قمةٌ سوريةٌ في جدة
قمةٌ سوريةٌ في جدة
كما كان متوقعاً اختطفت مشاركة الرئيس بشار الأسد الفاعلة والمؤثرة بريق القمة العربية الـ 32 التي اختتمت أعمالها في جدة بالأمس، وكانت سورية العنوان الأبرز قبل القمة وخلالها وبعدها من خلال الأمل الذي بثته عودتها لممارسة دورها الأساسي في الجامعة العربية بعد تغييب قسري فرضته الجامعة منذ تشرين الثاني 2011.
جميع الأنظار شُدّت في جدة وخارجها نحو سورية والرئيس الأسد.. هل وصل؟ من استقبله؟ وكيف كان الاستقبال؟ مع من التقى؟ ماذا قال؟ على من ألقى التحية من القادة العرب أثناء التقاط الصورة الجماعية التذكارية؟ كيف كان استقبال الأمير محمد بن سلمان له؟
ماذا سيقول في كلمته أمام القمة؟ هل سيطلب منهم الاعتذار عما فعلوه بسورية وتجميد عضويتها كل هذه السنوات؟ هل سينبش آلام السنوات العجاف التي فتكت بالسوريين بمشاركة بعض الدول العربية؟ أم سيقول.. عفا الله عمّا مضى ويطوي صفحة عذاب السوريين أمام عبارات الإطراء والترحيب التي سمعها من نظرائه العرب؟
أسئلة كثيرة أطلقتها التحليلات السياسية ووسائل الإعلام فيما كانت عدسات الكاميرات تترصد تحركاته وتفاصيل وجوه القادة العرب خلال الحديث إليه أو مصافحته، وقد فازت سورية بوهجها الحقيقي وأكدت حضورها الفاعل.
وكعادته فاجأ الرئيس الأسد الجميع في كلمته المقتضبة التي حددت مدتها وفق البروتوكول الجديد للجامعة بخمس دقائق، فقام بتشخيص المرض ووصف الدواء بدقة متناهية مركزاً على الأسباب التي أدت إلى تصدع الموقف العربي خلال العقد الماضي، وعلى التهديدات والتحديات التي تواجه العرب، قديمها وحديثها، داعياً إلى معالجة الأسباب بدل الغرق في معالجة النتائج.
اقرأ أيضاً: ماضي سورية وحاضرها ومستقبلها هو عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان.. الرئيس الأسد يجذب الأضواء في قمة جدّة
أعاد الرئيس الأسد توجيه بوصلة العرب إلى القضايا والعناوين الكبرى لمشاكل العرب، بدءاً بالعدو الإسرائيلي الذي يواصل منذ سبعين عاماً ونيف احتلال الأرض العربية وممارسة الإرهاب والقتل بحق الشعب الفلسطيني، مروراً بالخطر العثماني القائم في الشمال السوري وشمال العراق وفي ليبيا، وصولاً إلى المشاكل في اليمن والسودان وليبيا، وضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.
عبارات الترحيب والإطراء التي سمعها من معظم القادة العرب، لم تجعل الرئيس الأسد أسير المجاملات، فتحدث بمنطق القوي العارف بمشاكل الأمة وحلولها، وأكد أن القمة التي تجمع العرب اليوم وسط أجواء ايجابية تفترض بهم أن يكونوا متأهبين لتحويلها إلى “نقطة انطلاق” لعمل عربي حقيقي يساهم في مواجهة التحديات.
وتحدث الرئيس الأسد عما تريده سورية من الجامعة التي تحولت خلال العقد الماضي إلى “شريك في الحصار” على سورية و”منصة للعدوان” عليها، فهي بوضعها الراهن لم تعد مناسبة وعلى العرب، بحسب الرئيس الأسد، إعادة النظر في منظومة عملها ومراجعة ميثاقها ونظامها الداخلي وتطوير آلياتها وفق ضوابط واضحة.
أجواء المشاركة السورية التي طغت على غيرها، كانت دافئة وحميمية وفق ما نقل أعضاء الوفد السوري، والسلام الحار بين الرئيس الأسد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء التقاط الصورة الجماعية ينبي عن مسار جديد في العلاقات السورية المصرية، ودفء يسري في تلك العلاقات ستتضح معالمه في الأيام والأشهر القادمة.
من يريد أن يعلم حجم مفاعيل المشاركة السورية في القمة، عليه أن يقرأ عناوين الإعلام الإسرائيلي الذي عبّر عن خيبة أمل إسرائيلية وقلق كبير مما تحمله الأيام القادمة بعد التحول الذي طرأ في مجال الانفتاح العربي على دمشق والمصالحات الإقليمية.
فالإعلام الإسرائيلي بدا متوجساً وقلقاً من استعادة سورية مقعدها في الجامعة ومن الترحيب الواسع بالرئيس الأسد في القمة، وأجمع على أن العودة السورية إلى الجامعة العربية تعكس الاعتراف بانتصار الرئيس الأسد وتعبّر عن التغيير الذي حدث في المنطقة أمام أعين الكيان دون أن يستطيع فعل أي شيء.
قمة جدة كانت “قمة سورية بامتياز” لكنها لا تملك حلاً سحرياً ينهي الأزمة خلال أيام، غير أنها ستشكل حداً فاصلاً في تاريخ العلاقات العربية التي وصلت حد العداء بين سورية وبعض الدول العربية التي شاركت في الحرب الإرهابية ضدها.
ويمكن للقمة أن تكون بوابة عمل عربي مشترك لمساعدة سورية على تجاوز تداعيات الحرب واستعادة عافيتها، وأن تفتح الأبواب لتعاون ثنائي بين سورية الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي بدأت تخط مسارها السياسي الخاص في المنطقة بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.
فما نقلته الصحافة السورية عن مصادر خاصة بأن لقاء الرئيس الأسد مع الأمير محمد بن سلمان “كان ممتازاً وأكثر من المتوقع” يشير إلى أيام سورية سعودية طيبة قادمة، أقلّها البدء بمشاريع التعافي المبكر وإعادة إعمار ما دمره الإرهاب كقاعدة لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار.
وما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في ختام أعمال القمة من أن المملكة وأعضاء الجامعة العربية يؤمنون أنه لا حل للأزمة في سورية إلا بحوار وشراكة وتعاون مع الحكومة السورية، وكذلك تأكيده اهتمام الرياض والعواصم العربية “بإيجاد حلول عملية واقعية” بالتعاون والشراكة مع الحكومة السورية لأزمة اللاجئين والوضع الاقتصادي، ما هو إلاّ دليل على تحول في منطق وفهم العرب للوضع في سورية يبشّر بمسار جديد مليء بالخير القادم.
والمطلوب اليوم تحرك عربي فاعل لوقف مفاعيل الحصار الأمريكي الغربي غير الشرعي والتعامل مع الواقع السوري بعيداً عن أوهام الكيانات المعارضة المصطنعة التي لم يبق منها سوى القشور، وتفعيل العمل العربي المشترك وفق بيان جدة لمواجهة الاحتلال والتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية.
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع