دراسة محلية تدق ناقوس الخطر حول التعليم العام.. “تدني للأجور وانتشار للفساد جعله للمقتدرين مادياً”
شهد قطاع التعليم في سورية، كغيره من كافة القطاعات الأخرى، تدهوراً متسارعاً على امتداد سنوات الأزمة، وباتت تكاليفه شاقة، وقاسية على عموم الأسر السورية، حتى تحولت الكثير من المدارس “للفرجة فقط”، وأصبح التعليم لأساتذة خصوصيين ومعاهد خاصة تعج بها كافة المحافظات رغم “أجورها المليونية”.
وفي هذا السياق، قرعت دراسة ميدانية أعدها ونفذها باحثون في مركز الشهباء للدراسات الإستراتيجية، ناقوس الخطر حول التعليم العام في مدينة حلب.
وخلصت إلى مجموعة كبيرة من الصعوبات التي تعيق واقع وآفاق العملية المترهلة في التعليم الحكومي المجاني لمصلحة الخاص المأجور.
وأظهرت نتائج الدراسة، أن التعليم العام الحكومي، يعاني هجرة الخبرات والكفاءات التربوية والتعليمية إلى خارج منظومة التعليم، كما يعاني الكادر التربوي والتعليمي من التدني الشديد جداً في الرواتب والأجور ومتمماتها في مختلف مراحل التعليم الحكومي.
وأظهرت نتائج الدراسة أيضاً، وجود تقصير غير مبرر في المتابعة والرقابة من الجهات المعنية لضبط حسن سير العملية التربوية والتعليمية، وغياب المحاسبة للمخالفين والمقصرين، وتراخ في تطبيق العقوبات المسلكية الرادعة في منظومة التعليم.
وبينت النتائج وجود هدر غير مبرر في الممتلكات العامة والأموال المخصصة لتطوير ودعم منظومة التعليم، وعدم كفاية الدعم المادي والمعنوي العادل لمدارس التعليم الحكومي لخدمة تطوير العملية التعليمية.
كما أظهرت النتائج، الخلل في توفير وتوزيع الكتاب المدرسي في التوقيت المناسب، وغياب تطبيق قواعد السلامة العامة والخدمات الصحية والنظافة، وعدم كفاية المخابر وتقنيات التعليم الحديثة والمتطورة المساعدة في العملية التعليمية وضعف استثمارها، إلى جانب تفشي حالات الفساد المالي والإداري والتعليمي لغياب الرقابة الإدارية والمالية من الجهات المعنية.
كما أظهرت، عدم وجود قواعد حساب مالية موحدة في تحديد الرسوم التي يتقاضاها التعليم الخاص، كذلك توحيد المناهج في التعليم الخاص بما يتوافق مع التعليم الحكومي مع التركيز العالي على تعليم اللغات الأجنبية بالأساليب الحديثة، وقلة تقنيات أجهزة التعليم الحديثة المتطورة ووسائل الإيضاح مقارنة مع ما يتقاضاه التعليم من رسوم ومبالغ مادية عالية.
وحول أسباب توسع التعليم الخاص وانتشاره، فإنها تعود بحسب الدراسة، إلى الارتفاع الكبير للرواتب والأجور التي يتقاضاها الكادر التعليمي في هذا القطاع، وتوفر الخبرات والكفاءات التعليمية، وهي ناتجة عن هجرتها من التعليم الحكومي، وارتفاع مستوى الأداء إلى حد ما ناتج عن وجود الكفاءات والخبرات التعليمية.
اقرأ أيضاً: رغم لهيبها.. موجة الحر تعيدنا لذكريات اشتقنا إليها جميعاً
ومن الأسباب أيضاً بحسب الدراسة، التواصل المستمر والفعال بين إدارات المدارس الخاصة وأهالي الطلاب، ووجود بيئة اجتماعية وترفيهية جاذبة تساعد في رفع المعنوية والقدرة على الاستيعاب، ووجود الحد الأدنى من وسائل تعليمية حديثة ومتطورة، لكنها غير كافية.
كذلك أظهرت النتائج، الاهتمام بالطلبة من خلال تأمين الألبسة ومستلزمات الدراسة المناسبة، وتوفير الكتاب المدرسي في الوقت المناسب، إلى حد ما، ووجود واستخدام وسائل تعليم وتقنيات حديثة ومتطورة مع دمج التكنولوجيا بالتعليم، إلى حد ما، مع أساليب مشجعة على تعليم اللغات الأجنبية وانخفاض أعداد الطلاب في الشعب الصفية، وارتفاع تكاليف التعليم الخاص بشكل جنوني لا يؤدي إلى تحسين مستوى التعليم.
يذكر أنه وبحسب بيانات مديرية التربية بحلب، عن التعليم الخاص، فعدد مدارس التعليم الأساسي 58 مدرسة، وعدد تلاميذ التعليم الأساسي 19425 تلميذاً بوسطي 26 تلميذاً في الشعبة الصفية الواحدة، بينما بلغ عدد مدارس التعليم الثانوي 22 مدرسة، ومتوسط عدد الطلاب في الشعبة الصفية الواحدة 27 طالباً، مقابل وصول عدد المعلمين المؤهلين في التعليم الأساسي والثانوي إلى 1604 معلمين.
واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليها الدراسة الميدانية، وضعت عدداً من المقترحات والتوصيات.
ونصت الإصلاحات المقترحة، على إعادة النظر في منظومة التعليم العام ما قبل الجامعي بشقيه الحكومي والخاص، مع تأكيد أن يكون التعليم الخاص رديفاً ومكملاً للتعليم الحكومي وليس منافساً له أو بديلاً منه.
كما اقترحت الدراسة، وضع معايير محددة لاختبار وانتقاء المعلمين والمدرسين على أساس القدرة والكفاءة والاختصاص، وتحديد أماكن عملهم في المدارس القريبة من مناطق سكنهم، مع إعادة النظر في مناهج التعليم التربوي ما قبل الجامعي لتتناسب وتتوافق مع الاختصاصات في التعليم الجامعي ومتطلبات الوعي الثقافي والفكري والانتماء الوطني واحتياجات سوق العمل.
وحثت الدراسة، على العمل بإرادة حقيقية على رفع الرواتب والأجور (الحكمية + التعويضات + الحوافز الإيجابية) للكادر التعليمي في التعليم الحكومي، حرصاً على حياة كريمة للمعلم، وللحد من هجرة الكفاءات والخبرات العلمية خارج منظومة التعليم.
ومن المقترحات أيضاً، بحسب الدراسة، العمل بعقلية علمية على دمج التكنولوجيا الحديثة والمتطورة وأدواتها في العملية التعليمية، وتفعيل الرقابة الإدارية والمالية للحد من حالات الفساد الإداري والمالي في منظومة التعليم.
كما اقترحت الدراسة، تفعيل التواصل بين إدارات المدارس وأهالي التلاميذ والطلاب من خلال تقارير شهرية عن مستوياتهم التربوية والتعليمية والأخلاقية الحقيقية، إضافة إلى تفعيل اللقاءات الشهرية مع أهالي الطلاب، والعمل على تطبيق الإدارة الإلكترونية في العملية التربوية والتعليمية للتقليل من حالات الهدر المادي والمالي.
واقترحت أيضاً، توفير مستلزمات التعليم من مدارس متخصصة ومخابر وكهرباء ومياه ونظافة والصحة العامة، مع التشديد على الالتزام والضبط السلوكي لجميع العاملين في منظومة التعليم، وانتقاء الإدارات المدرسية والتوجيهية وفق معايير الكفاءة والقدرة الإدارية.
ومن المقترحات لتطوير قطاع التعليم في سورية أيضاً بحسب الدراسة، تفويض الإدارات المدرسية والمعلمين بصلاحيات تقويم الانحرافات في السلوك التعليمي والتربوي والأخلاقي عند المعلمين والمدرسين والتلاميذ والطلبة مع تفعيل دور الرقابة لضمان حسن استخدامها بالتشاركية مع الأهالي.
وتضمنت المقترحات أيضاً، الاهتمام بتطبيق قواعد السلامة العامة والخدمات الصحية، والعمل على الحد من ظاهرة التسرب في التعليم وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي من خلال توفير بيئة واعية تعليمياً وثقافياً.
كما اقترحت العمل لتأهيل المعلمين وخاصة القدامى على تقنيات وأساليب التعليم الحديثة والمتطورة، وتفعيل المتابعة والرقابة الإدارية والمالية على مدارس التعليم الحكومي والتعليم الخاص، والاهتمام وزيادة أعمال الصيانة للأجهزة والمعدات ووسائل الإيضاح الحديثة والمتطورة، وضرورة العمل على تعديل المناهج المدرسية.
وبحسب الدراسة، اقترحت مديرية التربية بحلب، تنفيذ دورات تدريبية بشكل دوري لرفع كفاءة المعلمين ضمن المدارس، والعمل على إجراء الصيانة الدورية لتحسين بيئة البناء المدرسي وتأمين منظومة طاقة بديلة للمدارس بما يسمح باستثمار وسائل تقنيات التعلم والانتقال بالتعليم إلى التعليم التفاعلي.
كما طالبت المديرية، بربط جميع المدارس بشبكة الإنترنت بما يسمح بالاطلاع على التطورات في مجال التعلم والتعليم، مع استكمال النقص من الكادر الإداري والتعليمي ورفع رواتب المعلمين بما يكفل حياة كريمة للمعلم ويسمح بتفرغه للقيام بعملية التعليم ومتابعة آخر وأحدث ما وصل إليه العلم في مجال عمله.
يذكر أن باحثي المركز، التابع لفرع حلب لحزب البعث، اعتمدوا في تنفيذ هذه الدراسة، على الطلب من مديرية التربية بمحافظة حلب بموافاته بالمعلومات والبيانات عن واقع التعليم الحكومي والتعليم الخاص، كما اعتمدوا على إجراء دراسة ميدانية من خلال استبيان إحصائي وزع على أربع مجموعات.
وبحسب صحيفة “الوطن”، جرى تحديد مجتمع وعينة الدراسة من الكادر التربوي والتعليمي في التعليم الحكومي والخاص في مرحلتي التعليم الأساسي والتعليم الثانوي العام، وأهالي التلاميذ والطلاب في مدينة حلب، وأجريت الدراسة، على عينة إحصائية ميسرة بلغ عددها 300 شخص، استعيد منها 294 استمارة صالحة للتحليل.
يذكر أن القطاع التعليمي في سورية، تأثر بشكل كبير بسبب الحرب، حيث دمرت مئات المدارس، وتوفي عشرات الاساتذة، وهاجر المئات، وسط تراجع عملية دعمه بسبب الوضع الاقتصادي للبلاد.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع