مؤونة حمص.. ورشات عائلية صغيرة تحيي تقاليد متوارثة عبر أجيال
فصل الصيف ليس للراحة والرحلات فحسب، بل هو أيضاً للعمل الجاد وتأمين مؤونة الشتاء التي ستخفف من حدة برده ومحدودية أصنافه عليهم، فابتداءً من شهري تموز وآب ولغاية منتصف أيلول، هذه الأشهر الثلاثة المعروفة لكل العائلات الحمصية كموسم لتجهيز المؤونة، والانتهاء منها قبل فصل الشتاء.
كما تشتهر البيوت الحمصية بكمية المؤونة المخزنة فيها للشتاء، والتي عرف بينها الشنكليش، المكدوس، دبس البندورة، البرغل، الكشك وغيرهم.
أصناف شعبية
أكلة شعبية قديمة غنية بالفوائد، تقدم في الشتاء كوجبة رئيسية تعرف بالكشك، تحدثنا ربة المنزل “ندى عيسى” من قرية السنديانة عن طريقة تحضيرها فتقول: “يحضر اللبن الحامض ويوضع فيه ورق شجرة البطم لتزيد حموضته وإعطائه رائحة ذكية ثم تضاف كمية البرغل الناعم بمقدار نصف كمية اللبن مع إضافة الملح الصخري وتحريكه جيداً، يغطى بشكل جيد ويُخمَّر لمدة يومين، ومن ثم يقطع إلى قطع صغيرة حسب الرغبة، وتوضع تحت أشعة الشمس الحارة مع التقليب من وقت لآخر حتى يجف تماماً، ثم يحفظ في أكياس قماش خام ليسهل دخول الهواء إليه”.
إلا أنه قديماً لم يكن هناك الكثير من الأطعمة لذلك اعتمد الناس على ما ينتجونه وما يعطيهم الطاقة، والكشك غني بالمواد الغذائية الكاملة الموجودة في اللبن الحامض والقمح.
وعن دبس البندورة أو معجون الطماطم تضيف “عيسى”، “تغسل حبات البندورة الحمراء ثم نقطع حبة البندورة إلى قطع، نضعها في الخلاط و نضع الخليط في مصفاة ناعمة فوق قدر عميق، ثم توزع في صواني نحاسية ليتم تنشيفها من الماء المتبقي تحت أشعة الشمس القوية مع التحريك باستمرار حتى تجف تماماً وتصبح سميكة، ثم تملأ في مطربانات زجاجية ويوضع الزيت على الوجه منعاً للتعفن” .
تنوع النكهات
ولا يكاد يخلو بيت حمصي من أقراص الشنكليش دائرية الشكل شهية الطعم، كما يعتبر الشنكليش من أهم أنواع الأغذية المخمرة فيها، تتعدد نكهاته وأنواعه، فمنه الشنكليش القاسي ومنها السوركي وهو الشنكليش غير الناضج، يُصنَّف كأحد أنواع الجبنة المشتقة من الحليب (أبقار ماعز أغنام).نمو العفن على الشنكليش عنصر أساسي، وبدونه لن ينتج لدينا ذلك الطعم المخمر الساحر، ويؤكل بعدة أشكال حيث يتم وضعه مع الزبدة أو وضعه مع زيت الزيتون الأصلي أو صناعة طبق “الشحفورة” الشهي مضافاً له البندورة والبصل.
وعن صناعته التقليدية المتوارثة لأجيال في حمص، أفادتنا ربة المنزل “غندلينا عباس” من قرية بتيسة قائلة “بعد خض الحليب واستخراج جبنة القريشة، نقوم بوضعها في أكياس قماشية لتنشيفها جيداً من الماء حتى اليوم التالي، ثم تملح القريشة، وهنا يجب الانتباه لكمية الملح، فإن قَلَّت تُسبب الدود بينما كثرته تسبب المرارة، لذا من الواجب الاعتدال بوضعه، ويضاف لها الفلفل (حار أو حلو) وأيضاً (حبة البركة، يانسون) حسب الرغبة، ثم يتم تقطيعه وتكويره لكرات ووضعه في الشمس وعليه غطاء قماشي وبعد ثلاثة أيام يجف تماماً”.
وهنا يصبح لدينا شنكليش يابس للمؤونة، يُحفظ في جرات أو أكياس أو أوعية بلاستيكية وتوضع في مكان دافئ لتهيئة المناخ الملائم لنمو فطر العفن ويتم تخميره، ليتم استخدمه لاحقاً في الشتاء.
عند تناوله يتم إزالة طبقة العفن عن القرص ويغطى بالزعتر البري الجاف، مصدر ممتاز للبروتين لأنه يحتوي على أنزيمات وبكتريا صديقة تساعد على الهضم).
مؤونة تقليدية
ويدخل في قائمة أهم أنواع المؤونة الشتوية “البرغل”، لكثرة محبيه لطعمة اللذيذ لكونه خفيفاً على المعدة، وحسب رواية “غندلينا عباس” يتم تخليص القمح من الشوائب ثم تتم عملية “السلق” في حلة كبيرة على الحطب، لتجد لمة الجيران في هذه المناسبة حاضرة للمساعدة عند نقل القمح المسلوق إلى الأسطح، لتعريضه للشمس الحارة وتنشيفه جيداً، ثم يُعبأ في أكياس خيش أو قطرميزات بلاستيكية.
في حين يبقى “المكدوس” السبَّاق بين أنواع المؤونة الشتوية، بصفته أشهى الأطباق على مائدة الفطور وخاصة في الريف الحمصي، فإن زرت أحداً في قرية عليك تناول المكدوس الشهي على الإفطار لا محالة.ويعرف بطريقته الخاصة في حمص حسب رواية الجدة “أم سمير” من قرية أم العظام، والتي يتم بها نزع رأس الباذنجان باليد، ووضعه في حلة كبيرة مع الماء، ويغلى على الحطب أو النار العادية حتى يظهر رغوة على الوجه نتركه عشر دقائق ثم نقوم بإنزاله عن النار، يصفى من الماء ويبرد قليلا ويشق بالسكين من المنتصف بحيث تحافظ الباذنجانة على شكلها الجميل.
وتمثل مؤونة الشتاء، نقطة الالتقاء بين تأمين حاجة العائلات لطعام الشتاء، وبين السهرات واللمات والحكايا الجميلة في موسم عمله، فلكل عمل ذكرياته، إلا أن غلاء الأسعار حرم الكثير من الأسر من هذه الأصناف.
حمص – ربى العلي
اقرأ أيضاً: الحصرم فوائد صحية وبديل غذائي عن الليمون