة في مجال المراجعة والرقابة على المحتوى وفرق مدربة جيداً على كيفية التعامل مع المحتوى وقادرة على تحديد المحتوى المسيء وغير الملائم.
كما يجب، بحسب “الإبراهيم”، وضع سياسات وقواعد استخدام واضحة ومحددة للمنصات التي تتيح نشر المحتوى، وذلك للحدّ من المحتوى غير الملائم والمسيء، واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للمساعدة في عملية فحص وتصنيف المحتوى.
ودعا أيضاً إلى استثمار آراء المستخدمين وتقاريرهم للكشف عن المحتوى المشبوه أو المخالف، ووضع قوانين حكومية ومجتمعية ولوائح لتنظيم المحتوى على الإنترنت.
كما يجب وفق” الإبراهيم”، توفير التثقيف والتوعية للمستخدمين بشأن كيفية التعامل مع المحتوى وكيفية الإبلاغ عن المحتوى الضار أو المسيء، وتشجيع المحتوى المتميز الذي ينسجم مع المتطلبات المجتمعية، ويحفّز على التطوير والإبداع.
وأضاف الخبير الإعلامي “الإبراهيم”، أن دور وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين والجهات المعنية يكمن في تنظيم عمل هذه المنصات، ولكن بأفق جديد وذهنية مرتبطة بالتطورات التي تحصل عالمياً في مجال الإعلام، بدءاً بالتحول نحو التواصل مع المتلقي بدلاً من التلقين والتوجيه، مشيراً إلى أنه علينا أن نتخلص من إعلام الأجندة، ونتجه إلى إعلام استقطاب الإمكانات الإعلامية المجتمعية، من خلال مشاركة المتلقي في صياغة المعنى.
وأضاف، في هذا الإطار لابد من الانتقال إلى قانون جديد للإعلام وقانون جديد لاتحاد الصحفيين، على أن يكون هذا الانتقال مرتبطاً بالتوجهات المستقبلية.
وقال الباحث الإعلامي والمحاضر في الجامعة الافتراضية الدكتور “منذر أحمد” في مقدمة أهداف تلك المنصات الترويج وتحقيق الأرباح، مشيراً إلى أنها بدأت تتبدّى بحكم أنها تسيطر على العقول.
وأضاف، هذه المنصات مسيطر عليها من الدول المالكة والمشغّلة لها، مشيراً إلى أن سلبيتها بسبب كونها تدار وتضع قوانين تفرضها دول لها أجندتها الخاصة التي تمنع وتحجب أو تبيح وتمرّر ما تراه مناسباً ولا يتعارض مع سياستها.
ولفت “أحمد”، إلى أننا في سورية عانينا الأمرّين من تلك المواقع التي فرضت سياستها الخاصة، وفرضت مصطلحاتها وحرمت متابعيها وكتّابها من نشر الحقائق أو إشارات تتعلق بفضح أكاذيب أعدائنا، وكذلك تم منعنا من نشر الفيديوهات والصور والاقتباسات التي تظهر ما يقع من ظلم.
وأضاف، إن العديد من الأنظمة باتت تؤرقها مسألة اللانضباط التي تعيشها مواقع التواصل، وسعت على مدار السنوات الماضية إلى ضبط عملها أو حظرها في بعض الحالات، إلا أن عملية الحظر لم تعد مجدية في هذا العصر التكنولوجي الذي نعيشه.
وبينما أصبحت الغالبية العظمى منا أسيرة مواقع التواصل الاجتماعي ونتاجها، فإن ما يجب الانتباه له أن هذه المنصات أصبحت تحول الكثير من الأشخاص لوحيدين مصابين بالاكتئاب والتعاسة، خاصة بالنسبة للمراهقين.
وفي ظل صعوبة السيطرة على متابعة تلك المنصات مع التطور التكنولوجي وانتشار الانترنت والهواتف المحمولة لدى الجميع، فهنا يقع الأمر على عاتق الأهالي، لمنع أبنائهم قدر الإمكان من الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع