“لا يمكن تأمين تكاليفه”.. الزواج خارج حسابات الشباب السوري
لم تعد المعاناة في سورية، تقتصر فقط على النواحي المعيشية، إنما شمل كل نواحي الحياة التي باتت جميعها حلماً بعيد المنال، ومنها الزواج، والذي أصبح من الخطوات التي يصعب الإقدام عليها، لعدم قدرة أي شاب على تحمل تكاليفه، من المهر أو شراء أو استئجار منزل أو تأمين الأثاث، وتكاليف الزفاف وحتى شراء المحبس يمثل هماً ثقيلاً ليس بالإمكان تحقيقه.
وقال أحد الشباب، إن الظروف الاقتصادية الصعبة والواقع المعيشي المأساوي، فرض على الشباب إعادة ترتيب أولوياتهم وتأجيل الكثير من المشاريع الاجتماعية، وفي مقدمتها الزواج الذي باتت تكاليفه عالية جداً من كافة النواحي.
وأضاف شاب آخر، وفق ما نقلت صحيفة “البعث” الرسمية، أنه تقدم لخطبة أحد الفتيات لكن طلبه قوبل بالرفض من أهل العروس، لأنه لا يملك المنزل والذهب وليس بمقدوره إقامة حفلة الزفاف في صالة أفراح، قائلاً، كان تبرير الرفض من قبل والد العروس بأنه غير مستعدّ لاستقبال ابنته مع زوجها وطفلها إذا أنجبت في حال لم يستطع دفع أجرة منزلهما، فهو بالكاد يؤمّن قوت يومه ويسدّ حاجة عائلته.
اقرأ أيضاً: سعياً للعيش بظروف أفضل.. الفتيات يبحثن عن “فارس أحلامهن” بين الأثرياء والمسافرين
كما تحدث شاب آخر، أنه فسخ خطبته بعد أن طلب أهل الفتاة منه شراء ذهب بملايين الليرات السورية بحجة أنهم يريدون الاطمئنان على مستقبل ابنتهم، مضيفاً، الزواج اليوم أصبح كصفقة تجارية تهدف للربح على حساب العريس الذي لا حول له ولا قوة.
وقالت إحدى الفتيات التي تستعد للزواج، إن حلمها بارتداء الفستان الأبيض يتبدّد أمام عينيها أمام غلاء أسعار الفساتين، حتى استئجار الفستان أصبح مكلفاً وقد يصل إلى أكثر من 3 ملايين حسب نوع القماش وتطريزه، مشيرة إلى أنها آثرت إنفاق أجرة الفستان على مستلزمات أخرى أساسية لفرش المنزل.
وأضافت فتاة أخرى، إنها اتفقت مع عريسها على إلغاء حفل الزفاف الذي كان من المقرّر عقده في إحدى الصالات المتواضعة في دمشق بعد أن وصل الحجز فيها إلى مليوني ليرة.
اقرأ أيضاً: بعد أن كانت تصل “عنان السماء”.. كيف تغيرت أحلام الشباب السوري خلال السنوات العشر الأخيرة؟
وقال مستثمر إحدى الصالات في مدينة دمشق، إن عدد كبير من صالات الأفراح تعيش حالة ركود بسبب إحجام الكثيرين عن إقامة حفل زفافهم بصالة وتحمّل تكاليفها الباهظة.
وأضاف أن ارتفاع تكاليف حجز الصالة، يعود إلى ارتفاع أسعار المواد، والضيافة التي ستقدّم في الحفل من مشروبات أو قوالب الكاتو أو البوظة والمحلاية وغيرها من الحلويات التي تقدّم في الأعراس، وكذلك تكلفة التصوير تضاعفت ووصلت إلى الملايين بعد ارتفاع أجور التصوير وأجور العاملات اللواتي يشرفن على الخدمة في الحفل.
وأشار إلى أن رفع التكلفة جاء لمحاولة تعويض الخسائر التي لحقت بالصالات بسبب انخفاض نسب الحجوزات، مضيفاً أن النسبة الأكبر من الحجوزات أصبحت لمجالس العزاء والموالد النبوية.
وفي هذا السياق، أشارت الباحثة في علم الاجتماع “هالة محمد”، إلى أن طقوس الزواج اختلفت والمراسم الاحتفالية أصبحت محدودة ومقتصرة على عائلة العروسين فيما بينهما، مبينة أن حفلات الزفاف والمناسبات التي تبالغ في التكاليف المادية والمظاهر تنمّ عن فئة من المجتمع مستهلكة وليست منتجة وهي فئة أنانية تفتقد الإحساس بمشاعر الآخرين.
اقرأ أيضاً: حالتان أسبوعياً تصل المشافي بينها سفاح القربى.. تطور أشكال “العنف ضد المرأة” في المجتمع السوري
وأضافت “محمد” لصحيفة “البعث” إن الاستقرار حاجة نفسية ملحة وتحقيقه يجب ألا يتوقف على محبس برّاق أو زفاف مليء بالكماليات لإسكات أفواه الناس، فالتحديات المادية كثيرة، مضيفة، إن القناعة والرضى بين الشاب والفتاة هما الأساس وليس تفاصيل جزئية ليوم من العمر، وعلى كل فتاة أن تقدِّر ظروف كلّ شاب، وخاصة في الضائقة التي نمرّ بها.
وكانت إحصائية في وزارة الشؤون الاجتماعية السورية عام 2022، أفادت بأن أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة تجاوزن الثلاثين عاماً، وأن نسب العنوسة في البلاد باتت نحو 70%، وأرجعت الوزارة أسباب هذه الظاهرة إلى الحرب والهجرة والفقر والتكاليف وعزوف الشباب عن الزواج.
وأمام هذا الواقع، بات عزوف الشباب عن الزواج، تحت ضغط التكاليف العالية، ظاهرة خطيرة، وتحمل آثاراً اقتصادية كارثية، كما تهدد بتضاؤل الفئة الشابة المنتجة في المجتمع، وتسبب انخفاض النمو السكاني، وتحول البلاد لبلاد هرمة لا تستهلك، الأمر الذي يستدعي دقّ ناقوس الخطر بأسرع وقت ممكن، من قبل الجهات المعنية، لمساعدة الشباب على مواجهة تحديات الزواج.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع