خدميمجتمعمحلي

الشباب “يعاركون طواحين الهواء” والزواج خارج حساباتهم.. أصوات تطالب بإنشاء صناديق “القفص الذهبي”

الشباب “يعاركون طواحين الهواء” والزواج خارج حساباتهم.. أصوات تطالب بإنشاء صناديق “القفص الذهبي”

 

أرخت الأزمة التي عاشتها سورية منذ العام 2011، بثقلها الباهظ على الوضع الاقتصادي والاجتماعي خلال السنوات الماضية، وتسببت في تغيرّ الأولويات “لدينا جميعا”، لا سيما “فئة الشباب”، الذين عزفوا “في أغلبهم”، عن فكرة الزواج نتيجة “الظروف المعيشية القاهرة”.

ومع غياب أيّ من مقوّمات الحياة الأساسية من سكن وراتب يواكب ارتفاع جميع الأسعار “المرهق والشاق والمستمر كل لحظة دون توقف”، وارتفاع تكاليف الزواج الخيالي، وغلاء المهور وارتفاع أسعار المنازل إيجاراً أو شراءً، عدا عن تحليق أسعار الذهب عالياً، كل ذلك غيّب “هاجس الشباب السوري في الزواج”، وبات همّهم الأول وللأسف “الهجرة” والتي حسب اعتقادهم “ستكون الفانوس السحري لحلّ جميع مشاكلهم”!

ففي محافظة حماة، “كغيرها من باقي المحافظات”، بيَّنَ العديد من الشباب “العازفين عن الزواج”، أنه من الصعب جداً التفكير “مجرد التفكير”، بالزواج في مثل هذه الظروف، التي تغوَّل فيها الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، ومنها مستلزمات الزواج، بدءاً من “المحبس” أي خاتم الذهب، وصولاً إلى الأثاث المنزلي، هذا إذا كان المنزل متوافراً.

وأوضح أحد الشباب لصحيفة “الوطن” المحلية، أنه يعمل عملاً حراً، وبالكاد يستطيع تأمين قوت يومه، ولا يفكر بالزواج مطلقاً كغيره من الشباب، ليس لأنه غير قادر على تحمل المسؤولية، وإنما لأنه لا يستطيع تأمين تكاليفه ومستلزماته مهما قتَّر على نفسه، أو رشَّد نفقاته.

وكشف شاب آخر، أنه ترك خطيبته بعد ستة أعوام من الخطبة، لأنه لم يستطع تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الزواج، ولم يكن بمقدوره استئجار منزل ولو بـ “المشاعات” أي أحياء المخالفات.

وبيَّنت بعض الفتيات، أن الزواج أمسى شاقاً وعسيراً في ظروفنا الراهنة، بسبب الوضع الاقتصادي المعروف، وأوضحن أنهن يفضلن الارتباط بشبان مغتربين في دول الخليج العربي أو أوروبا، فذلك أسهل بكثير من الارتباط بشبان يقيمون بالبلد، وأكدن أن حالات كثيرة من الزواج بمغتربين، تمت بعد التعارف عبر الفيسبوك، وإجراءات لم الشمل حتى بعد استغراقها فترة طويلة.

وأكدت شابات أخريات، أنهن قد يستغنين عن خاتم الذهب أو الفضة، وعن الثياب وغيرها، ولكن لا يمكنهن الاستغناء عن السكن في منزل مستقل ولو كان غرفة ومنتفعاتها وهذا صعب تأمينه على الشباب في هذه الظروف.

من جانبه، بيَّنَ الأكاديمي الاقتصادي الدكتور “إبراهيم قوشجي” للصحيفة ذاتها، أن ظاهرة “عزوف الشباب عن الزواج”، هي ظاهرة اجتماعية سلبية، ومشكلة اقتصادية كارثية، تبدأ من انخفاض النمو السكاني، الذي ينعكس بعد عقود من الزمن، بانخفاض القوى العاملة من جهة وانخفاض الطلب على السلع والخدمات من جهة أخرى، وتتحول الفئة العمرية في المجتمع من فئة فتية تستهلك وتنتج إلى فئة هرمة لا تستهلك، لذلك ينخفض الطلب على السلع والخدمات فيصاب الاقتصاد الوطني بالكسل والركود.

وأوضح “قوشجي”، أن الزواج يعني ارتفاع الطلب على السكن والأثاث المنزلي والكهربائيات ومستلزمات الأطفال والطبابة والغذاء وغير ذلك من متطلبات الحياة، وهذا يدفع عجلة الإنتاج إلى المزيد من النشاط والإنتاج، فالزواج يزيد من الإنفاق الاستهلاكي للسلع الاستهلاكية والمعمرة، ما يؤدي إلى زيادة الاستثمار فالإنتاج وارتفاع مستوى التوظيف.

ولفت إلى أن العزوف عن الزواج يؤثر سلبياً في الاقتصاد بتناقص اليد العاملة والفكر المبدع وكذلك المستهلك أيضاً، وهذا ما يبرر استقبال المهاجرين في الدول الأوروبية ضمن القارة العجوز.

اقرأ أيضاً: “الوضع ليس مثالياً وإنما بخير”.. وزير الكهرباء يتحدّث عن واقع محطات التوليد وإنتاجها

ولتفادي ترسيخ هذه الظاهرة، أشار “قوشجي”، إلى أنه يمكن إيجاد حلول مباشرة “علاج عاجل”، ومنها حلول على المدى الطويل، مضيفاً، على المدى القصير ينبغي محاربة غلاء المهور وتكاليف الزواج الباهظة والاكتفاء بالمعقول، فالمهور المرتفعة تشكل عبئاً كبيراً على الشباب وتؤدي إلى تأخير الزواج أو العزوف عنه.

وأضاف، ثمة حلول طبقت في بعض الدول وأدعو لتعميمها، مثل إنشاء صناديق الزواج، ومهمة هذه الصناديق دعم الشباب المقبلين على زواج مالياً، وكذلك إقامة حفلات الزواج الجماعي ما يخفض المصاريف على الشباب المقبل على الزواج، وترعاها جهات اقتصادية ومجتمعية، كما يجب العمل على زيادة الرواتب والأجور لأصحاب الأسر والمتزوجين، وتأمين استقرار وظيفي لهم.

أما الحلول على المدى الطويل، أشار “قوشجي” إلى أنه لا بد من خلق فرص عمل للشباب والحد من البطالة ومعالجة انخفاض الأجور، وتشجيع الجمعيات السكنية في توفير السكن من خلال مدن سكن جديدة وتقديم التسهيلات الحكومية لانخفاض تكلفة البناء وضبط أسعار مبيع العقارات وكذلك الإيجارات، وتوفير مناخ استثماري لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ودعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر بشكل مباشر.

كما تكمن الحلول على المدى الطويل، في نشر ثقافة الوفرة في متطلبات الزواج وتخفيف الفوارق الاجتماعية، وإعادة توزيع الدخل القومي لتخفيف الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وتخفيض الفوارق بين عوائد عناصر الإنتاج (الريع والرواتب والأجور والأرباح) ليستطيع المجتمع أن يحقق توازناً بين جميع فئاته العاملة فيه، وهنا يتحقق استقرار في حياة الأسرة وانتهاء ظاهرة العزوف عن الزواج، بحسب الأكاديمي الاقتصادي الدكتور “قوشجي”.

بدوره، رأى الخبير الاجتماعي “ملهم عيسى”، في تصريحه لصحيفة “تشرين” الرسمية، حول الموضوع نفسه، أن الشباب “يعاركون طواحين الهواء” من حيث تأمين لقمة العيش والبحث عن الاستقرار وإيجاد فرص عمل تناسب متطلبات الحياة، لذا يجب تقديم تسهيلات للشباب المقدمين على الارتباط.

لافتاً إلى أن بقاء الوضع على حاله سيؤدي إلى حالة مأساوية، ولابد من حلول إسعافيه من قبل المعنيين والمجتمع ككل، وتشجيع الشباب السوري على الزواج وبناء علاقات زوجية صحيحة ومستقرة، بدلاً من الحلول المؤقتة وغير الشرعية التي قد يلجأ إليها بعضهم والتي تؤدي إلى هدم القيم في المجتمع.

من جهتها، أوضحت “ربا لقمشها”، مشرفة مراكز دعم وتمكين المرأة في جمعية تنظيم الاسرة السورية، أنه لابد من تعاون الجهات الرسمية والأهلية كلها من وزارات ومصارف، لتيسير الظروف المساعدة على الزواج من خلال تقديم القروض المساعدة (قرض الزواج)، وتوفير كم مناسب من فرص العمل لاستيعاب أكبر عدد، وهنا دور أصحاب الفعاليات والمشاريع الاقتصادية الذين يمكنهم الإسهام في ذلك.

يذكر أن عدد واقعات الزواج التي تم تسجيلها في مديرية الشؤون المدنية بحماة، بلغ نحو 15105 منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية الشهر الماضي.

وكان مدير الإحصاءات السكانية والاجتماعية في المكتب المركزي للإحصاء “شادي مهنا”، أكد عدم وجود مسوح خاص بظاهرة زيادة العنوسة في المجتمع السوري، ويعود ذلك لحساسية ودقة الموضوع، وأنه ربما لاحقاً قد يتم إجراؤها، “حسب قوله”!

وأمام هذا الواقع، فإن “العزوف عن الزواج”، تحوّل لظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة، وما خلّفتها من مشاكل العنوسة وتضاؤل الفئة الشابة المنتجة في المجتمع، ما يستدعي حلولاً سريعة وسياسات حكومية طارئة، علّها تمكّن الشباب من تكاليف وأسباب الزواج، ولو قليلاً، وتخفف ظاهرة “الهجرة” التي باتت تنذر ببلاد عجوزة.

كليك نيوز

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى