خدميمجتمعمحلي

النساء تشكل النسبة الأكبر فيها.. الحرب تغيّر “خارطة العمل” في سورية

النساء تشكل النسبة الأكبر فيها.. الحرب تغيّر “خارطة العمل” في سورية

 

استطاعت الحرب التي عاشتها البلاد، طيلة العقد الماضي، أن تغير خارطة العمل، في سورية، حتى باتت النساء تشكل النسبة الأكبر، وباتت المرأة العاملة لوحدها قوّة اقتصادية لإعالة نفسها وأسرها، بعد أن كانت “الكثيرات منهنّ” ربّما تميل إلى البقاء في منزلها وتكريس وقتها لأطفالها وحياتها، قبل الحرب التي تعرضت لها البلاد.

وتروي إحدى السيدات (لديها ثلاثة أبناء أكبرهم بعمر 14عاماً)، أنه “وبعد عودتها من وظيفتها الصباحية تستلم عملها في محل لبيع النظارات الطبية من الرابعة عصراً وحتى الحادية عشرة ليلاً، مشيرةً إلى أن الظروف المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار دفعاها للبحث عن عمل آخر خاصة، لتأمين مصاريف أولادها الكثيرة.

وتقول سيّدة أخرى، إنها “تعود من المشفى الذي تعمل به صباحاً لتستلم عيادة طبيب من الساعة الخامسة عصراً وحتى التاسعة والنصف ليلاً، واصفة عملها بالمرهق جداً، مشيرة إلى أنها مضطرة لأن تعمل دواماً آخر لأن دخلها من المشفى بالكاد يكفيها لمدة أسبوع”.

وأشارت سيّدة ثالثة وفق ما نقلت صحيفة “تشرين” الرسمية، إلى أنها وبعد وظيفتها تعمل في إحدى المحلات، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من السيدات يعملن أكثر من عمل في سبيل تحسين مدخولهم والتغلب على هذا الغلاء؛ كما بينت أن أولادها في الجامعة وكل واحد بحاجة إلى ٢٠ ألف يومياً، وهذا ما يرهق ميزانية الأسرة ويضطرها للعمل أكثر من دوام.

اقرأ أيضاً: “فوق الموتة عصة قبر”.. ازدياد حالات سرقة مضخات المياه في حمص تزيد من معاناة السكان

إلى ذلك، أشارت اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة “غالية أسعيد”، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد النساء العاملات في مختلف القطاعات، ويأتي ذلك عقب حصول المرأة على المؤهلات الأكاديمية التي خولتها لاقتحام نشاطات عملية مختلفة في قطاعات متباينة.

مشيرة إلى أن ظروف المعيشة وغلاء الأسعار هو ما يدفع السيدات إلى العمل الإضافي للتغلب على مصاعب الحياة.

وحول آثار الضغوط النفسية وتأثير ساعات العمل الطويلة على المرأة، أوضحت الدكتورة “أسعيد”، أن المرأة التي تقضي ساعات طويلة في العمل تشعر بالإرهاق والتعب والخمول.

مشيرة إلى أن النساء اللواتي يعملن أكثر من 40 ساعة في الأسبوع يكنّ عرضة لخطر الإصابة بأمراض تهدد حياتهن، مثل خطر الإصابة بالسرطان والسكري والتهاب المفاصل وبعض الاضطرابات النفسية كالوسواس القهري والاكتئاب.

وبينت الباحثة الاجتماعية “أسمهان زهيرة”، أن نظرة المجتمع تختلف تجاه عمل المرأة الثاني، فهناك من يعدّه ضرورة ملحة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، لتحسين دخل الأسرة، ومنهم من يعدّه غير مشروع وخاصة بخروجها وعودتها بأوقات متأخرة من العمل.

وأشارت الباحثة زهيرة لـ “تشرين”، إلى أن العمل الثاني ساهم في تقليل فرص العمل للرجال المسؤولين عن عائلات أو الشباب الذين يحتاجون لبناء أسرة وتكوين عائلات، والبعض منهم يرى أن عمل المرأة هو رعاية الزوج والأبناء فقط وعلى الزوج رعايتها وتوفير كل متطلباتها ما يحمله عبئاً إضافياً.

وقالت “زهيرة” على الرغم من أهمية العمل من حيث الحصول على دخل أكبر للأسرة ويساعد المرأة على تنمية مواهبها وتطوير شخصيتها ومهاراتها الاجتماعية وتحقيق أهدافها ونقل خبراتها في العمل إلى أبنائها وتعلمهم الاستقلال، إلّا أن العمل بدوام إضافي للمرأة ساهم في عدم تواجدها بشكل دائم مع أطفالها وأفراد أسرتها ما يسبب خللاً في توازن الأسرة وتأثر سلوك ونفسية الأطفال وزيادة الضغوطات عليها بسبب كثرة المهام داخل وخارج المنزل وعدم حصولها على الراحة الكافية كما تصبح عرضة أكثر للمشاكل الصحية.

من جهته، لفت الخبير الاقتصادي “فاخر القربي”، إلى أن مشاركة المرأة في ميدان العمل ما قبل 2010، كانت بنسبة قليلة ولم تكن هناك إحصاءات دقيقة بغض النظر عن أعمالها المنزلية والتنموية والاقتصادية بشكل عام، إلّا أن الحرب على سورية والواقع الاقتصادي أفسح المجال أمام المرأة لتكريس طاقاتها في ميدان العمل الإنتاجي على كافة الصعد وكانت إلى جانب الرجل في كافة الميادين حتى في ميدان دحر الإرهاب والاستشهاد دفاعاً عن الوطن.

وبيّن “القربي”، أن المرأة تلعب دوراً هاماً في تحقيق التوازن وتأمين إمكانات العيش لأسرتها من خلال انقضاء معظم وقتها خارج المنزل في سبيل الحصول على أقل متطلبات الحياة.

وأضاف الخبير الاقتصادي، هذا يضعنا أمام مسؤولية مجتمعية وأمانة وطنية تتجلى وتتبلور من خلال العمل على برامج التمكين الاقتصادي للمرأة؛ والتفكير بتوسيع المشاريع الإنتاجية للنساء بشكل لا يحملهن أعباء منزلية وعملية؛ إضافة لعملهن كمربيات كي لا تزيد عزلتهن الاجتماعية نتيجة العمل لساعات متواصلة ما يبعدهن عن محيطهن الاجتماعي.

كما دعا “القربي”، إلى تقديم كل المعونة والمشورة للنساء من أجل تمكينهن من تحقيق الأدوات الاقتصادية بشكل متوازن ما بين العمل الإنتاجي والأسري، وكذلك إعطاؤهن المجال من أجل ترجمة أفكارهن والنظر إليهن على أنهن شريكات في كل عملية تنمية مستدامة وعدم الاقتصار على النظر إليهن على أنهن بلا عمل.

وبحسب “القربي”، من الضروري تعزيز دور وزارة الشؤون الاجتماعية والمنظمات المعنية في رعاية المرأة وتدريبها للانخراط في سوق العمل بطريقة هيكلية بدلاً من استغلالها في الأعمال بطريقة عشوائية.

وأمام الظروف الاقتصادية القاهرة التي نعيشها جميعا، تساوت المرأة الأم والطبيبة والمعلمة والمهندسة والسائقة والنادلة مع الرجل، حيث دخلا سويّاً في معركة يومية ورغم استجماع كل قواهم لقهرها غير أنها تواصل هزيمتهم أمام خراب الأسواق الذي حلّ.

كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى