العقارات هموم يومية ومشاكل مزمنة
العقارات هموم يومية ومشاكل مزمنة
لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لـ “علي محمد” وهو موظف يبحث عن شقة للإيجار، فقد عانى الأمرّين جراء طمع السماسرة، وهو يرى في هؤلاء الوسطاء سبباً مباشراً في ارتفاع الأسعار، “علي” لم يكن الوحيد أمام هذه التجربة المريرة كما لم يعد خافياً على أحد ما يدور بين أطراف العملية التي باتت نتائجها مكشوفة للجميع.
شروط صعبة
“لقد أصبح من الصعب إيجاد شقة مناسبة تليق بالسكن، وإن وجدتها ستكون صغيرة الحجم”، هكذا افتتحت “سامية قاروط” وهي مدّرسة الحديث عن معاناتها، واصفة العلاقة بين المالك والوسيط بالعشوائية والتي تثير طمع الوسطاء بالحصول على أعلى سعر للمبيع.
كما ينتقل مرض ارتفاع الإيجارات بسرعة كبيرة بين أصحاب العقارات، فسرعان ما يجد الوسيط المستأجر المليء مادياً، يفرض على البقية طلب مبالغ خيالية تُجبرهم على المغادرة أو القبول بشروطه، يخبرنا “أمير نابلسي” وهو سائق ميكرو “وجدت نفسي أمام مزايدة رخيصة من مالك العقار الذي أسكنه، خاصة أن ارتفاع الأسعار، أصبح سمة عامة حتى في المناطق العشوائية”.
قلق آخر الشهر
ارتفاع أسعار إيجارات المنازل وفقاً لمالكيها، الذين اتخذوا منها مطيَّة للرزق الوافر، في ظل ظروف جعلت الاستثمار السمة المميزة والغالبة للعقار، الذي أصبح مصدر قلق للباحثين عن منازل، فكلما اقترب الشهر من نهايته تنتاب “عايدة ابراهيم” وهي ربة منزل المخاوف من حلول آخره، خاصة كلما تهيأت لسداد أجرة المنزل الذي يأويها وأسرتها، فهي لا تلبث أن تدفع الأجرة وتزيح عن كاهلها بعضاً من الهم، حتى تجد نفسها أمام شهر جديد، يتوجب معه دفعة جديدة لصاحب العقار الذي تقطنه.
أما “عليا العبد” وهي موظفة أكدت بأن الإيجارات وغلاء أسعارها أصبحت مشكلة يستحال معها النوم، لأنه بجانب الالتزامات الأخرى، تجد نفسك أمام التزام أكبر وهو السكن.
“يحيى محمود” وهو صاحب مكتب عقاري بريف دمشق أكد بأن ارتفاع الأسعار يبرره اتجاه شريحة واسعة من السوريين للعمل بهذا القطاع، حتى باتت المشكلة تنافسية لا قيمة عقار.
بينما أبدى “بشير عيسى” صاحب مكتب عقاري بدمشق استنكاره لارتفاع الأسعار، قائلاً: “صاحب العقار يعصر المواطن، الزيادة باتت أكثر من اللازم ولا داعي لها”.
إلا أن القانون لا يحدد أجرة العقارات برأي المحامي “نبيل موسى” فيقول: “إن الجشع والمغالاة والتحايل أكثر ما يقود المستأجر ومالك العقار إلى عراك حقيقي، في الوقت الذي يضمن فيه العقد حق المستأجر، ولا يحق له مغادرة المنزل إلا لحاجة ماسة، كالفشل في دفع الأجرة أو استغلال العقار استغلالاً مخالفاً لطبيعته”.
تأثيرات جانبية
يُقدر أصحاب مكاتب عقارية ارتفاع أسعار الشقق السكنية والمحال التجارية في المدينة بمعدل 300 % مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت، وذلك نتيجة ارتفاع سعر إكساء البناء قريباً من هذه النسبة، حيث كانت تكلفة إكساء المتر المربع حوالي 200 ألف بينما الآن تبلغ تكلفة إكسائه بسوية منخفضة 350 ألف ليرة سورية، وقد تصل لحدود 2,000,000 ليرة سورية حسب المواد المستخدمة ونوعيتها، وعليه تراجعت حركة البيع والشراء هذا العام بنحو 30% عما كانت عليه في العام الماضي.
كما وصلت تكلفة المتر المكعب من الاسمنت والحديد بحدود 700 ألف ليرة دون أجور اليد العاملة.
في حين رأى المهندس المعماري والخبير في العقار والتشييد “فراس زهيرة” أن قرار رفع الأسمنت مرتبط بمادة “الفيول” التي تستخدم لتشغيل حراقات تشكيل الأسمنت، وسعرها المحدد عالمياً والذي تصاعد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، يضاف إليه تكاليف إضافية نظراً لصعوبة وصول تلك المادة إلى القطر بسبب ما يسمى “قانون قيصر”، وبالتالي تم تحديد سعر الأسمنت بسعر ارتفاع الفيول عالمياً من جهة، وصعوبة وصوله بسبب شروط الحصار الجائرة من جهة أخرى.
وعليه، رأى “زهيرة” أنه من الضروري رفع سعر الأسمنت لضمان توفرها في السوق، مؤكداً أن الإعمار لا يتأثر بارتفاع سعر المادة، وإنما بعدم توافرها، وخاصة أن ارتفاع أسعار الأسمنت يواكب ارتفاع سعر الفيول عالمياً.
وبيّن المهندس “فراس زهيرة” أن عملية البيع والشراء تحددها عوامل عدة، أهمها العرض والطلب وبناء عليه يضاف عامل مهم لتلك الآلية، وهي المواد الأولية للبناء وهي مواد تعتمد في معظمها على مادة الأسمنت بما فيها بعض مواد العزل.
ويبقى كابوس الاستقرار في منزل جديد يمثل هاجس المواطن السوري، الذي بات رهن التقلبات اليومية في أسعار كافة المواد.
بارعة جمعة