تراثثقافة

لكل سوق تخصص معين.. أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركت في العالم

لكل سوق تخصص معين.. أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركت في العالم

 

لا يُخفى على أحد أن مدينة حلب تجارية بامتياز، انطلاقاً من موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير وهي أيضاً موطن الصناعات المحلية كالقطن والصوف إضافة إلى صابون الغار الذي تشتهر به المدينة. فإن الأسواق منحت للتجار وبضائعهم خانات متواجدة حولها وأخذت تلك الخانات أسماءها انطلاقاً من حرفة السوق الواقع فيها.

 

لكل سوق تخصص معين... أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم
لكل سوق تخصص معين… أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم

 

تفاصيل معمارية كثيرة في أسواق مدينة حلب القديمة تعيدك إلى نشأة حلب المبكرة التي ترتبط بخصوبة التربة التي قامت عليها، والتي ساعدت على ظهور المدينة منذ عصور ما قبل التاريخ نتيجة لتوفر ما يلزم لإنتاج الطعام للإنسان والحيوانات التي يربيها.

إضافة للموارد الطبيعية الأولية، والشروط التي تحتاج إليها المهن والوظائف والأعمال التجارية والصناعية في المراحل الأولى المبكرة في الألف الثالث قبل الميلاد. لتنمو وتزدهر معتمدة منذ البداية على موقعها على طريق القوافل القادمة من أوروبا إلى جنوب شرقي آسيا وبالعكس، والذي يعرف باسم طريق الحرير الشمالي، ولينتهي بها الحال بأن تصبح من أكبر مدن سورية.

وكشف “عبد الله حجار” الباحث في التاريخ والتراث والأثار أن السكان الأوائل وصلوا من بعض مغاور أطراف الحافات التلية للهضبة التي تقع حلب فوق جزء منها والمسماة باسمها (هضبة حلب)، ثم انتقلوا منها إلى ما يعرف اليوم بالمدينة القديمة التي تضم القلعة وأسواقها وخاناتها.

 

لكل سوق تخصص معين… أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم

 

وكانت حلب منذ تأسيسها ومازالت فقرة أساسية في العمود الفقري للنشاط الاقتصادي وهي إحدى الطرق التجارية العالمية المشهورة بين بلاد البحر المتوسط وبلاد الهند والصين.

وكانت تمر البضائع المحملة على قوافل البغال والجمال والعربات التي تجرها الحيوانات وتشكل في الوقت نفسه محطة راحة وتموين للعابرين إلى البلاد المجاورة.

وأضاف “حجار” كانت حلب تجمع فيها تجارة الإمبراطورية العثمانية من الجزيرة العربية وشمالي إفريقيا والعراق وبلاد العجم والقوقاز والأناضول وأوروبا وعلى الرغم من أن مكانتها التجارية قد تراجعت بعد الحرب العالمية الأولى بعد اقتطاع لواء إسكندرون وحرمانها من منفذها البحري.

فإنها سرعان ما استردت مكانتها التجارية بالنسبة لسورية نتيجة لازدياد إنتاج محافظتي الحسكة ودير الزور من الحبوب والقطن.

وتوسيع مرفأ اللاذقية القريب منها، ليكون المنفذ البديل لتجارتها نحو أطراف البحر المتوسط، بدلاً من المرفأ المقتطع، وهكذا عادت حلب لتصبح أول مركز لتجارة الحبوب والقطن وما يرتبط بهما من منتجات صناعية متنوعة.

وإضافة إلى الأهمية التجارية والزراعية لحلب فإنها تعد أيضاً أهم المدن الصناعية في سورية، فقد استطاعت بصناعتها الحديثة أن تعوض ما أصابها من خسارة نتيجة لتراجع مكانتها التجارية بعد اقتطاع منفذها البحري.

فسبقت كل المدن السورية في الصناعات المعدنية، ونافست دمشق في الصناعات النسيجية والغذائية، وفي الدباغة وعصر الزيتون وصناعة الإسمنت وحلج القطن وحفظ الخضراوات والثمار.

وقد ازدادت أهمية هذه الصناعات بعد الحرب العالمية الثانية، فتضاعف عددها بإقامة مصانع جديدة للزيوت والصابون والكثير من الصناعات الغذائية وللإسمنت والمطاحن ومحالج القطن والمعاصر وبعض الصناعات المعدنية وتركيب هياكل السيارات وصنع المضخات، مع صناعة متقدمة لصياغة الذهب والفضة.

 

لكل سوق تخصص معين… أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم

وتشتهر حلب بمبانيها الحجرية وأسواقها التقليدية الشرقية فهي لم تفرط بأسواقها القديمة التي احتفظت بمكانتها العالية في حياة المدينة على الرغم من منافسة الأسواق الحديثة.

التي قامت في الأحياء التي قامت في الأحياء الجديدة واحتفظت هذه الأسواق بأهميتها البالغة لدى جمهور كبير من ذوي الدخل المحدود من سكان المدينة والزائرين.
وعن العدد الإجمالي لأسواق حلب القديمة أكد الباحث التاريخي وجود 37 سوقاً وهي متوازية أو متعامدة يختص كل منها بنوع من البضائع والحرف كسوق القطن وسوق الحبال وسوق العطارين والسقطية وكان لكل منها أبواب يغلقها حارس السوق مساء، وتشكل بمجموعها أكبر (سوبر ماركت) في العالم.
كذلك ذكر المؤرخ كامل الغزي أنها تضم 15 ألف دكاناً، وكانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات التي كان يسميها الحلبيون بـ (المدينة وتلفظ بتسكين حرف الميم) كما سمى اللندنيون لندن القديمة التي فيها الأسواق التجارية بـ (السيتي) أي المدينة.

 

لكل سوق تخصص معين… أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم

وتعتبر أسواق حلب من أجمل أسواق مدن الشرق العربي والإسلامي لما تمتاز به من طابع عمراني جميل، إذ تتوفر فيها نوافذ النور والهواء وتؤمن جواً معتدلاً لطيفاً يحمي من حر الصيف ومن أمطار الشتاء وبرده.

ويبلغ مجموع أطوال أسواق حلب على الجانبين 15كم ومساحتها 16 هكتاراً وتحمل طابع القرن السابع عشر الميلادي.

ويتم الدخول إلى هذه الأسواق من أبواب حلب كباب الجنان وباب الفرج وباب النصر وباب قنسرين وباب إنطاكية وفيها آلاف المخازن التي تبيع الأقمشة الحريرية والقطنية والمطرزة والعباءات والأغباني والسجاد اليدوي والبسط والزجاجيات الملونة والعادية وصابون الغار وصابون المطيب والمنتجات الفضية والذهبية والنحاسية والحلي المقلدة.

وكانت سقوف الأسواق من الحصر والقصب إلى أن احترقت عام 1868 فأمر الوالي ببنائها على طريقة النوافذ السقفية على ما هي عليه في الوقت الحاضر.

وأضاف الباحث “حجار” أن أهم ما تتميز به أسواق حلب القديمة هو التخصص فكل سوق يختص بنوع من البضائع والحرف، فهذا للعطارين وذاك للحبالين، وللأحذية والقطن والصوف والأقمشة كالجوخ والحرير والكتان والخيطان والصاغة، والنحاسين والسراجين والبالستان والعبي والطرابيشية.

 

لكل سوق تخصص معين… أسواق حلب القديمة التاريخية أكبر سوبر ماركة في العالم

ويمكن تقسيم هذه الأسواق إلى مجموعتين، المجموعة الأولى على شكل خطوط متوازية مع جدار الجامع الكبير الجنوبي ويرجع تاريخها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي والمجموعة الثانية مكونة من سوق وخان وقيسرية.

وتعود أصول أسواق حلب إلى القرن الرابع قبل الميلاد حيث أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع المستقيم الممتد بين القلعة وباب إنطاكية حالياً، وقد اخذت الأسواق شكلها الحالي في مطلع الحكم العثماني. وهي كلها مبنية بشكل هندسي على شكل الأقبية التي في سقوفها نوافذ الإنارة، بحيث تكون دافئة شتاءً وباردة صيفاً بفضل سماكة سقوفها الحجرية.

ولا تزال هذه الأسواق عامرة حتى الآن وقد اعتبرها زوارها من الأجانب بأنها من أروع الكرنفالات لتنوعها وألوانها الزاهية، وخاصة منها حوانيت سوق العطارين الصغيرة التي يدخلها أصحابها قفزاً على حبال مدلاة من السقف.

أنطوان بصمه جي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى