معركة الوعي.. طوفان الأقصى نموذجاً
معركة الوعي.. طوفان الأقصى نموذجاً
روايتان تتصارعان اليوم على تخوم قطاع غزة، رواية الإعلام المقاوم الذي يبارك إنجاز المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى ويبشر بها كمقدمة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق بفضل إرادة المقاومة وقدرتها التي فاجأت العدو وأذلّت جيشه (الذي لا يقهر) وجعلت مستوطنيه يحزمون حقائبهم إلى أقرب مطار.
ورواية الإعلام المعادي والمطبّع الذي يبالغ في تصوير حجم الكارثة التي حلّت بغزة بعد طوفان الأقصى ويعمل لتحميل المقاومة المسؤولية عن الدمار والقتل الجماعي وحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال وتبرئة العدو من المسؤولية، وكأن الشعب الفلسطيني كان يعيش في نعيم وأفسدته المقاومة بمعركة طوفان الأقصى!
هناك من العرب والغرب من تألم لانكسار هيبة “إسرائيل” وتمريغ وجهها ووجه جيشها بالتراب، ويريد أن يعمل عبر الإعلام ونشر الرواية المضادة للتقليل من قوة المقاومة وإقناع العالم أن معركة طوفان الأقصى هي عبارة عن مغامرة لن تغير مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ولن تكون نتائجها غير الدمار للشعب الفلسطيني!
يحاول هؤلاء التقليل أيضاً من دور دول محور المقاومة في الإنجاز الذي تحقق، والترويج بأن المحور ترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة الجلاد الإسرائيلي، وأن حزب الله وسورية وإيران لم ولن يتدخلوا في الحرب للتخفيف عن الفلسطينيين في غزة.
أصحاب الرواية الصهيونية هذه يحاولون إخفاء حقيقة أن كل ما فعلته المقاومة، وإن كان بإرادة ودماء المقاومين الفلسطينيين الأبطال، ما كان ليحصل لولا الدعم العسكري والتقني الذي يقدمه محور المقاومة في سورية وإيران وحزب الله للمقاومة الفلسطينية.
عمليات حزب الله ضد المحتل الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة وفي الجليل الأعلى من فلسطين المحتلة منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى، بحسب هؤلاء، لا ترقى إلى فتح جبهة جديدة ضد الكيان المحتل ولا تكفي للتخفيف عن جبهة غزة، بل هي حسب “الكتبة” عند الناطق باسم جيش الاحتلال “لتسجيل موقف وتبرئة الذمة” فقط.
ولو فعل حزب الله وصعّد الحرب ضد الكيان الاحتلالي سيتهمونه بالعمالة لإيران ومحاولة تدمير لبنان كما يفعلون مع المقاومة الفلسطينية اليوم.
خلال العقدين الماضيين تناسى العالم القضية الفلسطينية، فرواية الإعلام الغربي وبعض العربي عمدت إلى تصوير القضية الفلسطينية بأنها في طريق السلام وأن ما يعوقها فقط التوسع في الاستيطان، وأن ما يجري في فلسطين هجوم من الفلسطينيين ورد من الإسرائيليين الذين يدافعون عن أنفسهم، في محاولة لتزييف الوعي الجمعي فيما يخص فلسطين وإدخال القضية في عالم النسيان.
اقرأ أيضاً: الحرب على غزة.. حرب على العرب
لكن الفلسطينيين الذين يكتوون بنار الاحتلال يومياً ويواجهون القتل والاعتقال والإرهاب الإسرائيلي، لا يمكن أن ينسوا حقوقهم المشروعة أو يتراجعوا عن المطالبة بحقهم في أرضهم التاريخية ودولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
الرواية الحقيقية اليوم، أن “إسرائيل” غرقت في طوفان الأقصى ويبدو أن الخروج من طين هذا الطوفان غير ممكن بعد اليوم، والدليل حرب التصريحات والاتهامات الداخلية بين قادة الاحتلال حول المسؤولية عن الإخفاق الكبير والصفعة المدوية التي أصابت الكيان في مقتل، وكذلك طوفان الهجرة المعاكسة من الكيان إلى الدول الغربية والتي تجاوزت خلال أسبوعين مئات الآلاف بحسب المصادر الإسرائيلية.
وما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المشافي وارتكاب المجازر بحق المرضى والأطفال في غزة، سوى محاولة لقلب الرواية وكتابة الرواية الإسرائيلية التي لن تستطيع استعادة الشعور بالأمن والأمان لملايين المستوطنين الذين عاشوا رواية الحرب الحقيقية وذاقوا طعم الذل والهزيمة.
فالرواية التي كتبتها المقاومة بدماء الشهداء جعلت بعض الأقلام الإسرائيلية تؤكد أن المسار الذي تنتهجه حكومة الاحتلال وبعض الدول العربية والغربية حيال القضية الفلسطينية هو السبب الحقيقي لما حدث في السابع من تشرين الأول، فلا يعقل أن تضع نحو 2.5 مليون فلسطيني في طنجرة ضغط ولا تتوقع الانفجار في لحظة ما، بحسب تعبيرهم!!
لكن بعض الإعلام العربي لا يريد أن يرى انتصار المقاومة في غزة لأن هذا الانتصار يعرّي حكامهم ويفضح تقاعسهم عن القيام بواجباتهم تجاه القضية الفلسطينية، ويريد تحت شعار أنه ليس بالإمكان محاربة “إسرائيل” المدججة بالسلاح وبالدعم الأمريكي، أن يروّج لرواية، كل هذه الحروب عبثية تدميرية بالوكالة عن إيران، وأنّ التطبيع يجلب السلام والرفاه للشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة!
بعض منافذ الإعلام العربية التي تروج الرواية الإسرائيلية تريد إحباط الناس وتكريس الخنوع واليأس، وتحت عنوان الواقعية يريد كتبة التطبيع والتمييع أن يستكين الشعب الفلسطيني للمحتل الجلاد، ومن أجل حقن الدماء ودرء مخاطر الحرب والدمار، على الشعب الفلسطيني أن يصمت ويقبل بالفتات والصدقات الدولية والعربية، فالحرب في حساباتهم المهزومة محسومة لصالح العدو، لذلك على المقاومة ألاّ تحارب لأن لا فائدة ترتجى منها، وأن هذه المعارك هدفها تدمير الأوطان وليس تحريرها من المحتل.
رواية هؤلاء يحاول المحتل أن يؤكدها من خلال ارتكاب أبشع أنواع جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بهدف مسح العار والذل الذي لحق بجيشه، وطمس جذوة النصر وفرحة الانتصار التي أطلقتها معركة طوفان الأقصى تحت ركام الأبنية، وإعادة إرضاخ الروح العربية وكسرها.
نقول لهؤلاء الذين يشتمون المقاومة من بعض العواصم المطبّعة، لقد أبدعتم في الذل والهوان وليس المطلوب منكم سوى الصمت في زمن المواقف والاختباء في زمن الرجال، لقد أفنيتم عمركم في خدمة المحتل والمستعمر قولاً وفعلاً، وأفنى المقاومون حياتهم في الدفاع عن حقوقهم وعن أرضهم وعرضهم بالدماء الغالية، ولن يكون لروايتكم صدى سوى في كهوف عقولكم المغلقة على الارتزاق والبيع والاستسلام.
سيسجل التاريخ في رواية فلسطين أن كل من يلتزم الصمت حيال حرب الإبادة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال هو شريك في تلك الجرائم، وأن كل دولة قادرة على وقف الجريمة ولا تفعل هي شريك فيها، فكيف إذا كانت تمنع وقف هذه الجريمة كما تفعل واشنطن؟!
الرواية اليوم يكتبها الشعب الفلسطيني بالدم والنار، ولا مجال لأقلام المستكتبين عند أصحاب “اتفاقيات ابراهام” وأوسلو وكامب ديفيد أن تغيّرها مهما أوتيت من مالٍ ودولارات، لأننا في زمن طوفان الأقصى وزمن الشهداء على طريق القدس.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع