ماذا ينتظر العالم من أطفال فلسطين
ماذا ينتظر العالم من أطفال فلسطين
من يقرأ رواية “الشوك والقرنفل” للقيادي في حركة حماس “يحيى السنوار” يعلم أي مستقبل سيكون عليه أطفال غزة الذين أبادت آلة القتل الإسرائيلية عائلاتهم، أو قتلت أشقائهم وأهلهم أو رفاق مدرستهم وحيهم، فأطفال فلسطين كتب عليهم أن يكونوا رجالاً قبل أوانهم وشهداء منذ ولادتهم.
يتساءل المرء عن سبب حقد الاحتلال الإسرائيلي على أطفال فلسطين واستهدافهم بشكل ممنهج ضارباً بعرض الحائط كل القوانين الدولية؟ فالإحصاءات الأخيرة لضحايا وشهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 76 يوماً، أسفرت عن أكثر من 20 ألف شهيد، تظهر أن ما نسبته 70 بالمائة من الشهداء هم من الأطفال والنساء!
لا شك أن العدو الإسرائيلي يدرك بمنطق الخائف المتوجس، أن أطفال فلسطين اليوم هم رجال المستقبل، هم وقود المقاومة الذي لا ينضب ولا يخضع لحصار ولا يموت أو يشيخ، طالما نساء فلسطين تنجبن وطالما في فلسطين رجال ونساء، ومن هذه الحقيقة يتصرف الكيان المهزوز ضد أطفال فلسطين ويحاربهم كأنهم رجال.. وهم في الحقيقة رجال.
اقرأ أيضاً: وحدة الساحات من وحدة القضية
الاحتلال يعلم أنه مع اشتداد عود أطفال فلسطين يترهل هيكل الكيان المصطنع ويهتز، ومع ازدياد عدد أبناء فلسطين تتراجع حظوظ مخطط التهجير والترانسفير للشعب الفلسطيني خارج أرضه. لذلك تراه يرتكب المجازر بدون سبب ويستخدم قوته التدميرية في حرب إبادة ضد الفلسطينيين أطفالاً ونساءً متوهماً أنه بذلك يبعد عنه شبح الانهيار الذي ينام على جمره ويصحو على كابوسه.
هذا هو جوهر الصراع مع العدو الذي يحتل الأرض، وهذا هو واقع أبناء الشعب الفلسطيني وأطفاله.. يعلمون أنهم لن يسلموا من بطش الاحتلال بأي حال، فلا “أوسلو” ولا “وادي عربة” ولا “كامب ديفيد” حمت طفلاً فلسطينياً، ولا قرارات مجلس الأمن استطاعت أن تحمي طفلاً فلسطينياً في حضن أمه، فكيف يطلب الغرب الاستعماري من هذا الشعب ألاّ يقاوم؟
هل تساءل العالم أي ذاكرة يحملها أطفال فلسطين منذ سبعة عقود ونيف؟.. من يعيش منهم في الضفة الغربية أو في قطاع غزة؟ ألم يسأل العالم من أين أتى “يحيى السنوار” وغيره من قادة المقاومة ورجالها؟
كيف يتصور العالم أهالي وعائلات المعتقلين الأطفال والنساء والرجال في سجون الاحتلال مدى الحياة، كيف هي حياتهم.. ما هي تفاصيلها.. كيف ينظرون للمستقبل.. أي مستقبل؟
اقرأ أيضاً: ما بين الحرب والمناخ
أطفال غزة كما نساؤها ورجالها وشيوخها يبحثون عن حياة كريمة لا تخضع لمشيئة المحتل الإسرائيلي، حياة كباقي شعوب الأرض وكباقي أطفال العالم ونسائه، فيها من الكفاح اليومي والتحدي والانجاز.
هم لا يبحثون عن الفرح على أنقاض بيوتهم كما يصورهم بعض الإعلام، بل يبحثون عن حياة حقيقية في بيوت آمنة ليست عرضه للقصف بصواريخ الاحتلال في أي لحظة بسبب أو بدون سبب.
في أحد تصريحاتها قالت والدة الطفلة (آنذاك) “عهد التميمي” يوم اعتقلت ابنتها قبل سنوات وهي طفلة لمواجهتها جنود الاحتلال، “قدر الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال.. إن بقينا في بيوتنا فربما نموت حرقاً كعائلة دوابشة، وإن خرج طفلي للمسجد قد يموت حرقاً كمحمد أبو خضير، لماذا لا نخرج ونقاوم الاحتلال إذن؟”
هل كان البطل “عدي التميمي” الذي نفذ عمليته على حاجز شعفاط يعيش حياة هانئة مثله مثل بقية الشباب في أي دولة من دول العالم؟ ما الذي دفعه لتنفيذ عمليته الفدائية سوى إيمانه المطلق بأن الاحتلال لن يترك طفلاً فلسطينياً يعيش كما يعيش أطفال العالم.. لولا علمه أن لا مستقبل لأي فلسطيني على أرض فلسطين بدون تحرير الأرض، وأنه لا تحرير للأرض إلا من فوهة بندقية.
اقرأ أيضاً: كل الحروب تؤدي إلى دمشق
لا تلوموا أيها المتيمون بالغرب الاستعماري وباللهو بفنادق الرخاء في الواحات الخضراء.. لا تلوموا أطفال فلسطين إن أصبحوا رجالاً قبل أوانهم وشهداء مع ولادتهم، لا تلومونهم.. فهموهم غير همومكم وآلامهم صعبة على أحاسيسكم ومشاعركم المتحجرة.. صدق الشاعر الفلسطيني “إبراهيم طوقان” عندما قال في إحدى قصائده.. لا تلوموه قد رأى.. منْهجَ الحقِّ مُظلما.. وبلاداً أحبَّها… ركنُها قد تهدًّما.. وخصوماً ببغْيِهمْ.. ضجَّت الأَرضُ والسما.
منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية بينت في تقرير لها قبل أيام أن صفقة التبادل التي جرت بين حماس وسلطات الاحتلال الإسرائيلي بين 24 و30 تشرين الثاني الماضي، كشفت قيام سلطات الاحتلال باعتقال الأطفال والنساء الفلسطينيين بشكل ممنهج، ورصدت المنظمة قيام سلطات الاحتلال باعتقال أكثر من 10 ألاف طفل فلسطيني خلال العقدين الماضيين لمجرد رشقهم قوات الاحتلال بالحجارة.
لماذا لا يقاوم أطفال فلسطين ونسائها ورجالها الاحتلال إذاً؟ لماذا لا يقاومون وهم يعلمون أن أي واحد منهم قد يخرج من منزله ولا يعود إلاّ شهيداً، أو قد يدفن تحت أنقاض منزله أو في بهو مشفى أو مخيم للأونروا، لا لسبب سوى كونه فلسطينياً … فالفلسطيني قد يعتقل أو يقتل قنصاً أو بأي طريقة تطرب لها بنادق الاحتلال، فلما لا يقاوم وهو يعلم أن الموت قادم إليه بطلقة أو صاروخ من المحتل الإسرائيلي؟
أطفال فلسطين يجسدهم (“يوسف” أبو شعر كيرلي وأبيضاني وحلو)، الذي عرفناه من رواية والدته، هم “يوسف” وإن تعددت أسماؤهم وتنوعت ملامحهم، شهداء قبل أن يشتد عودهم، أطفال يخشاهم الاحتلال وهم على مقاعد الدراسة، وهم يقفون حفاة أمام دباباته، ويخشاهم وهم يقاومون جنوده بصدورهم العارية، فكيف عندما يكبرون ويصبحون رجالاً يحفرون نفقاً بملعقة الطعام، ويدكون قواعد العدو العسكرية بطيران شراعي وينسفون دباباته بقنبلة من مسافة صفر؟
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع