قمة روسية سورية تركية.. متى؟
قمة روسية سورية تركية.. متى؟
آخر التصريحات التركية المتكررة عن إمكانية الحوار مع دمشق جاءت على لسان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي أعلن خلال عودته من تركمانستان قبل يومين أنه اقترح على الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عقد قمة ثلاثية تضم رؤساء روسيا وتركيا وسورية لمعالجة الخلافات السورية التركية التي وصلت إلى حالة من العداء خلال السنوات العشر الماضية.
الرئيس التركي الذي أطلق على مدى العقد الماضي عبارات نارية ضد الرئيس بشار الأسد وأعلن رفضه القاطع الحديث معه، تحدث بإيجابية عن إمكانية عقد اللقاء الثلاثي، ونقل عن الرئيس “بوتين” أنه تلقى اقتراحه بإيجابية أيضاً.
ما يعطي التصريحات التركية الأخيرة دفعة قوية من الجدية أن نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف”، أعلن أن موسكو تنظر بإيجابية للغاية بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع بين قادة تركيا وسورية وروسيا، وقال: “نجري الآن اتصالاتنا مع الأصدقاء السوريين”.
ما الذي يمنع عقد مثل هذه القمة، إذاً؟ سؤال يطرح نفسه بجديّة طالما أن فكرة اللقاء تركية وهي تحظى بتأييد روسي وأنّ مثل هذا اللقاء لابد أن يهدف إلى حل الخلافات العميقة التي تشوب العلاقات بين البلدين والتي تراكمت على مدى سنوات الحرب التي تتعرض لها سورية.
تقول الرواية الرسمية السورية التي رددها سابقاً أكثر من مسؤول سوري، إن الرئيس “أردوغان” عمد خلال السنوات العشر الماضية إلى دعم الإرهابيين وتمويلهم وتسليحهم لتدمير الدولة السورية والسيطرة عليها، وهو دخل الحرب بشكل مباشر إلى جانب الإرهابيين عبر نشر نقاط احتلال لجيشه في ريف حلب الشمالي الغربي وفي محافظة إدلب وتحول إلى محتل للأرض السورية، وأن أي حديث تركي عن الحوار مع دمشق ينبغي أن يقترن بالأفعال، ومنها سحب قواته المحتلة من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الإرهابيين وحمايتهم.
فهل أنقرة جادة في الحوار مع دمشق لتسوية الخلافات الحادة التي تراكمت خلال السنوات العشر الأخيرة وتطبيع العلاقات بين البلدين؟ وهل يكون انسحاب القوات التركية من سورية قبل القمة أم نتيجة لها؟
تواتر الحديث التركي عن الحوار مع سورية ليس جديداً، بل بدأ في آب الماضي عندما أطلق “أردوغان” تصريحاً قال فيه أنه كان من الممكن عقد لقاء مع الرئيس الأسد لو أنه حضر إلى قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمدينة سمرقند في أوزبكستان.
وتكرر الحديث التركي عن إمكانية الحوار مع دمشق وأنه ليس لتركيا أية أطماع في سورية وأنها تحترم وحدة الأراضي السورية، وتحدثت بعد ذلك الكثير من وسائل الإعلام عن لقاءات أمنية جرت بين أجهزة استخبارات البلدين تمهيداً للحوار السياسي.
وأشار “أردوغان” في تصريحه الأخير إلى أن القمة ينبغي أن تبدأ أولا بعقد لقاءات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات ومن ثم لقاءات بين وزراء الدفاع ثم لقاءات بين وزراء الخارجية”، في دليل على عمق الخلافات وتشعبها ودراية بأن القمة لن تعقد قبل التوصل إلى تفاهمات جديّة حيال الخلافات الحادة بين البلدين.
وقابلت دمشق حتى اليوم التصريحات التركية والروسية الأخيرة حول لقاء القمة المرتقب بصمت تام، إذ لم تصدر أية تعقيبات رسمية حيال العرض التركي لارفضاً ولا قبولاً.
لكن هذا الصمت يوحي بأن دمشق تنتظر خطوات تركية جادة على الأرض أو ربما تنتظر ما ستؤول إليه نتائج الاجتماعات الأمنية حتى تبني على الشيء مقتضاه، وخصوصاً أنها تعرضت للطعن من النظام التركي بعد سنوات من العلاقات الطيبة بين البلدين.
إذ تعتقد سورية أنه لا يستقيم الحديث التركي عن الحوار في الوقت الذي تواصل فيه أنقرة قصف أراضيها واحتلال مناطق واسعة شمال وشمال غرب البلاد، وتحامي للإرهابيين وتستخدمهم ضد الجيش العربي السوري، فالحوار يحتاج إلى مقدمات منطقية تعكس حسن النوايا.
مما لا شك فيه أن الملفات الساخنة بين سورية وتركيا تحتاج إلى حوار على أعلى المستويات، بعدما انقطعت لمدة عشر سنوات بسبب الموقف العدائي الذي اتخذته أنقرة ضد دمشق ودخولها الحرب مع الإرهابيين ضد الجيش العربي السوري.
والنظام التركي يحتاج إلى تسوية العلاقات مع سورية قبيل الانتخابات الرئاسية التركية حيث يشكل هذا الملف نقطة استقطاب داخلية حادة، كما تحتاج سورية إلى تحييد الموقف التركي على الأقل من جبهة العدوان ضدها.
تستطيع أنقرة باختيارها نهجاً سياسياً مغايراً تجاه دمشق أن تحدث فرقاً في مسار الأحداث في سورية والبدء باستعادة سيطرة الجيش العربي السوري على مساحات تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، وتستطيع سورية بالمقابل إذا ما توافق الطرفان على ضمان أمن الحدود المشتركة، منع أي تهديد للأمن التركي انطلاقاً من الأراضي السورية، وهذه حقيقة تدركها أنقرة جيداً.
إن مثل هذا اللقاء إذا ما تحققت الخطوات اللازمة والضرورية لعقده سيكون بوابة لإنهاء الحالة الشاذة الموجودة في كل من إدلب والجزيرة السورية، حتى وإن كان لواشنطن رأي مخالف لأن من مصلحة سورية وروسيا وتركيا استعادة الدولة السورية سيطرتها على تلك المناطق وإعادة الأمن والاستقرار إليها وضبط فوضى السلاح وحكم الميليشيات فيها.
قد يساورنا الشك بأن “أردوغان” غير جاد في خطواته، وهذا حق مشروع لنا باعتبارنا لدغنا من الجحر التركي مرات ومرات، وينبغي ألاّ يخدعنا كلامه المعسول، لكن في السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، والسؤال اليوم متى تعقد القمة وليس هل ستعقد؟
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
اقرأ أيضاً: بعد اقتراح “أردوغان”.. موسكو ترحب بالفكرة وتجري اتصالات مع دمشق لعقد قمة ثلاثية