الأوضاع المعيشية تسلب الناجحين في الثانوية أحلامهم.. خبير اقتصادي يتحدث عن بدائل لمنعهم من التسرب الجامعي
يوماً بعد يوم تضيق خيارات الشباب في سورية، حتى الناجحين في الثانوية، بات تحديد مستقبلهم تحكمه الحسابات المادية، المترتبة على تلك الخيارات، من أجور نقل ومصاريف جامعة، رغم علاماتهم المرتفعة.
ونتيجة لهذه الأسباب، اضطر العشرات من خريجي الثانوية العامة هذا العام إلى التخلي عن التخصصات التي كانوا يحلمون بدراستها، واختيار تخصصات توفرها الكليات الواقعة بالقرب من مناطق سكنهم.
وقالت إحدى الطالبات الناجحات في الثانوية العامة، لصحيفة “تشرين” الرسمية، أنها “اضطرت إلى التخلي عن رغبتها في دراسة الهندسة المدنية، لتسجل بدلاً من ذلك اللغة الإنكليزية.
وأضافت، ليس حباً للّغات، ولا لافتقارها للمعدل، بل على العكس، كانت علاماتها ممتازة وتتيح لها دخول أفضل فرع، ولكن السبب أن كلية الآداب قريبة من سكنها في المزة 86، بينما تقع كلية الهندسة في منطقة الصناعة “الهمك”، والتي يتطلب الوصول إليها دفع 5000 ليرة يومياً أجرة مواصلات، بمتوسط قدره 300 ألف ليرة لكل طالب يواظب مدة 22 يوماً في الشهر على الدوام في الجامعة.
وقالت طالبة أخرى، حلمها أن تصبح مُهندسة مدنية وخاصة بعد تفوقها في الثانوية، وحصولها على مجموع 233 من أصل 240، ولكن على ما يبدو أن الظروف أقوى منها لأنها أجبرتها على أن تتخلى عن هذا الحلم، وتقبل بدراسة الحقوق بسبب بعد سكنها عن الكلية، فهي تقطن في منطقة جديدة عرطوز، وكليات الهندسة بعيدة جداً عن مكان سكنها مشيرة إلى أنها ليست الوحيدة، فشقيقتها هي الأخرى اضطرت إلى تغيير تخصصها للسبب نفسه.
وفي هذا السياق، بين الخبير الاقتصادي “فاخر القربي”، أن الأزمة الاقتصادية أسدلت ستارها على جميع القطاعات، ولم تستثنِ قطاع التعليم، الذي ناله نصيب كبير من انعكاساتها السلبية.
اقرأ أيضاً: توقيف أستاذ في “كلية الإعلام” عن العمل وإحالته إلى مجلس التأديب
وقال “القربي” للصحيفة نفسها، مع ازدياد نسبة الفقر لم يعد بمقدور عدد كبير من الأهالي تسجيل أولادهم في فروع الجامعات الرسمية منها، فحتى تكلفة النقل تحتاج ميزانية ليس في استطاعتهم تأمينها، عدا المستلزمات الدراسية من قرطاسية وحاجات أخرى.
وأشار “القربي”، إلى أن ما يعيشه الطلبة في هذه المرحلة يؤثر في مستوياتهم النفسية والفكرية والاجتماعية، فكثيرون منهم يصابون بنوع من الاستسلام.
ولفت إلى أنه لم يكن متوقعاً لدى الكثير من طلبتنا انتزاع حقهم في التعلم الجامعي وتحقيق طموحهم وبناء مستقبلهم نتيجة انتقالهم للعمل إلى جانب دراستهم، وربما في معظم الأحيان ترك الدراسة من أجل العمل نتيجة وقوع الطالب في أغلب الأحيان بين طرفي كماشة الدوام الطويل من جهة، واحتياجاته الجامعية غير المحدودة وخصوصاً في الفروع ذات الطابع العلمي العملي من جهة ثانية.
وأضاف، نحن بحاجة لخطّة إسعافية، نستطيع من خلالها تعويض فاقد التعليم الجامعي لدى شبابنا وبناء جيل يحمل شهادات جامعية نستطيع من خلاله بناء وطن يحمل أبناؤه فكراً بطابع ثقافي واجتماعي وأخلاقي.
وقال، مادامت الفئات الشابة المتعلمة تهاجر، ومن على مقاعد الدراسة تتسرب من التعليم، وبالتالي لا تتثقف للوصول إلى وعي في التفكير وفي العلاقات، فلن نؤسس لبناء مجتمع ووطن أفضل في المستقبل.
ودعا الخبير الاقتصادي، إلى منح القروض الإنتاجية بتسهيلات يستطيع الطالب من خلالها توليد فرصة عمل تنعكس اقتصادياً وذاتياً واجتماعياً، وتكون مدة هذه القروض فترة دراسته الجامعية كحد أقصى، وربط الكفالة المصرفية ببراءة الذمة حين تخرجه من مرحلته الجامعية.
كما دعا إلى إيجاد صيغة قانونية بين وزارة التعليم العالي ووزارة المالية لتقديم منحة مالية ولو لمرة في العام من أجل تغطية نفقات الطالب الأساسية، وأن يكون هناك تعاون بين وزارة التعليم العالي ومختلف الوزارات للاستعانة بالطلاب ضمن عقود موسمية، يستطيع من خلالها الطالب تغطية نفقات دراسته وبالتالي يؤدي دوره من خلال خبرته في خدمة المجتمع بشكل عام.
كما دعا “القربي”، إلى تعزيز الدور الاجتماعي للمؤسسات والجهات التي تعمل في المجال الإنساني لتقديم الدعم للطلاب في الجامعات وتحفيز رجال الأعمال على تقديمهم منحاً مالية للطلاب وتغطيتهم بعض المنح الدراسية الجامعية، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال على تبني مشروعات ريادة الأعمال الإنتاجية التي يقوم بها الطلاب في الجامعات.
وكان “محمد أبو رشيد” مدير عام شركة النقل الداخلي في دمشق وريفها، بيّن أن هناك خطة لتخديم طلاب الجامعات، حيث سيتم تشغيل خطوط لباصات النقل الداخلي لنقل الطلاب من وإلى كلية الهمك ذهاباً وإياباً، حيث ستنطلق الباصات من قطنا في ريف دمشق إلى الهمك، وضاحية قدسيا – همك، وقدسيا – همك.
وأضاف، هذه الباصات ستكون مخصصة لطلاب الجامعات “همك” حصراً بمعدل رحلتين الأولى صباحاً الساعة السابعة، والثانية العودة عند الثالثة بعد الظهر إلى الأماكن نفسها التي انطلقت منها.
وأمام هذه الحال، وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد عقولاً جديدة لإعادة إحيائها على ما كانت عليه قبل هذه الحرب الملعونة، غير أن ما يحصل كل يوم يواصل إعادتنا إلى الوراء، وسلبنا أحلامنا بغد أفضل، والتي باتت تقترب من الموت.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع