من يقدم المعلومات للمسؤول؟
من يقدم المعلومات للمسؤول؟
السادة مسؤولينا الأكارم.. من يقدم لكم المعلومات التي تدلون بها في تصريحاتكم وبياناتكم وتوضيحاتكم؟ من يدققها ويتأكد من محتواها ومدى مطابقتها أو مقاربتها للواقع؟ هل يكفي أن نصدر بيانات وتصريحات محشوة بأرقام ومعلومات مغلوطة تناقض تصريحات سابقة لمسؤول أو وزير سابق فقط لتبرير تقصير هنا وعجز هناك؟
صناعة البيانات والمعلومات والأرقام الرسمية مسؤولية حكومية، وكل وزارة مسؤولة عن المعلومات والأرقام التي تنشرها للإعلام والرأي العام، ومن هنا يتوجب عليها أن تتوخى الدقة ليس فقط في نشر الأرقام والبيانات والمعلومات وفي تصريحات المسؤولين، وإنما في المعلومات التي تقدمها لصاحب القرار ليبنى عليها قرارات واستراتجيات عمل.
لكن هل هذا ما يحصل فعلاً؟ مناسبة السؤال والكلام هو التوضيح الذي قدمته وزارة الصناعة عن وضع معامل الشركة العامة للأسمدة بحمص، بعدما علت أصوات الفلاحين من عدم توفر السماد وارتفاع أسعاره في حين تملك الدولة 3 معامل تم توقيع عقد التشاركية مع شركة صديقة لتطوير المعامل وزيادة طاقتها الإنتاجية منذ عام ،2019 ولكنها لم تقدم المأمول منها مع استمرار ارتفاع أسعار الأسمدة وتحكم التجار بمصير الزراعة في وقت نحن في أشد الحاجة لزيادة الإنتاج الزراعي.
لقد وقعت وزارة الصناعة في مطب الأرقام والتواريخ وقدمت توضيحاً أقل ما يقال فيه أنه يفتقر للمعلومات الدقيقة ويناقض البيانات والمعلومات التي قدمتها الشركة العامة للأسمدة عن عملها خلال السنوات الماضية، وبالتالي يؤكد أن صناعة البيانات والأرقام في وزاراتنا تخضع لمزاجيات من يقوم بإعدادها بهدف تبرير تقصير هنا أو فشل هناك.
فقد قالت وزارة الصناعة في بيانها التوضيحي حرفياً في بند رقم (2) “المعمل يعود تاريخ إنشائه لسبعينيات القرن الماضي وبعد توقف كامل خلال الأعوام من 2013-2017 تعرض لأضرار كبيرة في الآلات وخطوط الإنتاج وأصبحت الجدوى الاقتصادية من تشغيله في هكذا ظروف معدومة إضافةً لعدم توفر السيولة المالية لإعادة تأهيله.”
في حين أن المعامل الثلاث كانت تعمل وتنتج حتى منتصف عام 2015 على الأقل، وإن كان على فترات بحسب تصريحات مدير شركة الأسمدة لوكالة سانا الرسمية، وهذا تصريح مدير عام شركة الأسمدة بحمص المهندس “بشار عكاري” بتاريخ 24 حزيران 2015 “الشركة أنتجت 63.08 ألف طن من مختلف أنواع الأسمدة منذ مطلع العام الجاري ولغاية أيار الماضي منها 30.550 ألف طن سماد فوسفاتي و29.365 ألف طن سماد يوريا و3165 طنا سماد كالنترو”.
إذاً فالمعامل الثلاثة لم تكن متوقفة بشكل كامل بين عامي 2013 و2017 كما جاء في توضيح وزارة الصناعة قبل أيام، بل إن الشركة بمعاملها الثلاثة كانت تعمل وتنتج واقترحت في الشهر السادس 2015 إبرام عقود لتصدير 50 ألف طن من السماد الفوسفاتي بحسب مديرها آنذاك بهدف” التخفيف من المخازين وتفريغ المستودعات لعدم قدرة المصارف الزراعية على استجرار كل الكميات التي تنتجها المعامل التابعة للشركة ولضمان استمرار العمل الإنتاجي”.
ليس هذا فحسب بل إن وزير النفط السابق علي غانم دشن في الشهر السابع من عام 2017 (قبل توقيع عقد الشراكة مع الشركة الصديقة بعامين بحسب بيان وزارة الصناعة) عملية إقلاع العمل في معمل الأمونيا يوريا لإنتاج 260 ألف طن سنوياً من الأسمدة وهو نفس المستوى الذي كان عليه الإنتاج عام 2010 والكلام لوزير النفط بحسب ما نقلت عنه وكالة سانا.
اقرأ أيضاً: الجزيرة السورية والخيارات الوطنية
وفي الأول من شهر كانون الأول 2017 أقلع معمل السماد السوبر فوسفاتي بعد توقف دام أكثر من عامين بطاقة إنتاجية 350 طناً يومياً بحضور وزيري الزراعة أحمد القادري والصناعة المهندس أحمد الحمو آنذاك، الذي أكد “أهمية إنتاج هذا النوع من السماد خلال هذه الفترة من العام والتي تتزامن مع بدء الموسم الزراعي وحاجة الزراعات بكل أنواعها لهذا النوع من السماد مؤكداً أن الخط الثاني من المعمل سيقلع خلال الشهر القادم.”
وبحسب مدير الشركة العامة للأسمدة بحمص آنذاك المهندس طراف مرعي فإن “معامل الشركة الثلاثة تعمل حالياً وتتم عملية الشحن إلى المصرف الزراعي يومياً.”
ما يعني أن الوضع الفني للمعامل ليس بالسوء الذي تحدث عنه توضيح وزارة الصناعة عندما قالت “وبعد توقف كامل خلال الأعوام من 2013-2017 تعرض لأضرار كبيرة في الآلات وخطوط الإنتاج وأصبحت الجدوى الاقتصادية من تشغيله في هكذا ظروف معدومة” وأن عرض هذه المبالغات في الأضرار يناقض الواقع وربما يهدف إلى إخفاء العجز والتقصير ليس إلا.
ما عرضناه هنا لا يعني أبداً أن المعامل لم تتعرض للأضرار بين عامي 2013 و2017 ولكنها لم تتوقف كاملاً خلال هذه الأعوام كما ورد في توضيح وزارة الصناعة لأن مدير عام شركة الأسمدة بشار عكاري صرح في الشهر السابع من عام 2015 لوكالة سانا أن “جميع خطوط الإنتاج في حالة فنية جيدة وجاهزة للعمل والإنتاج والإقلاع في حال توفر المواد الأولية اللازمة للتصنيع” وأن التوقف ربما حصل بعد منتصف عام 2015 ولغاية منتصف عام 2017.
تبريرات توقف المعامل الثلاثة حالياً بعدم توفر الغاز اللازم قد تكون واقعية في ظل احتياجات البلاد من الغاز لمحطات توليد الطاقة التي هي الأخرى في أدنى مستوياتها رغم إدخال العديد من آبار الغاز الجديدة في الخدمة على مدى السنوات الخمس الماضية، لكنها غير مبررة في ظل احتياجات القطاع الزراعي للسماد وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم والحصار الذي تتعرض له سورية.
ربما كان من الأجدى لوزارة الصناعة ومعها الجهات المعنية في الحكومة البحث عن حلول لتوريد الغاز اللازم لمعامل إنتاج الأسمدة بدل البحث عن مبررات توقف المعامل والوقوع في فخ المعلومات غير الدقيقة.
لذلك نقول لمسؤولينا الأكارم.. لا تصدقوا كل ما يقدمه لكم صانعوا البيانات من وراء مكاتبهم، دققوا وقاطعوا بين المعلومات والبيانات وبين الواقع.
لا تصدقوا أن المواطن سيقتنع ببيانات لمجرد أنكم اقتنعتم بها، لا تعولوا على مسألة ضعف ذاكرة المواطن، فالمسألة تتعلق بمسؤولية صناعة البيانات وإدارة المعلومات التي تشكل القاعدة الأساس لاتخاذ القرار الصحيح.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع