بيع بعضها بأرقام فلكية.. ماذا تعرف عن موسم صيد الصقور في الجزيرة السورية؟
بيع بعضها بأرقام فلكية.. ماذا تعرف عن موسم صيد الصقور في الجزيرة السورية؟
مع دخول شهر كانون الأول وسيطرة الأجواء الشتوية بشكل فعلي وانخفاض درجات الحرارة، ينهي صيادو منطقة الجزيرة السورية رحلة صيد طيور الصقر التي امتدت طيلة الأشهر الثلاثة السابقة، مستفيدين من مسار تنقل الطيور ضمن مناطقهم وهي ترتحل من الجزء الشمالي من الكرة الأرضية إلى الجزء الجنوبي لتعاود الرجوع إلى موطنها في الشمال مع حلول الربيع القادم.
وأوضح الصياد “أبو إلياس” من أهالي منطقة تل حميس بريف المدينة القامشلي الشرقي، الذي حالفه الحظ خلال الموسم الحالي باصطياد أحد هذه الطيور، أن محافظة الحسكة تعد منطقة عبور لهذا الطيور التي تمر بأراضيها خاصة البادية المحاذية للحدود العراقية والممتدة من ريف منطقة تويمين مروراً بالهول وتل حميس، ومن ثم مناطق اليعربية والمالكية متجنبة المرور بالمدن والمناطق المسكونة قدر الإمكان.
ولفت “أبو الياس” لـ كليك نيوز إلى أن طيور الصقور تعبر مناطقنا عبر رحلتين واحدة في فصل الربيع وتنتقل فيها من مناطق الجنوب إلى شمال الكرة الأرضية، والثانية في فصل الخريف وتطير من الشمال إلى الجنوب بحثاً عن الأجواء الدافئة والغذاء وفرصة التكاثر، حيث يستغل صيادو الطيور هذه الفرصة للإمساك بها وبيعها إن كانت ذات مواصفات جيدة ومحددة بأسعار عالية جداً.
وأشار “أبو إلياس” إلى أن رحلة الصيد تتطلب عملاً جماعياً ومعدات ومستلزمات خاصة بها للتنقل والتخييم الذي قد يمتد لأيام في مناطق عادة ما تمر بها هذه الطيور، فهي رحلة تضمن متعة التنقل في البراري والهرب من ضغوط الحياة في المدن والتجمعات البشرية، وفي الوقت ذاته تحقيق المنفعة المادية إن حالف الصيادون الحظ، مشيراً إلى أنه استطاع اصطياد طائر “كوسيه” وهو نوع من أنواع الصقور، إلا أنه كان صغير الحجم والعمر ولم يبع بسعر مرتفع.
وعن طقوس الصيد والتحضيرات له، أوضح “أبو إلياس” أن “للصيد فوائد كثيرة أهمها تحقيق المتعة وتعلّم الصبر والتعامل مع الحياة البرية البسيطة بعيداً عن تعقيدات الحياة، إضافة للجائزة الثمينة التي قد يحوزها من يستطيع إمساك أحد الطيور”.
مبيناً أن عملية الصيد تبدأ بتحديد مكان يعرفه الصيادون ذوو الخبرة ممن مارسوا الهواية لعدة سنوات، حيث يعلمون أهم الطرق والمناطق التي تمر عبرها الطيور الجارحة ومنها الصقور، فيتم نصب الخيمة ومراقبة السماء بالمنظار كون الطير الحر يحلق أثناء النهار بارتفاعات عالية قد لا ترى بالعين المجردة، وغالباً ما ينخفض تحليقه ويحط على مكان عال إما شجرة، وإما برج توتر كهربائي ليستريح وينام.
وتابع “أبو إلياس” حديثه بمتعة وفرح ظهرتا بشكل جليّ على مُحياه وفي عيني “تبدأ المرحلة الثانية عندما يتم تحديد موقع الطير الذي نام به، ليتم تحضير الأفخاخ والطيور التي يتغذى عليها كالحمام أو الفري، ومن ثم ينتشر الصيادون في محيط مكان طير الحر، ويقومون بالاختباء في الفترة التي تسبق الفجر بساعة ومع انبثاق الضوء خلال لحظات الفجر الأولى يطير الطائر الذي يكون قد نال منه الجوع طوال الليل باحثاً عن فريسة يصطادها، عندها يلقي له الصيادة الطعم الذي يخفي تحته الشبكة فينقض الطير عليه فتعلق مخالبه به ويحاول الطيران بها بعيداً، إلا أن ثقل الطريدة لا يسمح له بالابتعاد، ليحط على الأرض ويسارع الصياد ذو الخبرة لإمساكه وعدم إخافته أو تكسير ريشه أثناء عملية الالتقاط.
وأكد “أبو إلياس” المفعم بالحيوية والنشاط، أن من لم يحالفه الحظ ويمسك طيراً حراً فهو يعيش تجربة الحياة البرية من خلال التنقل في البراري نهاراً، والتعرف على تضاريس الأمكنة وصيد بعض أنواع أخرى من الحيوانات التي تنتشر في المنطقة كالأرانب والحجل والقطا والإوز البري، وتجميع بعض النباتات التي تنمو في الفترة الحالية كالفطر البري وغيرها، ليتم طبخها على نار الحطب وشرب الشاي اللذيذ عندما يحط الليل، ويبدأ التسامر مع الأصدقاء حول الرحلات السابقة، تحت سماء مليئة بنجوم لا يعكر جمالية رؤيتها أضواء المدن.
من جهته، الصياد “أبو مهيدي” من أهالي حي العزيزية بمدينة الحسكة أوضح أنه يصطحب أصدقاءه في رحلة تخييم في المنطقة الممتدة ما بين الهول والشدادي، حيث البرية واسعة والسماء مفتوحة، وغالباً ما تمر بها طيور الصقور، ويحرص على توفير الطعوم الخاصة بعملية صيدها من طيور الحمام والقطا والفري، وبعض أنواع الباشق، وبعد عملية رصد للطير يرسلونها إليه لينقض عليها ويعلق في شباك الفخ المربوط بالطعم.
وأشار “أبو مهيدي” لـ كليك نيوز إلى أن أنواع طيور الصقور ومواصفاتها عديدة ولكن أغلاها ثمناً وأكثرها طلباً هو الطير الحر، يليه الشاهين، ومن ثم الكوسيه، أما المواصفات، فيجب أن يكون بعمر تام أي ليس بفرخ صغير العمر أو هرم كبير.
يضاف إلى ذلك، الحالة العامة للطير وهيئته البدينة، إضافة إلى مقاسات طوله من طرف ريش ذيله حتى أعلى رأسه ومقاس دائري حول صدره وكل ما قصرت المقاسات انخفض سعر الطير، يضاف إلى ذلك اللون، فكلما كثر اللون الأبيض في ريش الطير كان أغلى ثمناً، وهناك الطير الحر الذي يميل لونه إلى السواد فهو كذلك مرتفع الثمن.
اقرأ أيضاً: رغم الصعوبات.. المشافي الجامعية تستقبل أكثر من مليوني مريض منذ بداية العام
أما أسعار مبيعها، فأوضح “أبو مهيدي” أن السعر مرتبط بالنوع والحجم واللون، حيث تنظم مزادات خاصة ببيعه وغالباً ما يحضرها تجار من أهالي منطقة الجزيرة السورية والبادية والمحافظات السورية، ويتم شراء الطيور ذات المواصفات الجيدة وإيصالها إلى شمال العراق، ومنها إلى دول الخليج، لتباع مجدداً بمزادات خاصة بهم وبأرقام مضاعفة عشرات المرات عن سعرها الذي بيعت فيه في منطقتنا.
يذكر أنه وخلال موسم الصيد الذي انتهى مؤخراً، سجل أعلى سعر مبيع لطير حر في المنطقة الشرقية وكان في ريف الرقة، حيث بيع بمبلغ 400 مليون ليرة سورية، وفي ريف القامشلي تم بيع طير بمبلغ 250 مليون ليرة سورية، إلا أن ليس كل الطيور استطاعت تحقيق هذا الأرقام القياسية فبعضها ينخفض سعره لما دون 20 مليون ليرة سورية، إلا أن السعر الوسطي للطير الجيد يقارب 100 مليون ليرة سورية، بحسب الصياد “أبو مهيدي”.
الحسكة – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع