تفخيخ الملفات، يضاعف احتمالات المواجهة
تفخيخ الملفات، يضاعف احتمالات المواجهة
باعتماد مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية القرار الأميركي – الغربي ضد إيران، ربما تكتمل محاولة إحكام حلقات الضغط على قوى المقاومة ودول محورها المناهض للسياسات الأميركية – الغربية المتصهينة، ذلك أن التسييس والتفخيخ الذي اعتمد بباقي الملفات المتعلقة بسورية، ولبنان، لا ينفصل عن سياق قرار الوكالة الدولية.
قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقل ما يقال فيه: أنه مسيس وغير احترافي، ويتناقض مع أكثر من ١٤ تقريراً لها أقرت جميعها بتعاون طهران مع المعايير المعتمدة، ومن الواضح أنه محاولة للضغط مكشوفة عارية تماماً، إذ أن الذريعة لاعتماده لا مكان لها في الملف من أصله، ذلك أن الادعاءات المتعلقة بتقصي آثار يورانيوم مزعومة في مواقع غير معلن عنها، إنما هي ادعاءات ساقطة كان ملفها قد أقفل قبل إبرام اتفاق ٢٠١٥ الذي انقلب عليه دونالد ترامب وانسحب منه.
إن توقيت اعتماد القرار يثير الشفقة ومدعاة للسخرية، وإن وضعه على نار حامية لإنضاجه واعتماده بسرعة على هذا النحو، والمباشرة قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، إنما ينطوي على أهداف مفضوحة تأتي في إطار تحسين شعبية جو بايدن.
وإن زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى “إسرائيل المارقة المتمردة على الوكالة الدولية” وعقد اجتماعات وقحة مبرمجة لا تلفها الشبهات فقط مع رئيس حكومتها نفتالي بينيت، إنما تضع ألف إشارة استفهام وتعجب حول وقاحة الأداء والاستخفاف بالمنظمة وأعضائها، بجعلها علنا أداة تستخدم لممارسة الضغط السياسي على إيران، كما على بقية الأعضاء فيها.
إن الترحيب الإسرائيلي المباشر بالقرار يؤكد أنه أتى إستجابة لطلب إسرائيلي أميركي غربي، وان الدعوة التي أتت على لسان بينيت لنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، إنما هو الأمر الذي يستكمل الفضيحة، ويسقط آخر ورقة ما كانت تستر عورة الوكالة الدولية التي كشفت عملية التصويت حجم الضغوط التي مورست على أعضاء المنظمة لتمرير القرار الذي ينسف البقية الباقية من مصداقية لم تتمتع بها.
تفخيخ الملف النووي الايراني باعتماد مثل هذا القرار الذي يقضي على كل أمل بإحياء اتفاق ٢٠١٥ عبر مفاوضات فيينا، ذلك بالتزامن مع ما سبقه من توظيف لأنقرة لجهة إعادة التلويح بإقامة ما سمي بـ “المنطقة الآمنة” على الحدود السورية – التركية، ومع محاولة تفجير المتوسط قبالة رأس الناقورة اللبنانية على خلفية التنقيب عن الغاز والنزاع بمسألة ترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة، هل هو من المصادفات البريئة، أم أنه قد رتب له بعناية؟.
إن اتصال الملفات السابقة ببعضها إذا كان لا يخفى على متابع ولا يحتاج للقرائن التي تجعل ارتباطها أكثر وضوحاً، فإن انفصالها عن مجريات الحرب في أوكرانيا لا يبدو واقعياً، خصوصاً مع اشتداد أزمة الأطلسي – روسيا، ومع وضوح موقف موسكو الرافض لـ “المنطقة الآمنة”، وكذلك الرافض لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والداعم للسيادة اللبنانية.
تصويت موسكو وبكين ضد القرار الأميركي الغربي في الوكالة الدولية يعكس إرادتهما الراسخة، وجانبا من الصراع الدولي، ويؤكد ارتباط هذه الملفات ببعضها، فضلاً عن أن نمو العلاقات الروسية – الإيرانية، والصينية – الإيرانية، إنما يمثل ترجمة عملية لجوانب أخرى من شأنها أن تبلور المواقف من مجمل القضايا التي لا تنأى عن المنطقة.
التعزيزات العسكرية السورية – الروسية في الشمال والشمال الشرقي التي أتت كرد سريع ومباشر لمواجهة مخططات استهداف وحدة سورية. الدوريات الجوية المشتركة السورية – الروسية في الشمال والجنوب كتطور لافت وعامل مؤثر، لا شك أنها رسائل مهمة تترجم أيضاً الموقف الروسي من محاولات التفخيخ والتفجير، وبالتأكيد ليس هدفها الاستعراض إنما الردع المبني على تقديرات استراتيجية قد تفهمها واشنطن، ولا خيار أمامها إلا أن تفهمها لتنكفئ وتتراجع أو لترتدع هي وأدواتها.
بإمكان الولايات المتحدة وبقية الشركاء الذين تقطرهم خلفها في مغامراتها، أن تفجر، أو أن تفخخ المزيد من الملفات التي تعتقد أنها ما زالت تمسك بها، ذلك لإشغال خصومها وللتغلب على مخاوفها أو للهروب منها بمحاولة كسب الوقت وخلط الأوراق والمشاغبة والعبث لتحصيل نقاط إضافية تعزز جبهاتها، غير أنها مدعوة اليوم لإعادة الحسابات لا سيما لجهة التكاليف المنظورة وغير المنظورة، السياسية منها والمادية، ومطالبة بالتواضع عندما تتحدث عن فائض القوة الذي تتوهم امتلاكه، ذلك في ظل التضخم والتحولات القائمة، وفي ظل الانكشاف الاستراتيجي الحاصل لها ولأوروبا الذي يتعمق بمنعكساته المتعددة المرشحة للتفاقم.
إن إرتكاب أي حماقة تركية في سورية، أو إسرائيلية باتجاه لبنان، أو باتجاه إيران، ستضاعف احتمالات المواجهة، وستسرعها، وهي المواجهة التي لن تبقى في حدود تقديرات مفجريها المأزومين، بل إن أي حماقة من هذا المستوى ستجعلها مواجهة حتمية، معها ستكون كل الخيارات مفتوحة على مواجهة شاملة لا على ردود تتناسب أو تتخطى بقليل حجم التهديد أو الاعتداء.
علي نصر الله