خدميمجتمعمحلي

أوراق اليانصيب تغري بالرفاهية.. اختصاصية: مقامرة شرعية تنطوي على حالة نفسية غير سوية هدفها الأمل بتحسين الظروف الاقتصادية

أوراق اليانصيب تغري بالرفاهية.. اختصاصية: مقامرة شرعية تنطوي على حالة نفسية غير سوية هدفها الأمل بتحسين الظروف الاقتصادية

 

اعتاد “سومر” على سحب ورقة الحظ أسبوعياً في الظروف العادية، أما في نهايات كل عام له نغم آخر يقول، أجمع مبلغاً من المال سواء عن طريق (جمعية) حتى لو كانت على حساب لقمة أولادي لأشتري عدة أوراق حسب ما تيسر لي ثمن البطاقات، إذ لابد أن (تصيب)، أو أن يبتسم لي الحظ ولو مرة واحدة في هذه الظروف اللعينة، وفق ما قاله لـ كليك نيوز.

يمثل “سومر” شريحة كبيرة من الناس المعتادة على السحب الدائم لورقة الحظ أو حالة ما يسمى بـ (شراء الحلم)، هذه اللعبة التي تدور على مدار العام إلى أن يأتي السحب الأخير لرأس السنة، ليزيد هذا الدافع لامتلاك ورقة وأحياناً أكثر ولو حساب لقمة عيشهم في ظروف قاسية على الجميع، دفعها وهم الثراء وشراء الأمل بغمضة عين دون جهد والسؤال لماذا يرغب الناس بامتلاك ورقة حظ يعلمون، وما هي وجهة نظر أهل الاختصاص في ذلك؟

ماذا عن باعة الحظ!

المفارقة أن الباعة الصغار لا يملكون الحظ، ولكن يملكون بسطة لبيعه، “أبو راشد” بائع بسطة أوراق الحظ يبتسم قائلاً “نحن لا نملك الحظ ولكن نبيعه لمن يرغب”، ونادراً ما يبقى معه مرتجعات فالأوراق لديه مباعة، وتنفذ قبل اقتراب السحب، ولكن تبقى حركة المبيع تتعلق بظروف الطقس، ففي الشتاء يتراجع البيع لضعف الحركة والطلب، ولكن في النهاية تنفذ الكميات التي في عهدته وتحقق ربحاً لا بأس به.

كلام رسمي

يصل سعر بطاقة اليانصيب إلى 18 ألف ليرة سورية، أي بنسبة تزيد سعرها الحقيقي بكثير والذي يبلغ 8 آلاف ليرة.

وكان مدير عام المؤسسة العامة للبريد “حيان مقصود” أكد في تصريحات له، أن عدد البطاقات بلغ ضمن الإصدار الحالي لرأس السنة 800 ألف بطاقة كما كان في السنة الماضية، وهو يغطي السوق السورية.

اقرأ أيضاً: العنف والشتم والسلب منهجاً لهم.. المتسولون يطوّرون أساليبهم للحصول على المال

وأضاف، يأخذ الموزع حصته ومن ثم يبيعها بالسعر المحدد الذي يتضمن هامش ربحي له، ولم يحدث سابقاً أن أرجع موزع مخصصاته وتبقى مهام ضبط الأسعار من مهام الجهات الرقابية.

وأمام هذا التهافت الكبير لشراء أحلام في الهواء، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تساؤل لا بد منه ما الذي يدفع البعض لشراء بطاقة في هذه الظروف ولماذا ما هي وجهة نظر علم النفس في هذا الموضوع؟

تشبه المقامرة لكن بطريقة قانونية

ترى الدكتورة “نسرين الموشلي” من كلية التربية في جامعة دمشق، أن سلوك شراء بطاقات اليانصيب هو سلوك يشابه المقامرة ولكن بطريقه تحمل الشرعية القانونية، ويمارسها الكثير من الأفراد من باب الأمل بتغيير أوضاعهم الاقتصادية وتحقيق الاستقرار والرفاهية المادية لاسيما في عصر الأزمات الاقتصادية التي نعاني منها.

اقرأ أيضاً: حصّة كهرباء “معمل الأسمدة” تعود لمحطات التوليد.. هل يتحسّن واقع التقنين؟

ويصاب الكثيرين بحالة من الهوس بتحقيق الربح السريع من خلال شراء اليانصيب بشكل دوري، وتتميز سلوكياتهم بهيمنة هاجس التطير، بمعنى الاقتران الشديد اللاإرادي بغلو تحقيق التوقعات ذات المنفعة الشخصية على أجواء أو أحداث أو مزاج معين مشابه للحدس.

أسير الحالة

وأضافت في حديثها لـ كليك نيوز، أن التعلق بهذا السلوك يشعر الإنسان أنه معرض لاحتمال الربح أكثر من الخسارة، والنجاح أكثر من الخسارة، ويقدم الإنسان بكل اندفاع سلوكي مبني على أسس غير منطقيه تقوده أسيراً لهذه الحالة، وهي حالة اعتلالية مرتهنة بهواجس شعورية باقترانها نفسياً بالوهم، ومما يعزز سلوكهم تكرار نجاحهم نسبياً الذي يربطونه بالهواجس “وهو من باب الصدفة”، فهو شبيه بالوسواس القهري، ذلك هو الاعتلال الفكري والسلوكي الذي يتصف به هؤلاء.

وبينت “الموشلي” أن الأشخاص الذين يقدمون على هذا السلوك يعانون من حالة عدم استقرار نفسي نتيجة لتردي وضعهم المالي يريدون في مخيلتهم قلب حياتهم من الجحيم إلى الجنة، أو نتيجة الرغبة في زيادة ثرائهم المادي نتيجة حاجاتهم المتزايدة للمال.

اقرأ أيضاً: زيادة الاعتماد على الخبز “كقوت يومي”.. حلب تستهلك نحو 500 ألف ربطة يومياً

وأضافت “الموشلي” هذه الظاهرة تزداد كلما كان الإنسان مقموعاً في المجتمع، فهو لا يشعر بالأمان المستقبلي، ويعيش في ديمومة من القلق والمخاوف من تردي الدخل المالي وتأمين لقمة العيش، والخوف من العوز والفقر، كثيراً ما يؤدي إلى التعلق بالحظ واليانصيب، وهو نوع من الشعور (بالأمان النفسي الوهمي)، لذلك يحاول الانسان استباق خطورة صعوبة الحياة عبر التعلق باليانصيب والربح السريع كنتيجة لانعدام أو نقصان الشعور بالأمان مالياً في حاضره ومستقبله.

ومن وجهة نظر “موشلي” فإن غالبًية أصحاب هذه المؤسسات يستغلون هذا القلق الناجم عن القمع الذي يعيشه المجتمع، ذلك هو القمع المبطن من خلال التهديد والتلويح بلقمة عيش المواطن وكذلك زيادة الضرائب، زياد النمط الاستهلاكي، وضع المجتمع في حالة من الحيرة وعدم وضوح المستقبل، تردي الأوضاع الاقتصادية، زيادة البطالة والفساد.

خطورتها

أما الخطورة نتيجة هذه الظاهرة فهي استغلال واستنزاف الناس نفسياً ومالياً، وإعطائهم أمال الخلاص من صعوباتهم المالية والخروج من حالة القمع الاقتصادي، من خلال تزيين الحظوظ والفوز بالجوائز كنوع من الأمل الوهمي.

ولا شك إن زيادة هذه الظاهرة في أي مجتمع دلالة واضحة على مدى تردي الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع بشكل عام، وإلهاء الناس بالآمال والحظوظ، وعدم اخذ الخطوات الواقعية والتصدي لتردي أوضاعهم النفسية، بدل أن يلجأ الناس إلى العمل الجاد.

وخلصت “موشلي” أنه يمكن التخلص من ذلك الشغف والتعلق باليانصيب بتغيير أوضاع الناس المعيشية ودعمهم مادياً ونشر ثقافه العمل والاجتهاد ومتعة الحصول على المردود المادي بجهدهم وتعبهم.

بادية الونوس – كليك نيوز 

المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى