بعد الحرب والعقوبات والوباء والزلزال.. من يسمع أنين السوريين ويبلسم أوجاعهم؟
بعد الحرب والعقوبات والوباء والزلزال.. من يسمع أنين السوريين ويبلسم أوجاعهم؟
إذا ما توقفنا لبرهة وفكّرنا في هول ما جرى ولا يزال يجري في بلادنا منذ أكثر من عقد من الزمن، نجد المآسي قد أحاطت بنا من كل حدب، فلا الإرهاب ولا السماء ولا حتى الأرض، جميعهم لم يرأفوا بحالنا، حتى تحوّل كلّ يوم في حياتنا لعمر بأكمله لكثرة الأحمال التي ناءت بظهورنا.
وإذا ما عدنا بشريط الذاكرة قليلا نجد أن الفيلم ملئ بالآلام، التي كانت عناوينها موت وفراق أحبة، فقر وحاجة، مرض ووباء، لتأتي الحرب على لقمة عيشنا، وتقصم الظهور، بعد أن تحولنا لحقول تجارب بين وزارة تلو الأخرى.
ولطالما عرفت سورية ببلد الخير الوفير، لكن سرعان ما حولتها العشر سنين الفائتة لبلد يترنحه الفقر، ويلف الجوع بطون أطفاله، وبالتأكيد كل ما سبق كان له حصة ليست بالقليلة فيما وصلنا إليه ولاسيما الحصار الاقتصادي الجائر، ولكن اليد الطولى فيما آلت إليه أحوالنا حملها “الراعين لعيشنا”، دون استثناء والذين أطلقوا يد التجار ليحكموا خناقهم على رؤوسنا، حتى بات راتبنا أشبه بالقروش، واللافت أن تلك القروش ليست كتلك التي عهدتها سورية والتي كنا نشتري فيها الكثير، بل قروش اليوم بلا قيمة وتحولت في جيوبنا لهمّ لم نعد نلقى حلولا أمامه.
فإذا ما توقفنا عند الراتب السوري اليوم، وفي استعراض لما يمكن أن نأكل فيه طول الشهر، نجد أنه الواقع يرثى له، فكيلو الفروج حسب تسعيرة حماية المستهلك 23 ألف ليرة، وطبعا هي تسعيرة ورقية فقط، حيث تجاوز 25 ألف ليرة لدى أصحاب المحال، بما معناه أنه إذا أرادت الأسرة أن تغذّي أبناءها بفروج واحد خلال الشهر فسيكلف 50 ألف ليرة سورية كأدنى حدّ.
فيما تجاوز سعر كيرة هبرة الخروف 84 ألف ليرة، وكيلو اللبن 4000 ليرة، ومثله كيلو الحليب، أما الأرز فتجاوز 12 ألف ليرة لبعض الأنواع، والبرغل 10 آلاف ليرة، والسكر 7000 ليرة، والبصل “المدعوم” والذي آخر ما كنا نتوقعه أن تتحول سورية “أرض الخير” لبلد يستورد البصل يوزع على المواطنين فتاتاً، حيث يكلف الكيلو منه 6000 ليرة “تسعيرة التموين”، فيما يباع بالأسواق بـ 12 ألف ليرة.
كلّ ذلك ولم نتحدث عن الخبز، فالأسرة المؤلفة من خمسة أشخاص والذين بالتأكيد لا يكفيهم الخبز المدعوم، يضطرون لشرائه بالسعر الحر وبما يتجاوز 2000 ليرة للربطة الواحدة!!وهذا كله لم نتحدث عن إيجارات المنازل والتي لا تقل عن 300 ألف ليرة لأصغر منزل.
فماذا يفعل راتبنا أمام هذا “الهول” كلّه، والذي جاء الزلزال ليغلق المتنفس الأخير، ويزيد الأسعار نارا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا فعلت الحكومة أمام كل تلك الكوارث التي تنهش بنا؟!.
ففي استعراض بسيط ولن نتوقف عند ما مضى طيلة سنين الحرب، وسنكتفي بما تم منذ بداية العام الجاري، وبينما زادت الأسعار خلال الشهرين الماضيين بنسبة لا تقل عن 60 %، نجد أن الحكومة زادت سعر البنزين مرتين، وزادت سعر المازوت الصناعي، والتي كانت وبالاً أكبر على الأسعار.
وبينما تتواصل استغاثات الناس نجد أنها تجتمع كل أسبوع لتلقي توجيهاتها بخفض الأسعار وتحدّثنا عن نيتها زيادة الحوافز، واللافت أنه وبعد كل توجيه لضبط السوق، تأتي وزارة التجارة لتباغتنا “بإنجازاتها”.
وتصدر نشرات أسعار نافست الأسواق في هولها داعية وبإصرار لتفعيل ثقافة الشكوى!، أما الشيء الأهم أمام كل ذلك كان “زيادة الرواتب”، والتي لاحظنا أنه كان ولا يزال خارج حسابات الحكومة! دون أن نعرف سبب كلّ هذه التجاهل لكارثتنا المعيشية التي خوّرت بطون أطفالنا، ووسط تساؤلات ملّحة عن سبب هذا الصمت عما يجري لنا؟ أما السؤال الأكبر، إلى متى سيبقى الوضع على حاله؟ وهل سنكون أمام فواجع أكبر في قادم الأيام؟!.
مهما تحدثنا لن نستطيع وصف حجم الوجع الذي نعيشه، والذي لم يعد فقط يرثى له، بل يندى له الجبين، فكيف وصل الحال بالمواطن السوري، ومن يستطيع أن يخلصه من وجع السنين العشر الأخيرة، وهل من مغيث يخفف الآلام ويسكت الأنين؟.
ختاما نقول، أن كل ما نتمناه كما كل مرة أن تلقى أصواتنا آذانا صاغية وأن ينظر فيها بعيون واسعة لأن التجاهل بات ينذر بمآسي لا رجعة عنها وجوع سيفتك العظام أكثر وأكثر، وهو الآمر الذي دقت ناقوسه المنظمات الأممية، فهل ستحدث “ثورة” تنشلنا من الفقر المدقع أم ستكون الهاوية وحدها التي أمامنا؟.
اقرأ أيضاً: “غليان الأسعار” يطغى على كارثة الزلزال ويفاقم معاناة السوريين المعيشية