الانتخابات النيابية ٢٠٢٢ .. تضيف أزمات للبنان، أم تحلها؟
الانتخابات النيابية ٢٠٢٢ .. تضيف أزمات للبنان، أم تحلها؟
انتهت الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت ١٥ أيار ٢٠٢٢ إلى خريطة سياسية صعبة رسمتها، إذا كانت أفرزت تحديداً لأحجام الفرقاء المتنافسين والمتخاصمين، وإذا كانت كل الأطراف الفائزة قد احتفلت بالفوز، وراحت تتحدث عن أنها صاحبة الأغلبية وقوة التمثيل والحضور الشعبي الأوسع الذي تريد أن تحكم بقوته، فإن الحقيقة أن حديث أغلب الأطراف يبدو لا واقعياً، إذ لا أغلبية شعبية سياسية تمكن من تحصيلها أحد الفريقين بما يمكنه من الحكم أو من فرض خياراته في الاستحقاقات المقبلة.
٨ و١٤ آذار
بالأرقام، وإذا ما صحت العودة إلى التسليم بأن المعركة الأساسية تجري بين فريقي ٨ و١٤ آذار، فإن أحدهما لم يحصل الأغلبية التي تدعم خياراته وتغلب لغته في محاكاة أزمات لبنان اتجاها بها نحو المعالجة والحل، وإذا كان بقي الطرفان يمتلكان قدرة التعطيل، فإن ذلك يعني أن الانقسامات العمودية في المجتمع السياسي اللبناني ما زالت هي السمة التي ترشح لبنان للبقاء نهباً لأزماته المتعددة السياسية الاقتصادية والمالية، يعبر عنها بوضوح وبحدة – للأسف الشديد – في الإعلام والسوشال ميديا.
بالأرقام
٦٨ مقعداً نيابيا هي حصيلة الصناديق باتت بيد فريق ٨ آذار، بمقابل ٤٧ مقعداً لفريق ١٤ آذار، بينما حصلت منظمات المجتمع المدني على ١٣ مقعداً، ذلك في خرق لكل التوقعات التي ما أعطتها أكثر من ١٠ مقاعد في أحسن الأحوال.
الكتلة الناشئة
للكتلة البرلمانية الناشئة أثرها غير الهين في اللعبة السياسية بمراحلها القادمة التي ستبدأ ربما أولاً بانتخاب رئيس للمجلس النيابي، ونائب للرئيس، وسط تجاذبات حادة بين الفريقين الأساسيين ٨ و١٤ آذار، وقد لا تنتهي بالاستحقاق الدستوري الأهم: انتخاب رئيس جديد للبنان (بين آب وتشرين الأول القادمين) على أن ما بينهما لا يقل أهمية سواء لجهة تشكيل الحكومة الجديدة، أم لجهة نيلها الثقة مع بيانها الوزاري في البرلمان.
الحكومة – البيان الوزاري – الثقة
انتخاب رئيس المجلس النيابي، ونائبه، ومكتب المجلس، واللجان، سيكون المحك الأول من بعد انتهاء المعركة الانتخابية، وكي يتم تخطيه بنجاح ربما يجب أن يسبقه ذهاب جميع الأفرقاء والقوى والتيارات السياسية إلى تهدئة لا بد منها، في الخطاب والسجالات الانتخابية والتجاذبات، ذلك أنه ما لم يتم التوقف عن التراشق بالتصريحات والاتهامات المتبادلة، وما لم تتم عملية إعادة تقييم التصريحات والمواقف التي سبقت الانتخابات، فإن الوضع سيتردى، والخطر سيزداد، والانقسامات ستتعمق.
التهدئة، التحاور، وقف السجالات، هي السبيل الوحيد المتاح أمام التيارات السياسية المتخاصمة والمتنافرة لتتمكن من تشكيل الحكومة القادمة، ولتحظى بالثقة هي وبيانها الوزاري، ثم لتعمل على مواجهة وحلحلة الأزمات التي تهدد لبنان في وجوده ودوره ومستقبله.
ولكن إذا كان هناك فريق سياسي يرفض الشراكة في العمل مع القوى السياسية بحكومة وحدة وطنية، أو بحكومة وفاق وطني، فعليه أن يعيد حساباته وأن يتفقد خياراته الأخرى.
بين البناء والتعطيل
القوى والتيارات السياسية اللبنانية تلك التي فازت بالانتخابات، وتلك التي تعثرت، تلك التي تمثل ثقلا في التمثيل، وتلك التي خرجت من الندوة البرلمانية، عليها مجتمعة أن تقبل نتائج الانتخابات، ومطالبة باتخاذ مواقف غير متشنجة، تقبل الآخر ولا ترفضه، تقبل العمل بالشراكة من أجل لبنان، بل عليها أن تتراجع خطوة إلى الوراء، وأن تتخلى عن محاولة التفرد والاقصاء لبقية الشركاء في الوطن.
كل الأطراف تمتلك قدرة المساهمة في البناء، وكذلك يمتلك الجميع قدرة التعطيل، تعطيل البناء كما تعطيل إتمام الاستحقاقات الدستورية القادمة، الأمر متوقف على وعي معايرة المخاطر والاستعداد للتخلي عن الطموحات الشخصية، من عدمه، خاصة إذا بدت هذه الطموحات للبعض غير مشروعة لألف سبب وسبب ليس آخرها نتائج الانتخابات البرلمانية.
إن رفض أي طرف الشراكة مع الأطراف الأخرى، هو خيار مدمر، إذ أنه لا يقارب أي مذهب من مذاهب ممارسة السياسة والديمقراطية، ذلك أن الأغلبية المتحصلة لا تسمح لأي طرف أو فريق أن يمارس السلطة وحده، وربما هو من الالطاف والعناية الإلهية أن المعركة الانتخابية لم تمنح أحد الأطراف تلك الأغلبية التي تجعله ينفرد أو يستبد، ذلك ليبقى لبنان العنوان للتعايش والتعاون والشراكة، ولإسقاط مخاطر الفراغ والتقسيم والفدرلة والحرب الأهلية التي يخطط لها البعض ويدفع دفعا باتجاهها.
لبنان محكوم بالتفاهمات
ليس جديداً ما أفرزته الانتخابات النيابية اللبنانية، وما رافقها من انقسامات حادة، فالتجارب السابقة في أغلب محطاتها منذ خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وسبعينيات الحرب الأهلية وما تلاها من محطات رغم أنها قادت لبنان إلى التحرير، ونقلته إلى مواقع القوة والتأثير، إلا أن الخلاف بقي مستعرا دائما.
وبسبب ارتهان فريق سياسي بعينه للخارج ولأجندات معادية للبنان وفلسطين والقضايا القومية، فقد وصل هذا الخلاف حدود ارتكابه الجريمة بحق لبنان ورموزه الوطنية وتخطى حد السجالات وراح يأخذ شكل الخيانة العظمى المعلنة ذلك بمد اليد للعـ.ـدو الاسرائيلي وبقطع العلاقة مع سورية والمجاهرة بتبني كل ما يخطط للنيل منها.
محاولات التشويه التي يعمل عليها فريق سياسي لبناني تحت إشراف السفارات الأجنبية، هي لا تستهدف شطب مكونات أساسية في المجتمع اللبناني، بل تريد اختطاف لبنان والذهاب به إلى ضفة العـ.ـدو الإسرائيلي والارتماء في أحضان الولايات المتحدة والغرب، هذا ما حصل قبل نحو أربعين سنة – لولا أن تم إحباطه – ولم تتوقف المحاولات التي أجهضها الطرف الآخر الذي يحافظ على هوية لبنان، عربيا، مقاوما، رائدا، في الدفاع عن قضاياه وقضايا أمته.
الرؤوس الحامية التي تتحدث عن الخلاص من احتلالات ووصايات سورية، إيرانية، مزعومة، واضح أنها لا تريد الاستقرار للبنان، وقد كان واضحاً أنها تريد أخذه إلى الحرب الأهلية من أجل إحياء ١٧ أيار جديد، غير أن ذلك لم يقع، ولن يقع، بفضل وعي الطرف الآخر، ولأن الطرف الآخر في فرضية الحرب الأهلية يرفض دخولها ويبقي وجهة البندقية إلى العـ.ـدو والمحـ.ـتل في مزارع شبعا وفلسطين، يتحمل، يمتص، يرد تحت سقف الوطن وموجبات حمايته، لكنه لن ينزلق، ولن يسمح للآخر المتهور أن يجعل البلاد تنزلق للحرب الأهلية المدمرة على قاعدة أن لبنان محكوم بالتفاهمات مهما كانت شاقة ومؤلمة، ولا بد من البحث عنها دائماً من أجله في موقعيته المهمة وفي دوره الحضاري، الثقافي، السياسي، المقاوم والرائد.
بلغة الانتخابات وصناديق الاقتراع، وبمنعكساتها السياسية، قد لا يكون الطرف المرتهن للأجندات الأجنبية تلقى هو والمشروع الأميركي هزيمة كاملة، لكن نتائج الانتخابات بواقع ما أفرزته لن تتيح له التقدم خطوة واحدة، وربما اعترف مبكراً الموجهون المقيمون بالسفارات بخيبتهم، فيما بقي أولئك الذين يكابرون وينكرون على عنادهم وأوهامهم.
لا حلول نهائية للأزمات
أمام استحقاقات مهمة يقف اللبنانيون، وخلال الأشهر القليلة القادمة لا شك أن تياراته السياسية “الوطنية” ستخضع لاختبارات معقدة، النجاح فيها وتخطيها بسلام يحتم عليها أن تتحرك بهدوء، برجاحة، وبحسابات دقيقة، تفوت الفرصة على أعداء لبنان والأمة، وتثبت موقع لبنان المقاوم، وهويته العربية، وتوأميته مع قلب العروبة النابض، سورية.
وأما أن الانتخابات أضافت مشكلات للبنان، أم ستمكنه من إيجاد الحلول لبعضها، فلهذا بحث آخر، لا ينبغي استعجال الحكم والاستنتاج فيه، فضلاً عن أنه يرتبط بالكثير من التطورات والمتغيرات الجارية على الساحة العالمية، بحكم تأثيراتها التي لا تخفى، ليس على لبنان فقط، وإنما على عواصم العالم في أربع جهات الأرض.
علي نصر الله