وحدة الساحات من وحدة القضية
وحدة الساحات من وحدة القضية
لم تكن وحدة الساحات في يوم من الأيام أكثر وضوحاً وأكثر واقعيةً مما هي عليه اليوم، فالمعركة التي بدأت على تخوم قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي لم تلبث كثيراً حتى انتقلت إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان وإلى اليمن وسورية والعراق وإيران.
إن مصطلح “القضية المركزية” الذي أُطلق على الصراع العربي – الإسرائيلي في فلسطين منذ عقود، لم يكن نسجاً من خيال، بقدر ما كان وصفاً دقيقاً وتعبيراً حقيقياً لطبيعة الصراع العربي مع هذا العدو الاحتلالي الاستيطاني الذي يمارس منذ سبعة عقود حرب إبادة وتهجير ضد الشعب الفلسطيني وحرب إضعاف وإخضاع ضد الشعوب العربية في مصر وسورية ولبنان والأردن.
ولأن القضية الفلسطينية، هي القضية المركزية التي وحدّت الساحات في حرب 67 وحرب 73، كان هدف العدو وحلفائه تفكيك الساحات وإضعافها عبر ما أطلق عليه اسم “اتفاقيات سلام” منفردة، والتي أخرجت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية على التوالي من خندق المواجهة مع العدو الغاصب، اتفاقيات لا تتعدى عن كونها صكوك إذعان واعتراف للمحتل بحقوق لا يملكها ووجود مصطنع على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين.
لكن اليوم ومع معركة “طوفان الأقصى” عادت وحدة الساحات إلى الواجهة بقوة وثبات لمواجهة حرب الإبادة التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فكيف لا تتوحد الساحات ضد عدو يحتل الأرض وينتهك المواثيق الدولية على مدار الساعة بدعم عسكري وسياسي لا محدود من الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الاستعمارية التي شاركت في جريمة قيام هذا الكيان المصطنع؟
اقرأ أيضاً: ما بين الحرب والمناخ
ألا يحق للشعوب العربية والإسلامية التي تنتهك “إسرائيل” مقدساتها في فلسطين، أن تدافع عنها؟ ألا يحق لهذه الشعوب أن تتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يُغتال ويُقتل طفلاً وامرأة وشيخاً وشاباً؟ ألا يحق لها أن تدافع عن مصير شعب فلسطين الذي يقتل بالسلاح الأمريكي والإسرائيلي معاً؟
وحدة الساحات تفرضها وحدة المعركة ووحدة المصير، فالعدو واحد سواء كان في تل أبيب أم في واشنطن، الطائرات والصواريخ التي تضرب الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني والعراقي واليمني وسوف تضرب الإيراني لو أتيحت لها الفرصة هي نفسها أمريكية – إسرائيلية، وسواء انطلقت تلك الطائرات والصواريخ من مطارات كيان الاحتلال أم من حاملات الطائرات الأمريكية فاليد التي تطلق النار واحدة.
اقرأ أيضاً: كل الحروب تؤدي إلى دمشق
لذلك فإن الرد اليوم على مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، انطلق من جنوب لبنان ومن اليمن ومن العراق وسورية بدعم سياسي وعسكري من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وضعت خبراتها العسكرية في خدمة قوى المقاومة التي أصبحت تمتلك بحسب تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان القدرات العسكرية للتصنيع، وتمتلك قرارها المستقل في المواجهة القائمة.
لقد أظهرت قوى المقاومة في معركة “طوفان الأقصى” التي انطلقت فجر السابع من تشرين الأول أنها تمتلك من القدرة والقيادة ما يجعلها تدير المعركة بحرفية عالية وتقنيات وتنسيق لم يسبق له مثيل، وهذه القدرة تتجلى في مواصلة استهداف العدو ومصالحه ومراكزه العسكرية في فلسطين وفي سورية والعراق وباب المندب والبحر الأحمر وسوف تكون لها الكلمة الفصل في المعركة القائمة.
إن العمليات التي تشنها المقاومة العراقية والسورية ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسورية والتي تتصف بالتركيز والتأثير، سيكون لها تداعياتها على الوجود الاحتلالي للقوات الأمريكية وسوف تضطر لاحقاً للانسحاب تحت ضربات المقاومة التي أعلنت أن ضرباتها لن تتوقف طالما تشارك واشنطن في ارتكاب جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني والسوري والعراقي.
فحملات الضغوط التي مارستها واشنطن على الحكومة العراقية ورسائل التحذير التي أرسلتها إلى طهران لم تفلح في ثني المقاومة العراقية والسورية عن استهداف القواعد العسكرية الاحتلالية للقوات الأمريكية في العراق وفي سورية، وهي تتزايد بوتيرة عالية ودقة وتأثير أكبر، وسوف نلمس نتائجها قريباً.
اقرأ أيضاً: من يجلب “إسرائيل” إلى المحكمة الجنائية؟
ومن اليمن شكلت الضربات الصاروخية على الكيان واستهداف سفن الشحن المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية ضربة قاسية للعدو، وباعتراف قائد سلاح البحرية الإسرائيلية السابق، “اليعيزر ميروم”، استطاعت القوات المسلّحة اليمنية أن تفرض حصاراً بحرياً كاملاً على “إسرائيل”، وتعطيل خروج ودخول 95% من البضائع إلى الكيان الغاصب وإرغامها على الالتفاف حول أفريقيا عبر المتوسط في طريق طويل ومكلف جداً.
إن مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق وسورية واليمن وطرد المحتلين لن تكون بلا ثمن، وقد أكدت الشعوب العربية أنها جاهزة لدفع الثمن لقاء تحررها من سطوة الاستعمار والاحتلال، وقد كان الشعب الفلسطيني في مقدمة الشعوب العربية في دفع ثمن النضال ضد الاحتلال، ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه من دماء أطفاله ونسائه لا يزال مصراً على مواجهة المحتل الإسرائيلي إلى أن يستعيد حقوقه المسلوبة وأرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وحدة الساحات تزعزع قدرة العدو على المواجهة وتربك حلفائه في واشنطن ولندن، وتثير قلق ومخاوف مسؤوليهم الذين يصرّحون يومياً بحرصهم على عدم فتح جبهات جديدة ضد الكيان، لكن محور وحدة الساحات يدير المعركة وفق سمت رسمه بدقة وحرفية عالية، ولن يتأثر موقفه بتهديد أو وعيد يصدر من واشنطن أو تل أبيب.
فبعد شهرين ونيف من حرب الإبادة وممارسة سياسة الأرض المحروقة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تتوارد الأنباء تباعاً باعتراف العدو عن مقتل العديد من جنوده وضباطه في معارك واشتباكات من مسافات صفرية مع رجال المقاومة في حي الشجاعية وفي خان يونس وغزة وكل مكان تتوغل فيه دبابات الاحتلال.
الأنباء ذاتها تتوارد من مضيق باب المندب والبحر الأحمر حيث تمنع القوات اليمنية أي سفينة شحن أو ناقلة نفط وجهتها الكيان المحتل، وعلى طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة تدك المقاومة مواقع العدو وتحقق إصابات مؤلمة رغم أنها لم تستخدم قدراتها الكاملة بعد، وفي العراق وسورية لا تكاد تمر ساعة دون أن تتعرض القواعد العسكرية الأمريكية لهجوم بالصواريخ والطيران المسّير.
تلك هي وحدة الساحات التي تفرض نفسها قوية قادرة على رسم مسار الصراع وحسمه، ولن تنفع “إسرائيل” أساطيل واشنطن ولندن في المتوسط وفي الخليج، فهي غير قادرة على حماية نفسها فكيف ستحمي تل أبيب؟!
عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع