عقارات دمشق تحلّق.. خبير عقاري: الموظف يحتاج 300 سنة لشراء شقة كاملة من راتبه
عقارات دمشق تحلّق.. خبير عقاري: الموظف يحتاج 300 سنة لشراء شقة كاملة من راتبه
ارتفعت أسعار العقارات في دمشق بشكل جنوني خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث تجاوز سعر العقار في بعض الأحياء الراقية إلى 3 مليار ليرة، بينما في العشوائيات تراوحت بين 300_ 500 مليون ليرة، بحسب المنطقة والخدمات المتوفرة، الأمر الذي زاد “الطينة بلّة”، خاصة أن أغلب السوريين يعيشون حالياً مأزقاً من حيث تأمين مسكن لو بأدنى المواصفات، لاسيما بعد هدم آلاف المنازل خلال الحرب، وكذلك تراجع القوة الشرائية للمواطن تزامناً مع انخفاض قيمة الليرة السورية إلى أدنى مستوى مقارنة بالعملة الصعبة.
جمود واضح
في جولة لـ كليك نيوز، على بعض المكاتب العقارية في دمشق وريفها لمعرفة واقع سوق العقارات فيها، أشار أصحابها إلى وجود جمود واضح في حركة البيع والشراء منذ حوالي السنة تقريباً، والسبب برأيهم يعود إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل خيالي، حيث وصل سعر العقار في منطقة الميدان بدمشق إلى أكثر من 3 مليار ليرة، بحسب قولهم.
لافتين، إلى أنّه لا يقل هذا الرقم عن مثيله في أحياء المزة اتوتستراد – البرامكة والمالكي وغيرها، موضحين أنّ الأسعار حتّى في المناطق العشوائية باتت ضرباً من الخيال، فأسعار العقارات فيها يتراوح بين 200 – 500 مليون ليرة، حسب مواصفات كل عقار.
أما فيما يتعلق بموضوع الإيجارات، أكد أصحاب المكاتب العقارية، أنها تتمتع بالحيوية نوعاً ما مقارنة بالشراء، علماً أنها مرتفعة أيضا لكنها تبقى أفضل وسيلة لتأمين مسكن من شرائه خاصة لذوي الدخل المحدود.
لا يعتمد عليها كمؤشر اقتصادي
بدوره الخبير العقاري الدكتور “عمار يوسف” أشار إلى أن السّمة الغالبة على سوق العقارات بدمشق وريفها هي الجمود، فحركة البيع والشراء قليلة وغير معتمد عليها كمؤشر اقتصادي.
لافتاً أن ارتفاع مستلزمات البناء ليس مهماً في هذا الموضوع، فهي مهملة تجاه ثمن الأرض ومكان وجود العقار الذي هو المعيار الأساسي بارتفاع وانخفاض أسعار العقار، فمثلاً عقار بمنطقة المالكي عمره أكثر من خمسين سنة وسعره يفوق بمئات أضعاف العقارات الموجودة مثلاً في منطقة المزة 86 المبنية حديثاً.
منوهاً أنه بالمجمل حركة البيع التي تحدث حالياً في السوق العقارية بدمشق هو “شخص يبيع بيته ليشتري أصغر منه أو بمنطقة أخرى بحيث يستفيد من فضل القيمة بين العقارين من أجل أن يأكل ويشرب فقط”.
وبين “يوسف” أن أكثر المناطق ارتفاعاً في أسعار عقاراتها هي المناطق الراقية بدمشق متل المالكي – أبو رمانة – توسع كفرسوسة – مشروع دمر – مزة أوتوستراد، وذلك لعدة أسباب منها، ندرة العقارات المعروضة للبيع بتلك المناطق، وهي في الأصل أسعارها مرتفعة، إضافة إلى أن المواطنين الذين يستثمرون بعقارتهم أو الذين اشتروا عقارات فيها، فهم من الطبقة الغنية ولا يبيعون إلا بالسعر الذي يريدونه.
ولدى السؤال عن مدى دقة المعلومة التي تتحدث عن أن أسعار عقارات دمشق تضاهي باريس وأمريكا وبريطانية أجاب “يوسف” أنه قبل الحرب ربّ ما كان هذا الكلام منطقي، لكن حالياً غير صحيح أبداً لأنه من بداية الأزمة وحتى اليوم انخفضت أسعار العقارات حتى 60% بالنسبة الدولار، أما إذا تم تقييمها حسب القدرة الشرائية لليرة السورية نجد أن ارتفعت ما بين 200 – 300 ضعف، حيث وصلت أرقام مذهلة، وهذا ليس دليل على ارتفاع أسعار العقارات، وإنمّا على انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية في الوقت الحالي.
يحتاج 300 سنة لشراء منزل!
ذكر “يوسف” أنه بعد غلاء مستلزمات مواد البناء يحتاج الموظف السوري أن يجمع راتبه لمدة 300 سنة لكي يستطيع أن يشتري غرفة ومنافعها في منطقة راقية أو شقة كاملة بمناطق المخالفات بشرط أن تبقى الأسعار ثابتة، من هنا يمكن القول أنه أصبح شراء عقار حلم بعيد المنال بالنسبة للمواطن، ولا يوجد إمكانية للشراء بظل غياب أي مشروع استثماري من قبل الدولة، مثل مشروع إسكان، وهنا طبعاً نتحدث عن أصحاب الدخل المحدود الذين هم الموظفين والطبقة الوسطى التي انتهت من المجتمع السوري تقريباً، كاشفاً أنه أصبح حوالي 93% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر المدقع حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ادخار غير مجدي
أما ما يتعلق بالادخار عن طريق العقارات بيٌن “يوسف” أنه كان مجدي في السابق، لكن في الوقت الراهن لا جدوى منه لأننا أمام خسائر متلاحقة بالنسبة للعقارات بشكل دائم، يعني اليوم العقار على سبيل المثال سعره مليار ونصف ليرة ما يعادل 100 ألف دولار، بعد فترة قصيرة سيصبح سعره مليارين ليرة، لكن بنفس الوقت سوف تنخفض القيمة إلى 90 ألف دولار نتيجة الارتفاع وعدم ثبات العملة ارتفاعاً وهبوطاً بطريقة أو بأخرى، لذلك نقول للأسف الاستثمار العقاري حالياً غير مجدي بالنسبة للسوريين.
أبنية فارغة بلا استثمار
لدى الاستفسار عن وجود العديد من الأبنية الفارغة في دمشق وضواحيها بدون استثمار أو الاستفادة منها لاسيما في ظل احتياج معظم الناس للسكن، أكدّ “يوسف” أنه بسبب عدم قدرة الناس على شراء هذه المساكن نتيجة سفر عدد كبير من المواطنين السوريين الى خارج سورية، وتالياً هذا المشهد يشكل حالة غير سليمة، يعني صحيح، يوجد أبنية فارغة لكنها كلها متواجدة في المناطق الجديدة والراقية التي فيها سعر العقار مرتفع جداً، وهناك عدم قدرة على شراء العقارات واستثمارها على عكس المناطق الشعبية، وأيضاً الريف، فإنّ الاكتظاظ يصل الى الحد الأعلى نتيجة رخص الإيجارات فيها إلى حد ما.
إيجار مرتفع
وعن ارتفاع الإيجارات في دمشق وريفها بين “يوسف” يجب ألا نحمّل كل شيء على المؤجر وأنه الانسان السيء الذي يستغل حاجة الناس، فالمؤجر بالنتيجة هو مواطن وهناك الكثير من العائلات تعتمد في معيشتها على ايجار عقاراتها، كما أنه يوجد أشخاص أجروا منازلهم الأساسية واتجهت لاستئجار بيت آخر بسعر أقل من البيت الأول بمنطقة أخرى.
عرض وطلب
وكشف أنّ الحل الوحيد هو ايجاد عرض وطلب، يعني عندما يكون العرض قليل والطلب كتير فمن المؤكد أن الإيجارات سوف ترتفع لاسيما بظل انهيار القدرة الشرائية لليرة السورية، وتالياً سوف ترتفع الأسعار، وهذه مشكلة أزلية بالنسبة للمؤجرين، فالعلاقة بين المؤجر والمستأجر لا يمكن حلّها وهناك أصوات كثيرة تنادي بقانون خاص للإيجارات، وهنا نقول لا يوجد قانون للإيجار لأن العقد شريط المتعاقدين، مؤكداً أنه في حال تمّ الزام المؤجر أن يؤجر بسعر معين سوف يعزف عن تأجير بيته وهنا تصبح المشكلة أكبر من الأولى، حيث أنّ عزوف المؤجرين عن تأجير عقاراتهم يعني وجود جزء كبير من الناس في الشوارع بلا مأوى .
ميليا اسبر – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع