الربط الكهربائي بين سورية والعراق يعود إلى الواجهة مجدداً.. ما إمكانية تحققه خلال المرحلة الراهنة؟
في ظل استمرار تراجع واقع الطاقة في سورية وتدهوره، وفي ظل المحادثات الأخيرة بين سورية والعراق لتعزيز التعاون في هذا المجال، عادت إلى الواجهة قضية الربط الكهربائي بين البلدين، والذي بدأ الحديث عنه منذ أكثر من عقد من الزمن.
وبحسب المعلومات، جاء مشروع الربط الكهربائي بين سورية والعراق، خلال العقود الماضية كجزء من مشروع ربط كهربائي عربي كبير، يسمى مشروع الربط الثُماني، والذي كان يخطط لمشاركة دول (سورية، والعراق، ولبنان، والأردن، ومصر، والضفة الغربية)، إضافة إلى تركيا.
وذكرت المعلومات، أن المشروع شهد ولادة فعلية مع بدايات عام 2011، عندما قال وزير الكهرباء السوري آنذاك، “حمد قصي كيالي” إن عملية ضخ الكهرباء الى العراق شارفت على الانتهاء حيث يبدأ خلال أسابيع قليلة ضخ الطاقة الكهربائية في مشروع دول الربط الكهربائي العربي عبر سورية الى العراق للمرة الأولى.
وأضاف “كيالي” حينها، أنّ الانتهاء مما تبقى من أعمال ربط للشبكات المنجزة باتجاه الحدود السورية – العراقية سيصبح جاهزاً نهاية شهر شباط 2011، لكن العمل بالمشروع، توقف نتيجة لظروف الأزمة في البلاد.
ووفق المعلومات، ففي أواخر تشرين الثاني 2017، وقعت كل من “سورية والعراق وإيران” على اتفاقية الربط الكهربائي للاستفادة من الموارد الصناعية والبشرية للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار في سورية، وبعد شهر تقريباً، زار دمشق وزير الكهرباء العراقي “قاسم الفهداوي”، والتقى حينها وزير الكهرباء الأسبق “محمد زهير خربوطلي”، وجرت بينهما مباحثات مطوّلة حول مشاريع الربط الكهربائي بين البلدين، وتمحورت المحادثات حول مسألة تبادل الطاقة الكهربائية بين المنظومتين العراقية والسورية خلال فترات الحاجة إلى الكهرباء.
وذكرت المعلومات، أن الدافع الأساسي الذي جمع البلدان، هو المعادلة المشتركة التي ترى فيها العراق وسورية مكاسب مشتركة، وهو ما يمكن تسميته “المعادلة الكهربائية السورية العراقية”، والتي تقول، هناك فائض من الطاقة الكهربائية لدى المنظومة العراقية في أشهر اعتدال درجات الحرارة “الربيع والخريف” في العراق وانخفاض الطلب على الكهرباء، فيمكن نقل هذا الفائض إلى المنظومة السورية.
في المقابل هناك فائض في الطاقة الكهربائية في المنظومة السورية في أشهر “الشتاء والصيف” بالإمكان نقل الفائض منها إلى المنظومة العراقية لسد جزء من الحاجة في أشهر حمل الذروة في العراق.
اقرأ أيضاً: سورية والعراق تبحثان التعاون في مجال الكهرباء.. بغداد: سنزوّد دمشق بالطاقة عند “توافر فائض لدينا”
وأضافت المعلومات، جرت لاحقاً مباحثات أخرى للمسألة ذاتها؛ لكن لم يحدث أيّ شيء فعلي على الأرض نتيجة الظروف السياسية والأمنية في منطقة الجزيرة السورية، ثم عادت دمشق مجدداً خلال الأيام القليلة الماضية إلى إعادة الحديث عن المشروع، بحسب ما صرّح به السفير السوري في بغداد “صطام الدندح”، على خلفية لقائه بوزير الكهرباء العراقي “زياد علي فاضل”، لاستكمال اتفاقية الربط الكهربائي بين البلدين في منطقة “البوكمال- القائم”.
وقالت المعلومات، ما صرّح به السفير “الدندح” هو حدث هام، وهذا يعني أن هناك دفعاً رسمياً لإعادة إحياء هذا المسار، ولكن بالتأكيد تحقيق ذلك هو أمر هام ومكسب للاقتصاد السوري، لكن يتطلب توافر مقومات محلية أي شبكة كهربائية سليمة وبيئة فنية ممكنة لإقلاع المشروع.
وبين معاون وزير الكهرباء الأسبق “نضال قرموشة”، لموقع “أثر برس” المحلي، أنّ هناك نوعين من الربط الكهربائي فيما يتعلق بهذه المسألة، الأول هو الربط المتزامن، والثاني هو الحقن الكهربائي، مؤكداً أنّ المفيد اليوم في سورية هو الربط المتزامن، وهذا يعني ارتباط شبكتي البلدين معاً كشبكة واحدة، ويدور التيار الكهربائي فيهما معاً.
وأضاف “قرموشة” إن سلبيات هذا النوع من الربط هو أنه أي مشكلة قد تحصل في الشبكة السورية أو أيّة أحمال متزايدة ستؤثر حتماً على الطرف الآخر أي الشبكة العراقية.
وأوضح أن الربط الكهربائي غير مفيد حالياً لأن الشبكتين غير مريحتين، فسورية عندما كانت تريد الربط مع الأوروبيين كان هناك طلب أن يكون الربط على تيار مستمر (DC) للتخلص من المشكلات والاهتزازات الموجودة في الشبكة المحلية وكي لا تنتقل تلك المشكلات إلى الطرف الآخر الذي تم الربط معه.
وقال “قرموشة” وبالتالي، وفي ظل الظروف الحالية لا يوجد طرف يمكن أن يربط كهربائياً مع سورية لأنه فنياً غير ممكن في هذه المرحلة، مضيفاً، بالنسبة للعراق، هي نفسها تعاني من مشكلات داخلية أيضاً والربط معها غير ممكن قطعياً.
وأضاف، يرى البعض أنّ المكاسب التي ربما تحققها سورية من الربط مع العراق أبعد من العراق نفسه، وبالتالي سيشكل المشروع حلقة ربط مع إيران، كون الأخيرة ترتبط والعراق بشبكات كهربائية وأنابيب غاز منذ عقود، وأنها من الدول الحليفة للدولة السورية ومن أهم الأطراف التي دعمت قطاع الطاقة في سورية خلال الحرب.
وقال “قرموشة”، إذا كانت إيران تريد تصدير كهرباء لسورية على شبكة متزامنة من خلال شبكة العراق، سيؤدي ذلك إلى ضياع كل الكهرباء المتجهة لسورية في العراق نفسه، وهذا لن يكون مفيداً بالنسبة إلى سورية، نتيجة الطلب المتزايد محلياً في السوق العراقية أيضاً، وبالتالي؛ الحل الأفضل للاستفادة من إيران في هذه الحالة هو “الحقن الكهربائي”، أي يتم الربط عبر إنشاء خط كهربائي واحد مستقل عن الشبكة العراقية، يربط الشبكة الكهربائية الإيرانية عبر العراق، إلى مركز حمل التيار في الشبكة الكهربائية السورية.
وحول احتمالية الربط إقليمياً وضخ كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية بالشبكة السورية من إحدى دول الجوار، قال “قرموشة”، لتحقيق الاستقرار في التغذية الكهربائية وبالتالي التقليل من مشاكل القطع محلياً، فإن هذه المسألة مستبعدة وغير ممكنة، لأن إدخال كميات كبيرة من الطاقة إلى الشبكة دون وجود احتياطي يعني حدوث استهلاك كبير من الصعب منعه، وبالتالي يتوجب على البلاد دفع قيمة هذه الكهرباء التي ستكون بحكم المستوردة، والوضع حالياً لا يساعد على دفع (12- 15 سنت) لكل كيلو واط من الخارج.
وأشار إلى أن الربط الكهربائي يحتاج فعلياً إلى تطوير المنظومة الكهربائية، وهذا في هذه المرحلة يحتاج إلى تعاون مشترك بين القطاعين العام والخاص.
وأشار “قرموشة” إلى وجود عوامل أخرى تقف عائقاً أمام مسألة الربط الكهربائي والتي تحتاج إلى وجود بيئة مستقرة آمنة، مضيفاً، في ظل الظروف العامة في منطقة الربط مع العراق التي تشهد حالة عدم استقرار لا يوجد ضمانات للحد من تعرض الشبكة الكهربائية لأية اعتداءات في ظل انتشار المجموعات المسلحة في البادية وخاصة تنظيم “داعش”.
يذكر أن إنتاجية الكهرباء في سورية سجّلت هذا العام تراجعاً كبيراً وهو الأول من نوعه على مدار العقود الثلاثة الماضية، أي منذ عام 1993 تقريباً، حيث انخفض إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد في عام 2023 إلى “12.900 مليار كيلو واط ساعي”، وذلك بنسبة 29 % مقارنة بإنتاج العام 2022 والبالغ حينها “18.216 مليار كيلو واط ساعي”، وتراجع بنسبة 74 % مقارنة بإنتاج عام 2011، وبات يلامس إنتاج عام 1993.
وكان وزير الكهرباء العراقي “زياد علي فاضل”، والسفير السوري في بغداد “صطام جدعان الدندح”، بحثا قبل أيام، تنفيذ مشاريع مشتركة لتعزيز القدرة الكهربائية.
وقال سفير سورية في بغداد “صطام جدعان الدندح”، إنه بحث مع الوزير العراقي “زياد علي فاضل”، استكمال اتفاقية الربط الكهربائي بين البلدين في منطقة البوكمال- القائم.
وأشار “الدندح”، إلى أن الوزير العراقي، سيقوم بعد رأس السنة بزيارة إلى سورية مع وفد فني لمناقشة عملية الربط وتجهيز مسارها الممتد بين البوكمال السورية والقائم العراقية.
ولفت إلى أن عملية الربط تتم تحديداً في منطقة التيّم في سورية ومنطقة القائم في العراق، موضحاً أن الخبراء والفنيين سيقومون بإعداد الدراسة لعملية الربط مستقبلاً، موضحا أن العراق في حال توافر لديه فائض من الكهرباء لن يتوانى في إسعاف سورية التي تعاني من أزمة في توافرها.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع