مقالات

الأمم المتحدة تناشد.. السوريون يتألمون

الأمم المتحدة تناشد.. السوريون يتألمون

 

بعد أثني عشر عاماً من الحرب على سورية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وبالرغم من هدوء صخب المعارك على الجبهات منذ أكثر من عامين، يعيش السوريون هذه الأيام أقسى أوضاعهم المعيشية مع انهيار قدرتهم الشرائية جراء ارتفاع أسعار الصرف والمواد الأساسية وتكاليف الإنتاج، عشرات الأضعاف عما كانت عليه قبل سنوات.

السوريون كانوا يعوّلون ويأملون أن يؤدي الانفتاح العربي على سورية منذ بداية العام واستعادة دمشق علاقاتها الطبيعية مع معظم الدول العربية وكذلك عودتها إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، إلى تحقيق انفراج في الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وبالتالي تحسين أوضاعهم المعيشية.

إلاّ أن هذه الأحلام اصطدمت وتصطدم كل يوم بارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد والسلع الأساسية والخدمات سواء تلك التي ينتجها القطاع الخاص أم تلك التي تقدمها المؤسسات الحكومية التي تضاعفت أسعارها عشرات المرات، مع بقاء رواتب العاملين في القطاع الحكومي على حالها وتراجع قيمتها لحدود 15 دولار بالشهر بعدما كانت تعادل نحو 44 دولاراً في آب عام 2021.

لم يكن ينقص السوريين سوى الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غرب البلاد في شباط الماضي لتزداد معاناتهم، ولولا جسور الإغاثة العربية ومن الدول الصديقة لكان الحال أصعب بكثير على المتضررين من الزلزال وعلى السوريين جميعاً الذين أصبحوا متضررين من الحرب والزلزال.

اقرأ أيضاً: اللاجئون ليسوا أصل المشكلة

فقد قدرت الأمم المتحدة أن كارثة الزلزال تسببت بخسائر وأضرار تصل قيمتها لنحو 9 مليارات دولار وأن احتياجات التعافي من الكارثة خلال فترة السنوات الثلاث المقبلة تقدر بنحو 14.8 مليار دولار”، بحسب ما أعلنت “غادة مضوي”، نائب مدير قسم العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) خلال اجتماع مجلس الأمن قبل أيام قليلة (30 أيار الماضي).

المسؤولة الأممية وجهت من على منبر مجلس الأمن الدولي مناشدة ونداء عاجلاً إلى المجتمع الدولي لتقديم المساعدات للشعب السوري الذي يعاني من مصاعب اقتصادية ومعيشية بلغت حداً لا يطاق مع تحول “نحو 70% من السوريين (15.3 مليون شخص) إلى محتاجين للمساعدات” وفق أرقام المنظمة الدولية.

وأعلنت “مضوي”، أنه لأول مرة في تاريخ الأزمة السورية يعاني السوريون في جميع المناطق من مصاعب إنسانية مع “حوالي 12 مليون سوري ( أكثر من 50 في المائة من السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي في الوقت الحالي، فيما يوجد 2.9 مليون آخرين معرضين لخطر الانزلاق إلى الجوع.”

لكن المسؤولة الأممية أكدت أنها لم تحصل على تمويل سوى 10% من احتياجات خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 المقدرة بـ 5.4 مليار دولار لمساعدة 14.2 مليون شخص في جميع أنحاء سورية.

حتى اليوم لا يبدو أن آمال السوريين بتحسن الأوضاع الاقتصادية قابلة للتحقق، فليس هناك أية معطيات حقيقية عن ترجمة الانفتاح السياسي العربي إلى تعاون اقتصادي يمكن أن يكون له أثراً إيجابياً على الوضع الاقتصادي في البلاد، خصوصاً في ظل استمرار سيف العقوبات الأمريكية مُسلّطاً في وجه كل من يرغب في الاستثمار أو التعاون الاقتصادي مع سورية.

والأخطر من ذلك المعلومات المتداولة عن تكثيف واشنطن محاولاتها لتعطيل الانفتاح العربي، من خلال تعزيز وجودها الاحتلالي في منطقة التنف والجزيرة السورية وتشكيل تنظيمات إرهابية جديدة وتدريبها لشن هجمات ضد الدولة السورية والاستمرار في سرقة مواردها النفطية والغازية.

داخلياً ليس هناك من مؤشرات تفيد بخطوات حكومية ملموسة لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان في ظل استمرار الحكومة برفع أسعار المواد والخدمات تحت ضغط التكاليف، وتجاهلها القدرة الشرائية للمواطن وخصوصاً موظفي القطاع العام.

فقبل كل زيادة على الرواتب يتم رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء والغاز وغيرها من السلع والخدمات لتحصيل الكتلة المالية المطلوبة الأمر الذي يضاعف الأسعار ويفقد أي زيادة للرواتب قيمتها.

فهل تستطيع الأمم المتحدة التي ترصد الأوضاع الاقتصادية المتردية في سورية أن تجمّد أو ترفع سلاح الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة والدول الغربية على سورية للسماح للدول الراغبة في المشاركة في مشاريع التعافي المبكر التي وافق مجلس الأمن الدولي عليها؟

وهل تسمع الدول العربية هذه الأرقام المخيفة وتبادر إلى تجاوز مخاوف سيف العقوبات، والعمل تحت بند المساعدات الإنسانية من خلال التعاون الثنائي لرفع الظلم الذي وقع على الشعب السوري منذ 12 عاماً وما يزال مستمراً بقسوة؟

أم أن آمال السوريين محكوم عليها أن تبقى مصلوبة على جدران الحصار التي فرضها “قانون قيصر” الإجرامي، الذي تعلم جميع دول العالم أنه يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة؟

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى