مقالات

الأسد المنتصر والأمير الشاب

الأسد المنتصر والأمير الشاب

 

لم يكن أكثر المتفائلين باقتراب نهاية النفق المظلم بين سورية والعرب، لم يكن يتوقع أن يتطور التغيير والتحول الذي بدأت معالمه مطلع العام الجاري بهذه القوة والسرعة، وخصوصاً مع التكتم السوري والهدوء السعودي حيال ما يتم التحضير له لإصلاح العلاقات الثنائية واستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية.

التحولات التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية وكانت السعودية في قلبها جاءت من النوع المفاجئ للجميع، بدءاً من المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية في العاشر من آذار 2023 وصولاً إلى الهدنة في اليمن وتبادل الأسرى، وانتهاء بالمصالحة السورية السعودية التي أدت بدورها إلى تمهيد الطريق لاستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية بقرار عربي بالإجماع.

كلمة السر السورية كانت أنها لم تغادر العروبة يوماً ولاهي فرطت بالعلاقات العربية وهي حريصة على إصلاح العلاقات الثنائية مع العواصم العربية.

وأن دمشق ترحّب بمن يعود راغباً بلا شروط واشتراطات وهي تتطلع للمستقبل وليس لديها أحقاد أو ضغائن، فمصير العرب ومستقبلهم واحد، وكل تحرك يعزز قوتهم ستكون سورية في قلبه وفي مقدمته.

اقرأ أيضاً: لليوم الثاني.. سورية حاضرة في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية وسط ترحيب عربي واسع

كلمة السر السورية تلقفتها السعودية التي يعمل أميرها الشاب محمد بن سلمان على نسج حلمه (رؤية السعودية 2030) بشجاعة وبراعة، فهو يخطط لتحويل المملكة خلال عقد من الزمن إلى قوة اقتصادية واستثمارية إقليمية ضخمة ووجهة سياحية منافسة.

السعودية تدرك جيداً أنه كي تتحقق رؤيتها تحتاج إلى مناخ من السلام والأمن والاستقرار، وإلى الشراكة مع الجوار وليس إلى الحـروب والقلاقل، فقد دفعت الرياض كلفاً باهظة جراء حربها في اليمن وجراء الحـروب الغربية على العراق وسورية والتوتر مع إيران.

انتهز الأمير الشاب الفرصة السانحة مع بدء التحولات الدولية وبدء الصـدام الروسي الأمريكي في أوكرانيا بداية عام 2021 لفك ارتباط بلاده التقليدي مع واشنطن، واتخذت الرياض خيارات شجاعة، فرفضت المشاركة في العقوبات الغربية – الأمريكية ضد موسكو وعقدت مصالحة مفاجئة مع إيران.

صدمت السعودية الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة باستعادة علاقاتها مع سورية وبقيادتها تحركاً عربياً شجاعاً لاستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية وحضور القمة العربية في جدة المقررة في التاسع عشر من الشهر الجاري، لكنها بالمقابل أثلجت صدور المتحمسين لرأب الصدع العربي وإعادة لم الشمل.

تعالت أصوات المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض رفضاً للقرار السعودي وتحرك نواب في الكونغرس لسن تشريعات عقابية ضد من يتعامل مع سورية، لكن ذلك لن يوقف قطار المصالحة العربية الذي تقوده السعودية بقوة دفع عربية وبقناعة أن مصلحة العرب تقتضي حل مشاكلهم بأنفسهم وصياغة مستقبلهم بأيديهم.

التحضيرات الكبيرة التي تجري بين دمشق والرياض لزيارة الرئيس بشار الأسد إلى المملكة توحي بأنها ستكون زيارة استثنائية وتاريخية في توقيتها ومضمونها.

سوف تتشابك يد الرئيس الأسد الذي صمد في وجه تحالف غربي وإقليمي على مدى 12 عاماً وانتصر، بيد الأمير الشجاع الذي اتخذ قرارات تتهيب الكثير من دول المنطقة اتخاذها، سواء كانت الزيارة للمشاركة في القمة العربية فقط أم كانت زيارة للمملكة تليها مشاركة في القمة العربية.

لن يضيع القائدان الوقت في نبش خصومات الماضي ومآسيها رغم مرارتها، بل سيضعان يداً بيد للمستقبل الذي تريده سورية آمنا لشعبها، وتريده الرياض حاضناً لمشروعها النهضوي الذي لن تكون دمشق بعيدة عنه سواء في مجال إعادة الإعمار والبناء أم في مجال المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تشكل نقطة جذب لكبريات الشركات السعودية.

في الأيام المقبلة ستكون مدينة جدة السعودية قبلة العرب من الخليج إلى الخليج وستكون سورية وعلى رأسها الرئيس الأسد نجم القمة وضيفها الكبير الذي سيشعل وجوده في المملكة حنق الحاقدين وحماس الفرحين بعودة الروح إلى خط الرياض دمشق الذي كان على مدى عقود خطاً للسلام والأمن وضامناً لمصلحة العرب.

سيكون على العرب في القمة أن ينهضوا لنجدة أشقائهم السوريين واتخاذ قرارات شجاعة تساعد سورية على استعادة قوتها الاقتصادية والسياسية، ففيها قوة للعرب وفيها ضمانة لثغورهم الشمالية والغربية، ومنها تشع الحضارة والصمود، وفي سورية اليوم مستقبل واعد للاستثمار والبناء وإعادة الإعمار في قطاعات حيوية ذات جدوى اقتصادية كبيرة تعود بالفائدة لشركات الاستثمار العربية وللسوريين أيضاً.

السوريون ينظرون بعين الأمل إلى التاسع عشر من أيار ليس كموعد لقمة عربية عادية، بل كموعد لإطلاق صافرة البداية في مشروع التعافي العربي ومشروع تعافي بلادهم اقتصادياً وسياسياً بدعمٍ من الأشقاء العرب ولاسيما من السعودية والإمارات ومن يرغب غيرهم.

السوريون اليوم ليس لديهم وقت للاحتفال بعودتهم للجامعة العربية التي كانت منذ عام 2011 مطية للدول الغربية لاستهداف بلدهم، لأن الوقت للعمل من أجل إعادة شرايين الحياة إلى الاقتصاد عبر تحديهم مع أشقائهم العرب الحصار الغربي الأمريكي المفروض عليهم وكسر هذا الحصار الإجرامي الذي يرقى إلى جرائم الحرب.

والعرب قادرون على فعلها كما فعلوها في كارثة الزلزال، وكما فعلوها باستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية، فالتحولات الدولية أثبتت أن للعرب دور وقرار، وهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم وحل مشاكلهم ورفض الإملاءات التي تحاول الدول الغربية فرضها عليهم.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى