هل تفوز روسيا في الحرب الاقتصادية؟
هل تفوز روسيا في الحرب الاقتصادية؟
بالرغم من التباهي الأمريكي بحجم وتأثير العقوبات الأمريكية – الغربية على روسيا، فإن جدران الحصار الغربي ضد موسكو بدأت تتشقق قبل أن يكتمل بناؤها، وبدأ الحديث عن التفاف أوروبا على العقوبات لتفادي تداعياتها على شعوب القارة.
فبعد اجتماع لمجلس الاتحاد الأوروبي 11 نيسان الجاري في لوكسمبورغ أعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” أن الدول الأوروبية. التي تعتمد على الغاز والنفط الروسي يصعب عليها التخلي عنهما وأن وقف استيرادهما لن يوقف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ما يوحي بشكل واضح أن أوروبا ذاهبة باتجاه المضي في الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية التي تشكل مورداً هاماً للاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الغربية.
ألمانيا، أكبر اقتصاديات أوروبا وأكثرها اعتماداً على الغاز الروسي الذي يشكل نحو 45% من واردات الغاز الأوروبية، أعلنت عدم قدرتها على تطبيق العقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي. فيما أكدت هنغاريا استعدادها لشراء الغاز من موسكو بالعملة الروسية (الروبل)، وفي فرنسا كشف النائب في الجمعية الوطنية “بيير واتين” أن ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية جراء العقوبات على روسيا دفع المنتجين الأوروبيين للأسمدة إلى تخفيض الإنتاج. ما يعني أن قطاع الزراعة مقبل على تداعيات كارثية بسبب نقص الأسمدة.
تعتقد واشنطن ومعها بريطانيا أن مفتاح تشديد الضغط الاقتصادي على روسيا بيد ألمانيا أكبر مستورد للغاز والنفط الروسي، لكن مفتاح الضغط هذا ذو اتجاهين يتحركان بالتوازي. مزيد من الضغط على موسكو تعني مزيداً من الضغط على الاقتصاد الألماني نفسه. إذ تشير تقارير اقتصادية صادرة حديثاً عن المعاهد الألمانية. أن أكبر اقتصاديات الدول الأوروبية بدأ يعاني من ضغوط وتداعيات الحرب الاقتصادية على روسيا، وأنه في حال أوقفت ألمانيا واردات الغاز الروسي سيؤدي. ذلك إلى تراجع النمو لديها إلى 1.9 % وانكماش اقتصادي بنسبة 2.2 % وخسائر تقدر بنحو 238 مليار دولار في عامي 2022 و2023.
في هذه الحرب الشرسة يبدو الاقتصاد الروسي صامداً حتى الآن، ورغم العقوبات القاسية التي فرضها الغرب الاستعماري على قطاعات حيوية تتعلق بالطاقة والنقل البحري والجوي. استعاد الروبل عافيته وارتفع أمام اليورو والدولار إلى الحدود التي كان عندها قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 24 شباط 2022.
لكن العديد من الدول الغربية تراهن أنه مع مرور الوقت سوف تبدأ العقوبات تفعل فعلها في تدمير الاقتصاد الروسي وانهياره. لاسيما مع التحرك الغربي لإطالة أمد الحرب واستنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية الروسية. والتي هي بلا شك مكلفة لأي دولة في العالم مهما كان اقتصادها قوياً. ويتوقع البيت الأبيض الأمريكي بحسب تقديراته أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة تصل إلى 15% هذا العام.
هذا في الأمنيات، لكن صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية كان لها رأي آخر. فقد رصدت الصحيفة تضاعف واردات موسكو من الغاز بثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي مشيرة إلى أنه لأول مرة تتجاوز عائدات موسكو من الغاز 10 مليارات دولار ومن النفط أيضاً 10 مليارات دولار في شهر واحد. في حين وصلت مستويات التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1981 حيث ارتفعت أسعار الوقود بما يزيد عن 18% بعد بدء العملية العسكرية الروسية.
يبدو أن تقديرات واشنطن لا تسير وفق ما تشتهي، فقد كشفت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية أن أوروبا نفسها وجدت مخرجاً لحرجها مع واشنطن فيما يخص فرض العقوبات على روسيا. وبدأت تتملص منها عبر قنوات خلفية تسمح لها بضمان استمرار استجرار النفط الروسي من غير إغضاب واشنطن عبر “تحويله إلى نفط غير روسي”. كيف؟ تقول الوكالة الأمريكية. أن شركة “شل” النفطية العملاقة تقوم بمزج النفط الروسي بنفط آخر غير روسي ليصبح مزيجاً فيه 49% نفط روسي فقط. وعندها يصبح أسم النفط “مزيج لاتفيا” وبهذه الطريقة يتم الالتفاف على العقوبات والاستمرار بتوريد النفط الروسي إلى الدول الأوروبية. كما توقعت الوكالة أن ترتفع واردات الصين من الفحم الروسي هذا العالم بنسبة 30% لتصل إلى 71 مليون طن معوضة بذلك بعض الأسواق التي خسرتها في أوروبا.
سياسة الأبواب الخلفية لاستمرار تدفق النفط الروسي إلى أوروبا، هي حاجة أوروبية بلا شك. ولكنها في نفس الوقت تقوّض العقوبات الأمريكية على موسكو، لذلك يمكن الاستنتاج أن روسيا لا تزال الحلقة الأقوى في الحرب الاقتصادية. ويبدو أن هذا المسار سيتواصل خصوصاً أن موسكو لديها طيف واسع من الموارد، وكذلك أسواق أسيوية واعدة.
عبد الرحيم أحمد